تقدير موقف

تشاد والعرب... أسئلة المستقبل!

تُعَدُّ تشاد من دولِ التّخوم الأفريقيّة للمحيطِ العربي إذ تملكُ حدودًا مشتركةً مع كلّ من السّودان وليبيا، وهي خامس دولة أفريقيّة من حيث المساحة، ومن أهم مكوّناتها الاجتماعيّة، المكوّن العربي الذي يلعب دورًا في التفاعلاتِ السياسيّةِ الداخليّة، كما يملك تاريخيًا ديناميّات تفاعل مع كلّ من السّودان وليبيا، فضلًا عن اهتمام القاهرة مؤخَّرًا بالعلاقاتِ مع تشاد على اعتبار أنّها دولة تخوم غير مباشِرة لها ونقطة تواصل مع إقليمَيْ وسط وغرب أفريقيا، ومهدِّد للأمن القومي المصري في حال حدوثِ سيولةٍ سياسيةٍ وأَمنيَّةٍ فيها.

تشاد والعرب... أسئلة المستقبل!

تملك تشاد أيضًا أهميةً جيوسياسيّةً كنقطةِ وصلٍ بين الأفارقة عربًا وزنوجًا، وأيضًا كنقطةِ تواصلٍ بين شرق وغرب أفريقيا وكذلك بين شمال وجنوب أفريقيا خصوصًا خليج غينيا الذي يتموْضعُ حاليًّا كإحدى نقاطِ الاهتمامِ الغربي بشكلٍ عامٍ وما زالت تملكُ فيه فرنسا بعضَ مناطق النّفوذ.

مصر تدرس إنشاء طريق بريّ يربطها بـ"نجامينا" كما أنّ لتشاد علاقات تفاعلية بأزمة السّودان

في هذا السّياق، تحوزُ التَّطوّراتُ في تشاد على اهتمامٍ عربي - فرنسي مشترك، إذ إنَّها تقعُ في دوائرِ المصالِح العربيّة، كما أنّها من آخر المعاقلِ الفرنسيةِ في منطقة الساحل الأفريقي حيث كانت إحدى أهمّ نقاط الارتكازِ العسكري الفرنسي في هذه المنطقة، ودفعت باريس ثمنًا باهظًا من مصداقيتِها السياسيّةِ والأخلاقيّةِ لاستمرارِ وجودِها في تشاد، وتَمَثَّلَ ذلك في دعمِ أسرة ديبي الحاكِمة منذ أكثر من ثلاثةِ عقودٍ على حسابِ مصداقيَّةِ صورةِ فرنسا في دعمِها للتحوّل الديموقراطي، والانتقالاتِ السِّلميةِ للسُّلطة.

أما على المستوى العربي، فإنَّ مصر تدرسُ إنشاءَ طريقٍ بريّ يربطها بـ"نجامينا"، كما أنَّ لتشاد علاقاتٍ تفاعليةً بأزمة السّودان خصوصًا بعد الحرب السّودانيّة التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023، بحيث دشَّنت على جسْرِها أهميةً كبيرةً للقاهرة، إلى علاقاتٍ متميزةٍ بأبو ظبي أيضًا.

وفيما يخصّ باريس، فعلى الرَّغم من الدَّعمِ الفرنسي للرئيس إدريس ديبي الأب تاريخيًّا بمواجهة الانقلاباتِ العسكريةِ ضدّه، وكذلك دعم ديبي الابن في قبولِ وراثتِه للسّلطة عن أبيه على نحوٍ غير دستوري، إلّا أنّ الوارثَ للسُّلطة التشاديّة محمد إدريس ديبي قد طلبَ من باريس مغادرةَ قواتِها العسكرية لأراضي بلادِه في خريف عام 2024، ما يجعل ديناميّات التفاعل التشادي مع باريس على المحكّ، وذلك في ضوء مُتَغيّرَيْن؛ الأول الصّعود الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، والثاني الأداء الفرنسي المقاوِم لهذا الصّعود.

في هذا السّياق، من المُهِمِّ التعرّض للتطوراتِ الرّاهنةِ في تشاد من زوايا تأثيرِها في الاستقرار السّياسي والأمني في ضوء نتائج الانتخاباتِ الأخيرة، وكذلك انعكاسات هذا الاستقرار أو عدمه على الأزماتِ المفتوحةِ في كل من السّودان وليبيا، وكذلك العلاقات العربية - الفرنسية في ضوء ما هو منسوبٌ لباريس مؤخّرًا بشأنِ ردود أفعالِها على القرار التشادي بخروجِ القوَّات الفرنسيّةِ وتورّطِها ربّما في توظيفِ تنظيماتٍ متطرِّفةٍ ضدَّ ديبي.

تُرشِّح العديد من الدّوائر محمد إدريس ديبي لأن يستبْدِل الوجود الفرنسي في بلاده بوجود روسي - صيني

على الصّعيد الدّاخلي التشادي، فإنَّ نتائجَ انتخاباتِ يناير/كانون الثاني الماضي لم تُتِحْ للمعارضة تمثيلًا مناسبًا على الرَّغم من عدمِ نجاحِ محاولةِ المصالحةِ الوطنيّةِ التشاديّة التي حاولت قطر إنجازها بعد رحيل الرّئيس ديبي الأب في عام 2021، وهو ما تَمَظْهَرَ في إصرارِ فصائل من المعارضة على استمرارِها في ممارسةِ المعارضةِ المسلّحةِ ضد ديبي، حيث أنتجت هذه الحالةُ نجاحًا نسبيًّا لدعواتِ المقاطعةِ للانتخاباتِ التشريعيّة، وسيطرة شبه مطلقة للحزبِ الحاكم "حزب الإنقاذ الوطني" على البرلمان بأغلبية 124 مقعدًا من مجموع 188، كما أسفرت النتائجُ الانتخابيةُ عن محاولةٍ للهجومِ المسلّحِ على المجمّعِ الرئاسي التشادي أوقع 18  قتيلًا بعد تصدّي الحرسِ الجمهوريّ له.

على صعيدِ العلاقاتِ التشاديّة - الفرنسيّة، فإنَّ هناك اتهاماتٍ موجّهةً من نجامينا إلى باريس بشأنِ محاولةِ التدخُّل في التفاعلاتِ الانتخابيّةِ الداخليّةِ، وذلك ربَّما استباقًا لمحاولةِ فرنسا استخدامَ نتائجِ الانتخاباتِ لتصعيدِ الضّغوطِ على الرّئيس الحالي محمد إدريس ديبي الذي تُرشِّحُهُ العديدُ من الدّوائر لأن يستبْدِلَ الوجود الفرنسي في بلادِه بوجودٍ روسي - صيني مشترك على النّحو الذي مارسَتْهُ كلّ من النّيجر وبوركينا فاسو ومالي.

تشاد أمام تحديات كبرى من المهمّ التحسُّب لها عربيًّا ومصريًّا

في ضوء هذه التفاعلات التشاديّة، فنحن أمام عددٍ من السيناريوات المطلوب التحسُّب لها عربيًّا، أبرزها:

أولًا: عدمُ قدرةِ نظام محمد إدريس ديبي على تأمينِ نظامِ حُكْمِهِ بشكلٍ مناسبٍ في ضوء ضغوطِ الفصائل المسلّحة المعارِضة ضدّه من ناحية، وضغوط التّنظيماتِ الإرهابيةِ المتطرّفة كـ"بوكو حرام" المتسبِّبَة في تصاعُدِ التّهديداتِ الأمنيّةِ في تشاد من ناحيةٍ أخرى.

ثانيًا: اتجاهُ الرئيس ديبي لعلاقاتٍ عضويّةٍ مع كلٍّ من روسيا والصين لموازنةِ الضّغوط الفرنسيّة، وهو تطورٌ من شأنِه أن يجعلَ تشاد منصةً لصراعاتٍ دوليةٍ سوف تكون مؤثرةً في التّفاعلاتِ التشاديّةِ الداخليّة، وأيضًا في تفاعلاتِ تشاد مع أزمتَي ليبيا والسّودان.

إجمالًا تبدو تشاد أمام تحدياتٍ كبرى من المهمِّ التحسُّب لها عربيًّا ومصريًّا في المرحلةِ المقبلة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن