صحافة

"المشهد اليوم"... وقف النار "يُبصر النور" والغزّاويون "يتنفسون الصعداء"لبنان يستكمل معركة "التكليف" وإسرائيل تصعّد خروقاتها في الجنوب والداخل السوري

فلسطينيون يحتلفون بعد الاتفاق على وقف النار في قطاع غزّة أمس (أ.ب)

على بُعد أيام من تسلّم الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب مهامه وتنصيبه رسمياً، أتى الاتفاق بين حركة "حماس" واسرائيل بعد أشهر من المماطلة والتسويف وعرقلة المسار التفاوضي من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي خضع أخيراً، للضغوط الأميركية وقبل بالصفقة التي ستنهي حمام الدم المستمر في قطاع غزّة منذ أكثر من 15 شهراً وستعيد الرهائن الاسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، الى ذويهم.

هذه الصفقة التي ستدخل حيّز التنفيذ يوم الأحد المقبل، قابلها أهل غزّة، الذين عانوا من ويلات الحرب وقضوا تنكيلاً وجوعاً وبرداً، بالزغاريد والآمال رغم أن الجراح التي تسكنهم غداة المجازر والخسائر يُصعب محوها. فيما اعتبر كثيرون أن الضغوط الأميركية جاءت بمثابة "هدية ترضية" الى الرئيس ترامب الذي بذل جهداً استثنائياً من أجل إتمامها قبل موعد وصوله الى البيت الابيض مقابل حزمة "ترضيات" وعد الجانب الاسرائيلي بها ومن ضمنها، ضمان توسيع الاستيطان في الضفة الغربية واسقاط العقوبات المفروضة على المستوطنين والتي أقرتها الادارة الاميركية السابقة.

وإذ تواصلت احتفالات الغزاويين طيلة ليل الأمس إثر الإعلان عن إبرام صفقة وقف النار وتبادل الأسرى، توالت ردود الفعل المرحبة عربياً ودولياً كما من قبل الاطراف التي عملت على تسوية وقف النار، حيث عبّر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن أمله في أن يسهم وقف إطلاق النار بغزّة في مرحلة جديدة" لا تهمش فيها هذه القضية العادلة والعمل الجاد لحلها". في وقت اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "هذا الاتفاق يمثل خطوة نحو تحقيق السلام المستدام من خلال حل الدولتين، بما يضمن الاستقرار والأمن والتنمية في المنطقة". أما الرئيس الأميركي المنتهي ولايته جو بايدن، فقد أشار الى أنه "بموجب هذه الصفقة، سيتم إعادة جميع هؤلاء إلى ديارهم"، كاشفاً عن أن "الرهائن الأميركيين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى".

وشددت حركة "حماس" على أن الاتفاق "هو ثمرة الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومتنا الباسلة في قطاع غزّة، على مدار أكثر من 15 شهراً"، واضعة إياه في إطار الـ"إنجاز لشعبنا ومقاومتنا وأمتنا وأحرار العالم، وهو محطة فاصلة من محطات الصراع مع العدو، على طريق تحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة". يُشار إلى أن المرحلة الأولى مداها 6 أسابيع وستشمل انسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية وتبادل الأسرى والرهائن ورفات المتوفين وعودة النازحين، إضافة إلى تكثيف إدخال المساعدات الإنسانيّة.

وعليه، يفتح هذا الاتفاق، في حال تم الالتزام به، باباً واسعاً على النقاش حول طبيعة المرحلة المقبلة ومن سيتولى "اليوم التالي" خصوصاً أن اسرائيل تسعى للحصول على ضمانات أمنية تحميها من عدم تكرار عملية 7 أكتوبر كما ترفض تمثيل "حماس" أو أن يكون لها دور مستقبلي. وفي الوقت عينه تبرز معضلة إعادة الاعمار، والتي ستشكل تحدياً رئيسياً إزاء الدمار الهائل الذي سببته هذه الحرب والتي أسفرت ايضاً عن إستشهاد أكثر من 46 ألف شهيد و110 آلاف مصاب.

وتشكل هذه المستجدات الفلسطينيّة بارقة أمل خاصة أنها تتقاطع مع تحولات إقليمية ودولية. ففي المشهد اللبناني، أجرى الرئيس المكلف نواف سلام لقاءات مع مختلف الكتل النيابية والمستقلين، في خطوة هدفها الاستماع الى المطالب التي على ضوئها سيتم تحديد شكل الحكومة المقبلة وتوزيع الحقائب الوزارية، على أن تُستكمل صباح اليوم الاستشارات النيابية غير المُلزمة في مجلس النواب. في وقت لا يزال موقف الثنائي الشيعي، "أمل" و"حزب الله"، يكتنفه الغموض في ما يتعلق بمشاركتهما بالحكومة المقبلة، حيث وفق المعطيات ينتظر الثنائي مبادرة الرئيس المكلف نحوهما ومحاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من "المكاسب الوزارية" خصوصاً أنهما يتمسكان بحقيبة وزارة المالية ويرفعان سقف الشروط في موقف موحد أو الاستمرار بالمقاطعة.

وفي حال حصلت المقاطعة ستشكل إنتكاسة للعهد الذي يريده المجتمع الدولي كما رئيس الجمهورية جوزاف عون أن يشكل انطلاقة جديدة تعكس العناوين التي أوردها في خطاب القسم. ومن هنا بدأت حركة الاتصالات الدولية خصوصاً على مستوى فرنسا لتذليل العقبات الموضوعة في وجه مسار التأليف. علماً أن الثنائي نفسه الذي يصف اليوم ما حصل بـ"الإقصاء"، مارس الأمر عينه من الانقلاب على حكومة سعد الحريري في العام 2011، إلى تشكيل حكومة حسان دياب رغم اعتراض السنّة والدروز وعدد من المسيحيين، ولاحقاً أتى بنجيب ميقاتي رئيساً للحكومة وسط مقاطعة مسيحية.

إلا أن "حزب الله" الذي ينظر بعين الحذر والريبة للتطورات السياسية في المنطقة خصوصاً بعد الحرب الاسرائيليّة الأخيرة، والتي قوضته عسكرياً وأنهت دوره الإقليمي، وصولاً الى سقوط نظام بشار الأسد والتداعيات التي واكبت ذلك لا سيما على مستوى هزيمة المشروع الإيراني، يدفع نحو الاستثمار داخلياً خصوصاً أنه لا يزال يمتلك كتلة برلمانية تحتكر التمثيل الكامل للطائفة الشيعية إلى جانب حركة "أمل". وفي حصيلة استشارات اليوم الأول، برزت دعوات الكتل النيابية لتشكيل حكومة من الكفاءات، فيما شددت كتلة "القوات اللبنانية" و"تحالف التغيير" بـ"عدم العودة إلى ثلاثية جيش شعب مقاومة".

تزامناً، تستمر الخروقات الإسرائيليّة جنوباً حيث أفادت مصادر ميدانيّة بتوغّل قوّة مؤلّلة إسرائيليّة من بلدة يارون باتجاه بلدة مارون الراس، في وقت وقع انفجار كبير نفذته قوات الاحتلال في بلدة عيتا الشعب، مستهدفة بشكل خاص الأحياء المطلة على بلدة رميش. كما أقدم العدو على تنفيذ عمليات نسف واسعة في عدة قرى، بينها عيتا الشعب، حانين، مارون الراس، والضهيرة، إضافة إلى قرى أخرى في قضاء بنت جبيل. وبحسب المعطيات الميدانية، ارتكب الجيش الإسرائيلي 20 خرقًا لوقف إطلاق النار في لبنان يوم أمس، ليصل إجمالي خروقاته منذ بدء سريان الاتفاق قبل 49 يوماً إلى 524 خرقاً.

وفي الشق السوري، أوضح وزير الخارجية في القيادة السورية الجديدة أسعد الشيباني، الذي يقوم بزيارة رسمية الى أنقرة "العمل على حل قضايا المنطقة الشرقية بالحوار والتفاوض"، لكنه أشار إلى أن "الشعب السوري لن يقبل بالإنقسام وليس من المنطق قبول أية مؤسسات خارج الإدارة المركزية". من جهته، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن أنقرة مستعدة لتقديم الدعم للإدارة السورية الجديدة في إدارة معسكرات تنظيم "داعش" وسجونها في البلاد.

إلى ذلك، أبدى القائد العام لقوات "قسد" مظلوم عبدي، انفتاحاً على تسليم ملف الموارد النفطية للإدارة المركزية، بشرط أن يتم توزيع الثروات بشكل عادل على جميع محافظات سوريا، مؤكداً أن الانضمام في صفوف الجيش السوري وتسليم السلاح "ممكن في حال التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار"، مؤكداً أنه لا أفق للسلام القريب في ظل الهجمات التركية المستمرة.

وفي تطور خطير، قُتل 3 أشخاص جراء قصف للجيش الإسرائيلي في قرية غدير البستان التابعة لمحافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا، مستهدفاً قوات الإدارة الجديدة للمرة الأولى، بحسب ما أفادت المعلومات. وكانت إسرائيل أعلنت الاستيلاء على أكثر من 3300 قطعة عسكرية من سوريا، دون تحديد مواقع ولا تواريخ الاستيلاء.

وتمحورت عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم حول اتفاق وقف النار في غزّة وتداعياته حيث:

رأت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن "خطة اليوم التالي" وغيرها من الخطط لا تكفي إذا لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويعيش في أمن وسلام كبقية شعوب الأرض"، معتبرة أن هذا "يستوجب أن تعلن إسرائيل التخلي عن كل أهدافها في التوسع والاستيطان والتهويد، والإقرار بهذه الحقوق، وإلا فإنها ستظل تعيش في حالة حرب دائمة".

وأثنت صحيفة "الوطن" القطرية على اتفاق وقف اطلاق النار، الذي وضعته ضمن إطار "نجاح الوساطة القطرية في وضع نهايات سعيدة لكثير من أزمات ومشاكل المنطقة في السنوات الماضية، ولم تقتصر تلك الوساطات على الشأن العربي، بل نجحت في وضع حد للعديد من الأزمات على المستوى الدولي". وقالت: "أصبح دور قطر لا غنى عنه، خاصة بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها، وتوجتها بالأمس عبر اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة وتبادل الأسرى والمحتجزين، والذي جاء نتيجة عمل شاق وجهود جبارة".

ومن وجهة نظر صحيفة "عكاظ" السعودية، فإن "قطار السلام سوف يتحرك قريباً بشكل قوي، وسيصبغ المنطقة بلونه الأبيض، فهو تعبير عن إرادة دولية، ورغبة إقليمية، في أن المنطقة تعود إلى سابق عهدها، كمحطة استقرار في عالم غير مستقر، وعلى الفلسطينيين عدم النزول من هذا القطار، كما فعلوا في عشرات العواصم الدولية"، مشيرة إلى أن "هنالك من يود إغراق الفلسطينيين أكثر وأكثر في محيط الظلام من أجل مصالح حزبية ضيقة، وعلى الضفة الأخرى هنالك فجر جديد يرغب برؤية منطقة جديدة، تكون "أوروبا الجديدة" في الشرق، وتمنح شبان المنطقة أحلامهم التي لم يستطيعوا تحقيقها قبل عقود".

وفي السيّاق، تساءلت صحيفة "الأهرام" المصرية "هل ستتوقف إسرائيل عن الدخول إلى غزّة بعد الصفقة. ومن الذي سوف يحكم فى المستقبل. وكيف سيسير موضوع إعمار غزّة التي نالها من الدمار ما لم تعرفه من قبل؟". وخلصت الى أن "لا أحد يعلم الإجابة الكاملة عن كل تلك التساؤلات، لكن الحقيقة الواضحة هى أن الولايات المتحدة عندما تقول لإسرائيل بجدية توقفي هنا، لابدّ أن تتوقف، لتبرهن واشنطن على أنها الداعم الرئيسي لإسرائيل. ولتكون حرب غزة هي الأطول والأكثر فداحة في تاريخ الدولة اليهودية".

وكتبت صحيفة "الراي" الكويتية "ما حصل في قطاع غزّة يمثل الوجه الآخر من المجتمع الدولي الذي ينادي بحقوق الإنسان والأقليات والمرأة والطفل وأزمة ضمائر، فإذا به في حرب غزّة يتجاوز كل هذه المعايير وكأنه لا يرى ولا يسمع". وقالت: "أهل غزّة كتبوا على صفحات تاريخ المجد صموداً بطولياً لم يشهد التاريخ له مثيلاً، شعب محاصر منذ 18 سنة، وصور القصف الصهيوني على غزة خلال الحرب جريمة مكتملة الأركان وبالصوت والصورة.. وهذا يجب أن يتم توثيقه حتى لا يتم مسحه وتشويهه بعد كل هذه التضحيات".

وأكدت صحيفة "الغد" الأردنية أن "حجم الخسائر مأساوي، ومصير غزّة بعد وقف الحرب ما يزال مجهولًا حتى الآن" ، منبهة إلى أن "المشغولين بتقييم طوفان الأقصى يغفلون في المقام الأول عن الهزيمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي لحقت بالوطن العربي بمختلف أطيافه السياسية والفكرية…هذا ليس جلدًا للذات، بل دعوة للاعتراف بالواقع كخطوة أولى نحو تغييره".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن