ثقافة

ثقافة الـ"سوشيال ميديا": عصر "الثرثرة" وتغيير المفاهيم!

منذ تغلغلت الـ"سوشيال ميديا" في أدق تفاصيل حيوات الناس اليومية، باتت منصّاتها الإجتماعيّة المختلفة، وما تقدمه من محتوى لا حدود له ولا ضوابط، يبثّ عبرها يوميًا، كالمغناطيس الّذي يجذب الجمهور ويشكّل أفكاره ومعتقداته وثقافته، لا سيّما الشباب والصغار منهم، الّذين يتلقّون أغلب معارفهم ويكوّنون شخصياتهم عن طريق الـ"سوشيال ميديا".

ثقافة الـ

ربما تكون مواقع التواصل الإجتماعيّ أو الـ"سوشيال ميديا"، وفيها: فيسبوك وتويتر وانستغرام وتيك توك وغيرها، من أحدث وأهم التحولات المعاصرة في حياتنا الراهنة، وأكثر الوسائل إنتشارًا وشعبية، بين مختلف الأجيال، كونها حلّت إلى حد كبير، محل الإعلام التقليدي وشكلت البديل الأسهل والمتوافر لدى غالبية سكان كوكب الأرض.

إذ بكبسة زرّ أو بقلب صفحة على هاتفه الذكي، يمكن لأي فرد، البحث وقراءة أو مشاهدة ما يريد، لكن في الوقت نفسه، يجمع هذا العالم الإفتراضي، من الأخبار جيّدها ومفيدها ورديئها أيضًا. يتفاعل معها المتابعون ويدخلون في نقاشات تثري الفضاء العام أحيانًا وتضلّله أحيانًا كثيرة.

ناهيك عن الممارسات غير اللائقة، والعبارات والأحاديث المنفلتة من أيّة قيود والخارجة عن عادات وثقافات بعض المجتمعات، بما فيها نشر خطاب الكراهية والعنصرية والتنمّر والتحيّز لأفكار ومعتقدات ذاتية ومغلوطة ومفبركة في الكثير من الأحيان.

الشباب العربي يقلّد نمط الحياة والعلاقات في المجتمعات الغربية باسم الحداثة

ويجمع فضاء الـ"سوشيال ميديا" مفاهيم ثقافيّة متنوعة، فيها لغات ولهجات وسلوكيات وأزياء وعادات وتقاليد متنوعة (..) يختلف تأثيرها على الهوية الثقافيّة للأفراد وفقًا لأسباب وظروف وسياقات مختلفة. وهذه الهوية عادةً ما تكون قابلة للتبدّل لدى الأفراد، حتى أنها قد تؤثر سلبًا على درجة ارتباط الفرد بمجتمعه وبيئته الضيقة وصولًا إلى نواة المجتمع الأولى (الأسرة)، بفعل احتكاكه المباشر والمتكرّر مع هويات أخرى، ويبدو ذلك واضحاً في تقليد الشباب لنمط الحياة والعلاقات في المجتمعات الغربية باسم الحداثة ومواكبة ما هو عصري ومتطور، بغضّ النظر عن الصحّ والخطأ في ذلك.

من خلال هذا التقرير، يحاول "عروبة 22"، تسليط الضوء على مسألة المفاهيم الثقافيّة في زمن الـ"سوشيال ميديا" لتبيان الاثر الذي تحدثه منصات التواصل الاجتماعي على الهوية الثقافيّة للشباب في المنطقة العربية.


بئر عميقة

بدايةً، يعتبر الكاتب والصحافي اللبناني نبيل مملوك الـ"سوشيال ميديا"، بمثابة "بئر عميقة جدًا وفيها من المجهول الكثير"، إذ لا يمكن أن تقتصر في تعريفها على "شروحات مبسّطة"، كالقول مثلًا إنها "وسيلة للتعارف والتواصل والتثقف" بل هي أهم وأعقد من ذلك بكثير.

ويضيف مملوك لـ"عروبة 22": "إن المفاهيم الثقافيّة والمفاهيم التي اكتسبناها سواء من كتب التراث والنقد وعلم الإجتماع والسياسة، باتت بفعل السوشيال ميديا، قابلة لأن تصبح مفاهيم مطاطية، وهذا أمر خطير جدًا، خصوصًا لدى فئة الشباب".

"الهاتف الذكي" يبث مفاهيم تكون مغلوطة في كثير من الأحيان

فعلى سبيل المثال، يتطرّق مملوك إلى مفهوم النقد، بوصفه البوصلة الثقافيّة العلميّة الأساس في التعاطي مع الأشكال الأدبية والثقافية عمومًا على حد تعبيره. ويقول: "لا نجد أيّ شاب أو صبية إلّا ما ندر طبعًا، يستطيع أن يعطي تعريفًا منطقيًا وواعيًا لهذه الكلمة، أما بالنسبة إلى المفاهيم والأدوات المشتقة من هذا المفهوم، فهي موجودة ومطروحة لكنها لا تستخدم بشكل صحيح". ويسأل: "كم من مقال نقدي على سبيل المثال وهو لا يستحق أن يُدرج تحت خانة هذا التصنيف؟ وكم من شروحات وهي مجرد توصيفات لا تمتّ أحيانًا كثيرة إلى الجوهر النقدي للإصدارات بصلة؟".

ومملوك شاب (في العشرينات - لديه إصدارات شعرية عدّة منها "أرامل الزمن") يعتبر أنّ الشباب في الوطن العربي، حتماً يتأثرون بمن يمتلك الوقت المتاح والهاتف الذكي كي يبث مفاهيمه الخاصة والتي تكون مغلوطة في بعض الأحيان.

ويقول: "لن يتأثّر الشباب بتغيّر المفاهيم في حال تحصّنوا وراء حصن معرفي وثقافي عميق ومتين، وهنا أتحدث عن شريحة بسيطة وقليلة جدًا قد تنقرض من الشباب، فبطبيعة الحال وللأسف الشديد هذه الشبكة الإجتماعيّة الإفتراضيّة تلعب دورًا سلبيًا اليوم في بثّ الشائعات المعرفيّة، إذا صحت التسمية، أو جعل من هو غير مؤهل للتكلّم يتكلم (...)".

ويختم: "للأسف نحن اليوم في عصر الثرثرة الإجتماعيّة والثقافيّة رغم أنّ هناك جهودًا في الخفاء، تبذل يوميًا، لكي تبقى الثقافة على ما نعرفها وعلى ما هي عليه، لكن من دون جدوى".

منابر مجانية

من جهته، يجد الشاب العراقي حسان ياسر، أنه "بعد الثورة الهائلة التي أحدثتها مواقع التواصل الإجتماعي، وتأثيراتها على شخصيات الأفراد والمجتمعات بصورة عامة، على مستوى الوعي والتفكير والتواصل، صار لزامًا الإنتباه إلى التغيّر الحاصل في كثير من المفاهيم السائدة على المستوى الثقافيّ بشكل خاص".

أصبحت مواقع التواصل "منابر مجانية لعامة الناس، المتخصّص منهم وغير المتخصّص"

ويتطرّق ياسر، في تعليقه لـ"عروبة 22"، إلى عادة القراءة على سبيل المثال، كيف تغيّرت لدى الافراد، إذ أصبحت الهجرة العكسية من عالم الكتاب الورقي إلى ملفات الـpdf والكتب الإلكترونية، بشكل واضح. وهذا أمر يعتبره جيدًا كون هذه المواقع ساهمت في تجاوز الحدود المكانية والزمنية وحتى اللغوية للوصول إلى المعلومات.

غير أنّ ياسر يتخوّف من الجانب السلبي لسهولة الوصول للمعلومة بعد أن أصبحت مواقع التواصل الإجتماعي "منابر مجانية لعامة الناس، المتخصّص منهم وغير المتخصّص" لذا وجب اختيار المعلومات والمصادر الصحيحة، حسبما يشدد.

تغيير جذريّ

من جهتها تجد الشابة السورية نرمين ظاظا، وهي خريجة علوم سياسية أن "السوشيال ميديا لم تؤثر على المفاهيم الثقافيّة فقط، إنما غيرتها بشكل جذريّ، وأدخلت إليها إضافات، فمثلاً، يتمّ تداول كلمات جديدة لم تكن موجودة من قبل كمصطلح التسويق الرقمي".

وتقول لـ"عروبة 22": "هي إحدى وسائل العولمة والتي برأيي نجحت بنسبة كبيرة، فأدخلت معها مفاهيم وثقافات وعادات وأفكار جديدة، فتطوّرت المفاهيم الثقافية وتغيّرت حتى باتت تشمل مطالب وحقوقًا جديدة جاءت من أماكن لم نزرها وربما لا نعلم بأسمائها ووجودها أصلًا".  

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن