الأمن الغذائي والمائي

منشآت المياه "تحت النار": مُدُن بأكملها قد تغرق!

القاهرة - آية أمان

المشاركة

يُثيرُ ملفُّ حمايةِ وتأمينِ السُّدودِ والمُنشآت المائيَّة الضَّخمة العديدَ من المخاوف من اتِّساع دائرةِ المخاطرِ في مناطقِ الحُروبِ والصِّراعات في الوطنِ العربي، حيث تدورُ الآن مَعاركُ في سوريا والسّودان حول "سدّ تشرين" و"خزَّان جبَل الأوليَاء"، بما قد يَتَسَبَّب في أضرارَ بالغة في حال انهيارِهما.

منشآت المياه

تخضعُ عملياتُ تأمينِ السُّدودِ لترتيباتٍ أمنيَّة مُعقَّدة، يتمُّ التَّخطيطُ لها منذ المَراحِل الأولى لإنشاء أي مُنشَأة هندسيَّة ضَخمَة بخاصةٍ ما يُطِلُّ على الأنهارِ العابِرةِ للحدودِ، وتشْملُ عمليَّاتِ تشويشٍ للمَجالِ الجَوّي فوق جسمِ السدّ وزَرْعَ شبكاتٍ للحمايةِ من المتفجِّرَات في محيطِ جسم السدّ.

ويزداد مُعدّلُ الخَطر من انهيارِ سَدّ تشرين وخزَّان جبل الأوليَاء، في كل من سوريا والسُّودان، وهي منشآت مائيَّة ضَخمة تحتجز مليارات الأمتار المكعّبة من المياه، بعد أن أصبحا هدفًا عسكريًّا يُحاوِل أطرافُ الصِّراع استغلالَه كورقةِ ضغطٍ أو "كارتٍ رابح" للسَّيطرةِ على مناطِق استراتيجيَّة تمسُّ بشكلٍ مباشرٍ مصالحَ وأمنَ السُّكان.

في سوريا، تستمرُّ المعاركُ والاشتباكاتُ العنيفةُ بين فصائل الجيش الوطني السّوري المُوالي لتركيا، وقوات سوريا الدِّيموقراطيَّة (قسد) على محورِ "سدّ تشرين" في ريف حلب الشَّرقي، حيثُ تداولَ ناشطون مقاطِعَ لتَعرُّض سدّ تشرين في مدينة منبج للقَصفِ المِدفعي، بينما يحاولُ طرفَا الصِّراع السَّيطرةَ والتَّحكُّمَ في السَّدّ، فيما أعربَت وكالاتُ إغاثة وخُبرَاء أمميّون عن مخاوفَ من كارثةٍ وشيكةٍ في سوريا في حالِ انهيارِ السَّدّ الذي يحتجزُ 1.9 مليار م3 من المياهِ العذبةِ المُجمَّعةِ من نهر الفرات في أكبر البُحيرات الصِّناعيَّة في سوريا.

في 13 ديسمبر/كانون الاول، قامت اللَّجنة الدَّوليَّة للصليبِ الأحمر في سوريا بالاتِّفاقِ مع جميع أطرافِ النِّزاع في محيطِ "سدّ تشرين"، من أجل التَّدخُل العاجِل بإرسالِ فِرقٍ هندسيَّةٍ ومعدَّاتٍ لتأمين سلامةِ هيْكل السَّدّ في محاولةٍ لتجنيبِ المُجتمعاتِ المُجاورة أي مخاطر محتملة - حسب بيانٍ للَّجنة على صفحتِها على موقع "فيسبوك" - لكن تظلُّ المخاوفُ قائمةً بسبب استمرار القتالِ في محيطِ "سدّ تشرين" من دون خِطَّةٍ واضِحةٍ للتَّأمين من القَصفِ أو ضَمان استمرارِ التَّشغيل بعد هروبِ الفرقِ الهندسيَّة والفنِّيّين من موقع السَّدّ بسببِ خطورةِ الوضعِ الأمني.

وفي السُّودان أيضًا، تأتي السُّدودُ في مقدِّمة التَّهديداتِ الكُبرى من استمرارِ الصِّراعِ والاقتتالِ بين قوّات الجيش السّوداني وقوّات "الدَّعم السَّريع"، بعد سيطرةِ الأخيرةِ على منطقة "الجزيرة أبا"، واعتبار "خزَّان جبل الأولياء" هدفًا عسكريَّا، وهو ما يتزامنُ مع فيضاناتٍ غير معهودةٍ هذا العامّ نظرًا لارتفاعِ منسوبِ الميَاه في النّيل الأبيض إلى ضعفِ المُعدَّلات السَّنويَّة، وإطلاقِ أوغندا للمياهِ من "بُحيْرة فيكتوريا" بسببِ ارتفاع مستوى مناسيبِ المياه، ممّا تسبَّب في إغراقِ عِدَّةِ مدنٍ في ولايةِ النّيل الأبيض جنوب السّودان.

ويتصاعد الاقتتالُ بين طرفَيْ الصِّراع في السُّودان في منطقة "جبل الأولياء" - الواقِعةِ على الضَّفَّة الشَّرقيَّة للنّيل الأبيض جنوب الخُرطوم - بسببِ الأهمِّيَة الاستراتيجيَّة للمِنطقة التي تعدُّ مدخلًا للتحكُّم في جزء مهمٍّ من المداخل الجنوبيَّة للعاصِمة السّودانيَّة. ويُكثِّف الجيش السّوداني محاولةَ السّيطرة عليها منذ ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، بعد أن استطاعَت قواتُ "الدَّعم السَّريع" الاستيلاء على الولايةِ منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وبذلك السَّيطرة على المنشآت العسكريَّة، بخاصةٍ القاعدَة الجويَّة الرئيسيَّة لطائراتِ الهليكوبتر.

خلال الأسبوع الماضي، تداولَ سودانيّون عبْر وسائِل التَّواصُل الإجتماعي مقاطع مُصوَّرة لاجتياحِ فيضان غيْر مسبوقٍ مدنًّا وقرًى عِدَّة بولاية النّيل الأبيض، ممّا اضطُرَّ آلاف السُّكان للهرب، حيث باتَ "خزَّان جبل الأولياء" غيرِ قادرٍ على احتواء الفيضانِ بما يرفعُ درجاتِ الخطر من انهيارٍ كاملٍ للسدّ الذي يعدُّ المنشأة الأساسيَّة لتنظيمِ تدفُّق المياه في النّيل الأبيض.

وقال مسؤول باللّجنة الفنِّية المصريَّة - السّودانيَّة المشتركة لإدارة مياه النّيل، في حديثٍ لـ"عروبة 22": "هناك محاولاتٌ لتأمينِ دخولِ فرقٍ هندسيَّة لفتحِ بوَّابات خزّان جبل الأولياء وضبطِ مناسيب المياه بعد انسحاب ممثلي وزارة المياه السّودانيَّة من موقع السدّ، حتَّى لا تتسبَّبَ كمياتُ المياه بالضَّغط على جسم السدّ ومن ثم ارتفاع درجاتِ الخطرِ من انهيارِه".

وأكَّد المسؤولُ المِصري المَعني بمراقبةِ تحرُّكات المياه عبر نهر النّيل: "لا يمكنُ تركُ المنشآت المائيَّة على النّيل كموقعٍ للاقتتالِ العسكري"، مُضيفًا: "مِصر حَدَّثَت نُظُمَ حمايةِ وتأمينِ السدّ العالي من خلالِ تفعيلِ الإنذارِ المبكِّر والتَّنبّؤ بالمخاطر المحتملة في حالِ تعرُّض أي من المنشآت المائيَّة في السّودان للضَّرر جرَّاء استمرارِ القتال".

ولا تتوقَّف المخاطرُ بشأن المنشآت الهندسيَّة الضَّخمة على مجاري الأنهار من الاستهدافِ أو التَّعرُّض للقَصفِ المُباشر، ولكنَّ المُشكلةَ الأكبر هي في توفيرِ بيئةٍ آمنةٍ للفِرقِ الفنِّية وضمانِ استمرارِ تشغيلِ السُّدود، إذ تخضعُ هذه العمليَّة لحساباتٍ هندسيَّةٍ دقيقةٍ تَشملُ رصْدًا لحركةِ المياه وقياس مستوى ومناسيب المياه التي قد تُسبِّبُ بشكلٍ مُباشر تَصدُّعاتٍ في جسمِ السدّ إذا ما زادت عن المعدَّلات الطَّبيعيَّة.

وكان المجلسُ العربي للمياه قد أطلقَ مفهومَ "عسْكرَة المياه" الذي يعني استخدامَ المياه كسلاح في الصِّراعات الداخليَّة المسلَّحة بالمنطقة العربيَّة منذ 2017، بعد رَصْدِ عددٍ من المُحاولات لإضعافِ البُنى التحتيَّة للمياه من أجل الضَّغطِ العسكري واستخدامِ التَّعطيش كسلاحٍ لفرضِ النُّفوذ، إلَّا أنَّ التهديدَ بانهيار السُّدود بات الخطر الأكبر ليسَ لِما ينعكسُ على تأمينِ إمداداتِ المياه والطَّاقة فقط، ولكن للتَّسبُّب في مخاطر تصلُ إلى غرقِ ومَحْوِ مدنٍ كاملَة وتَشريدِ سُّكانها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن