المرأة العربية

السّوريات.. بين الهواجس والتطمينات!

دمشق - مزن مرشد

المشاركة

بعد سقوطِ نظام بشار الأسد وهروبِه خارجَ البلاد، شهدَت سوريا دخولَ مرحلةٍ انتقاليةٍ جديدةٍ بقيادة "هيئة تحرير الشّام"، التي شكَّلت حكومةً مؤقّتةً لإدارةِ البلاد وباشرت أعمالَها لتسييرِ أعمالِ الدّولة لمرحلةٍ انتقاليةٍ قصيرة.

السّوريات.. بين الهواجس والتطمينات!

ظهر في الأيام الأولى من تولّي الهيئة قيادةَ المرحلة، تخوّفٌ كبيرٌ لدى "الأقلّيات الدّينية" في البلاد، ولدى النّساء بشكلٍ خاصّ، بخاصَّة بعد انتشارِ الفيديو الشّهير لإحدى الفتيات، التي أرادت التقاطَ صورةٍ مع قائد الهيئة، وطلب منها أن تُغَطّيَ رأسَها، الأمرُ الذي استغلّه البعضُ لزيادةِ حالةِ الخوْفِ والترقّبِ من قمعِ الحريّات، أو فرضِ زيٍّ معيّنٍ على النّساء، نتيجة النّهج الدّيني المعروف للهيئة.

وازدادت الاعتراضاتُ من قبل نُشطاء ومدافعين عن حقوقِ المرأة بعد تصريحات النّاطق الرّسمي باسم القيادة الجديدة عبيدة أرناؤوط، وتصريحات رئيسة مكتب شؤون المرأة المُعيّنة حديثًا عائشة الدّبس التي تسيء للمرأة وتحطُّ من قدرِها وقدراتِها.

لكنَّ تعيينَ بعض النساءِ في مناصب قياديّة، كالدكتورة ديانا الأسمر مديرةً لمشفى الأطفال في دمشق، وميساء صابرين حاكمةً لمصرفِ سوريا المركزي، أعاد طرح مدى جدّيةِ القيادةِ الجديدةِ بإعطاء النّساء دورهنَّ في التأثير في هذه المرحلة السورية الحسّاسة.

وبمجرّدِ إعلانِ "هيئة تحرير الشّام" تشكيلَ الحكومة المؤقتة، بدأت تتّضح ملامحُ سياساتِها التي تعتمدُ على خلفيةٍ إيديولوجيةٍ صارِمة، لكن على الرَّغم من ذلك، حَمَلَت تعيينات نسائيّة إشارات "حُسن نيّة" من قبل الهيئة تجاه مشاركة المرأة في الحياة العامّة، مثل تعيين الدكتورة ديانا الياس الأسمر كمديرة لمشفى الأطفال بدمشق، الذي يُظهرُ رغبةً في الاستفادة من الخِبرات النّسائية في القطاعاتِ الحيويّة مثل الصحّة.


الدكتورة ديانا، وهي طبيبة معروفة بخبرتِها الطويلة في طبّ الأطفال، صرَّحت في أوّلِ مؤتمرٍ صحافيٍّ لها: "نحن هنا لخدمة أطفالِ سوريا بعيدًا عن السياسة. مهمّتي إنسانيةٌ في المقامِ الأول، وأتمنّى أن أكونَ مثالًا لكل النّساء السّوريات اللّاتي يسعينَ لبناء المستقبل."

سهى محفوض، مُمرّضة تعمل في مشفى الأطفال بدمشق، قالت لـ"عروبة 22": "نعملُ في ظروفٍ صعبةٍ جدًّا منذ 13 عامًا، لكن وجود شخصية مثل الدكتورة ديانا يعطينا بعضَ الأمل. نحن بحاجةٍ إلى دعمٍ أكبر من الحكومة المؤقّتة لتحسينِ الخِدمات الصحّية."

من ناحيةٍ أخرى، تعيين ميساء صابرين حَاكِمَةً لمصرف سوريا المركزي يُعَدُّ خطوةً جريئةً في بلدٍ لطالما كان القطاع المالي فيه تحت سيطرة الرّجال. وفي تصريح لها، قالت صابرين: "إعادةُ بناءِ الاقتصاد السّوري يحتاج إلى عقولٍ جديدةٍ وأفكارٍ مُبتكَرة. نحن أمام تحدٍ كبيرٍ، لكنّني مؤمنةٌ بقدْرةِ المَرأة السّوريّة على تحمّل المسؤوليّة."

وتُعَدُّ الأزمةُ الاقتصاديةُ واحدةً من أكبر التحدّيات التي تواجه سوريا في هذه المرحلة الانتقاليّة. ومع انهيار الليرة السّورية وزيادةِ معدَّلاتِ البطالة، تقع على عاتق صابرين مسؤوليةٌ ضخمةٌ لإعادةِ الاستقرارِ المالي. وفي خطّةٍ أوّليةٍ قدّمتها، تحدّثت عن ضرورةِ جذْبِ الاستثماراتِ الأجنبيةِ وإعادةِ الثّقةِ إلى القطاع المصرفي، ولكن في الوضعِ الرّاهن يظلُّ من غيرِ الواضحِ مدى حرّية تنفيذِ هذه الخطّة.

على الرَّغم من هذه التعيينات الإيجابيّة، لكنَّ تجربةَ النساءِ في إدْلِب لم تكنْ مشجعةً عندما كانت الهيئة تديرُ المحافظةَ لسنواتٍ خَلَتْ. تقول "أم قُصَيْ" القاطنة في إدلب لـ"عروبة 22": "مع أنَّ البيئةَ الاجتماعيةَ العامّةَ في إدلب هي بيئةٌ محافظة، لكنَّ أفكارَ الهيئةَ كانت متشدِّدةً جدًا خاصَّةً على النّساء، فقد فُرضت قيودٌ صارمةٌ على النّساء، وحاربوا اللواتي ينشطنَ للدِّفاع عن حقوقِ المرأةِ أو الحقوقِ النّسوية، وشهدنا اغتيالَ ناشطةٍ نسويةٍ وسجلوا القضية انتحارًا".

في عام 2018، أُنشئ "جهازُ الحِسْبَةِ" الذي أسموه "سواعد الخيْر" كشرطةٍ دينيةٍ للتأكُّدِ من التزام النّساء بتغطية أجسادِهِن، مع السّماح بإظهار الوجه واليديْن فقط.

كما تمَّ حظرُ تشغيلِ الموسيقى وتدخينِ النارجيلة في الأماكِن العامّة، وفي بداية عام 2024، ظهرَت مسوَّدة قانون "الآداب العامة" من وزارة الداخلية في "حكومة الإنقاذ"، تتضمنُ إنشاء "شرطة الآدابِ العامّة" وفرض الحِجاب على الفتيات فوق 12 عامًا، ومنع الاختلاط بين الجنسَيْن في العمل، ومنع تشغيل الموسيقى، ولكنَّ هذا القانون لم يُطَبَّقْ.

تجدر الإشارةَ إلى أنَّ هذه السياسات أثارت جدلًا واسعًا، حيث يعتبرُها البعض انتهاكًا لحقوقِ المرأة وحرّياتها الشخصيّة، بينما يراها آخرون تعزيزًا لِلقِيَمِ الدّينية والأخلاقية في المجتمع.

اليوم وعلى الرَّغم من تعيين النّساء في مناصبَ قياديّة، لكن السّوريات متخوِّفات من مستقبلِ الحرّيات في البلاد في حال استمرت الهيئة في حُكْمِ سوريا، أو أسَّسَت لِحُكْمٍ يشبهُها فيما بعد، فقد أثارَ خبرُ تعديلِ بعض المعلوماتِ في المناهجِ المدرسيّة موجةً عارمةً من الرَّفضِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي ما دفع وزارة التربية الجديدة إلى التراجع عن التّعديلات، الأمرُ الذي اعتبره السّوريون إيجابيًّا فلأوَّلِ مرةٍ منذ 54 عامًا يُسمعُ صوتُهم، وتستجابُ مطالبُهم من دون أي صدامٍ أو إزْعاج.

ناهد مطاوع، الطالبة في جامعة دمشق، قالت: "انقطعنا عن الدّوام لمدةٍ لا تتجاوز الأسبوع، لكنّنا عدنا للدّوام والأمور طبيعية جدًا".

سيلفي شبيب، طالبة الثانوية العامّة في دمشق، قالت: "نداوم في مدرستِنا المختلطة بناتٍ وصبيانًا بشكلٍ طبيعي ولم يحدث أي تغييرٍ لا في المناهجِ ولا في الفصول، ما زلنا نجلس في الصفّ، البنات والصبيان، إلى جانب بعضِنا كما كنّا من قبل".

وعلى الرَّغم من الصّعوبات، تواصِل النساء السّوريات الصمودَ والتكيُّفَ مع الظروف. العديد منهنَّ يعملنَ في مبادراتٍ محليةٍ لتقديم الدَّعمِ للنّساء المتضرِّرات من الحرْب، سواء عبر التدريب المِهني أو التّعليم غير الرّسمي.

أسماء الزيبق، الناشطة في مجال حقوق المرأة، قالت: "المرأةُ السّورية أثبتَت عبر السّنواتِ أنّها قادرةٌ على تحمّل الصّعاب. نحن نعملُ الآن على إنشاءِ شبكات دعمٍ للنّساء لتجاوز هذه المرحلة الانتقالية."

بين تصريحاتِ المسؤولين وتعييناتٍ نسائيةٍ بالغةِ الأهمّية، تواجهُ المرأة السّورية واقعًا معقّدًا في هذه المرحلة...

النّاشطة النّسوية والسياسيّة رويدة كنعان علّقت لـ"عروبة 22": "الرجال لديهم قوّة عضليّة أكثر من النساء، لكن هل القوّة العضليّة تبني دولًا؟ لا. الدُّول تُبنى بالعقل وبالفكر وبالقرارات. وقد أثبتَت الدّراسات أن لا فرق بقدراتِ التّفكير والتحليل بين الرّجل والمرأة".

وتختم: "المجتمعاتُ المتقدّمةُ لا تحترمُ دورَ المرأة كأمٍّ فقط، بل تدعمُها كقائدةٍ وسياسيةٍ وعالِمةٍ، لأنَّ الإنجابَ كوظيفةٍ بيولوجيةٍ خاصّةٍ بالمرأة هو جزء من حياتِنا، لكنَّه ليس حياتنا كلّها".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن