إعلان حكومة "الدعم السريع" .. تمهيد للانفصال أم تكتيك للمفاوضات؟!

السودان - ماهر أبوجوخ

المشاركة

أعلن التحالف السياسي المسانِد لقوات "الدعم السريع" والمسمّى "تحالف السودان التأسيسي / تأسيس"، في 25 يوليو/تموز الماضي، في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، عن تشكيل مجلس رئاسيّ من 18 عضوًا يترأسه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وينوب عنه رئاسة المجلس قائد "الحركة الشعبية وجيشها الشعبي – شمال" الفريق عبد العزيز آدم الحلو، فيما تمّت تسمية عضو مجلس السيادة السابق في السودان (سبتمبر/أيلول 2019 وحتّى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021) محمد الحسن التعايشي رئيسًا لوزراء الحكومة التي أُطلق عليها "حكومة السلام".

إعلان حكومة

جاءت هذه الخطوة بعد ما يقارب الشهرَيْن من تسمية الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معه المتواجدين في العاصمة البديلة "بورتسودان" في شرق السودان، في 19 مايو/أيار الماضي، الدكتور كامل إدريس الطيّب رئيسًا لوزراء الحكومة في مناطق سيطرة الجيش والتي أسمت نفسها "حكومة الأمل". وهذا الوضع القائم على تشكيل حكومتَيْن متوازيتَيْن على الأراضي السودانية هو التجربة الأولى للبلاد التي عاشت عقودًا من الحروب الأهلية منذ أغسطس/آب 1955 وحتّى الحرب الأخيرة في أبريل/نيسان 2023.

شكّل الطرفان المتحاربان في السودان مؤسّسات حكمٍ في المناطق الواقعة خارج سيطرتهما، فالجيش سمّى مؤسّساتٍ دستوريةً في دارفور، التي يسيطر الدعم السريع على ما يقارب التسعين في المائة من مساحتها، ومن جملة خمسة عواصم للولايات توجد واحدة فقط وهي الفاشر خارج سيطرته ويُحكم عليها الحصار. أمّا الدعم السريع وحلفاؤه فقد سمّوا حُكّامًا للأقاليم خارج سيطرتهم، بما في ذلك العاصمة الخرطوم التي أحكم الجيش سيطرته عليها في الاسبوع الثالث من مارس/آذار الماضي.

أثار هذا التشكيل المُتوازي مخاوف من تكرار تجربة التقسيم الإداري للسودان أسوةً بالنموذج الليبي، أو تطوّره مستقبلًا ليُفضيَ إلى انقسام سياسيّ بإنشاء دولتَيْن أو أكثر، للمرة الثانية في السودان الذي فقد في يوليو/تموز 2011 ثلث مساحته بعد اختيار جنوب السودان الانفصال والاستقلال كدولةٍ قائمةٍ بذاتها. وهي تجربة لا يرغب الكثير من السودانيين بحدوثها مجدّدًا في بلادهم، من واقع النتائج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي عاشوها بعد تجربة جنوب السودان، وهو سيناريو قابل للتحقق كتقسيمٍ إداريّ أو سياسي جرّاء وجود حكومتَيْن متنازعتَيْن على الشرعيّة.

يجبُ الإقرار بأنّ النموذج الليبي القائم على مبدأ التقسيم الإداري بين سلطتَيْن أو حتّى نموذج جنوب السودان الذي انتهى إلى انقسامٍ سياسيّ بتكوين دولتَيْن، غير متطابق أو متماثل في الوضع السوداني الرّاهن في ظلّ وجود حكومتَيْن في بورتسودان ونيالا. فلا توجد مصالح اقتصادية تعزّز الوجود كما في الحالة الليبية، أو مرجعية إقليمية تمهّد للانفصال وتكوين دولتَيْن أو أكثر، كما حدث لجنوب السودان من خلال مبادرة دول الإيقاد (IGADD) في العام 1994 التي جعلت "حقّ تقرير المصير والانفصال" خيارًا بديلًا في حال رفض إلغاء الدولة الدينيّة الإسلاميّة المطروحة من نظام الرئيس السابق عمر البشير. ولذلك، نجد أنّ الحجّة التي تؤسّس وتتبنّى انفصال دارفور عن بقيّة السودان، لم تجد حظّها من الترويج والقبول الإقليمي والدولي لجعلها ضمن خيارات الحلّ المطروحة لحرب السودان الحالية.

يُنظر لإعلانَيْ بورتسودان ونيالا لمؤسّساتٍ في سلطتهما في كلّ أرجاء البلاد بما في ذلك الواقعة تحت سيطرة الطرف الآخر، بمثابة تعضيضٍ لمسلكٍ وحدوديّ متمسكٍ بكلّ الاراضي السودانية، مع عدم استبعاد انطلاق هذا الموقف من الصراع الدائر حول الشرعية، أكثر من كونه توجّهًا وحدويًا خاصةً بوجود تيارٍ ضمن حلفاء الجيش يتبنّى فكرة الدعوة لفصل دارفور. ويشمل ذلك حُلفاء الجيش من الحركات الدارفورية الموقّعة على اتفاق جوبا، إلى جانب إجراءاتٍ مُمنهجةٍ تعمّق وترسّخ لفكرة الانفصال بحرمان مواطنين، على أساس الإقليم أو القبلية، من الوثائق الثبوتية أو الامتحانات أو العملة الجديدة. ويُجابِه هذا التوجّه الانفصالي عقباتٍ داخليةً بفقدانه للسند المحلّي أو الإقليمي أو الدولي المؤيّد لهذا التوجّه.

ويرتبط قرار تحالف "تأسيس"، تشكيل مؤسّساته الدستورية، بالبُعد التكتيكي للتعاطي مع أمرَيْن؛ أولهما ممارسة ضغوط على توجّهات الجيش للاعتراف بسلطته في بورتسودان "كأمرٍ واقعٍ"، في تعقيد الواقع عبر إعلان تكوين حكومي لإنتاج "واقعَيْن وليس واقعًا واحدًا". صحيح قد يترتّب عليه عدم الاعتراف بسلطة نيالا، لكنّه يُضيّق الفرص على إقرار وجود السلطة الأخرى والاعتراف بها بوصفها "واقعًا موجودًا نظرًا لوجود واقعَيْن اثنَيْن".

أما عن ميقات الإعلان عن مفاوضات "الآليّة الرباعيّة" بمشاركة كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية والإمارات ومصر، التي كان من المقرر عقدها في 29 ثم 30 يوليو/تموز الماضي، بخاصة مع الإرهاصات التي أشارت إلى توجيه دعوةٍ لقائدَي الجيش والدعم السريع للقاءٍ مباشرٍ، بعد اجتماع الرباعيّة في واشنطن - المؤجّل - للتوقيع على وقفٍ لإطلاق النار، فيهدف الإعلان عن هذا التشكيل الحكومي مزاحمة قائد الجيش في حال مناورته لاستخدام صفةٍ دستوريةٍ في المباحثات من خلال إيجاد صفةٍ دستوريةٍ لقائد الدعم السريع. كما سيصحب هذا الإجراء إجراء مستقبلي باستصحاب التحالف السياسي المسانِد للدعم السريع "تأسيس" ضمن أيّ ترتيبات ومناقشات سياسية أسوةً بحلفاء الجيش، وهذا يضمن للدعم السريع وجودًا في المسارَيْن العسكري والسياسي في أيّ مباحثات مستقبليّة يُناط بها وقف الحرب.

وستُظهر الأيام مقصد وأهداف ونتائج إعلان حكومة نيالا إذا ما كان تكتيكًا مرتبطًا بالتفاوض أم يُفضي تطوّره النهائي إلى تكريس واقع الانقسام وتقسيم البلاد إداريًا بين حكوماتٍ متعدّدةٍ، أو سياسيًا بتفتيت السودان لدولتَيْن أو أكثر، لوطنٍ لم يبرأْ بعد من جراحات انقسام جنوب السودان في يوليو/تموز 2011 حتّى الآن.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن