في التّداعيات العسكريّة، أسفرت الحرب عن مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوفِ الجيش الإسرائيلي. وبحسب ما أعلنه جيش الاحتلال قُتل ثمانمائة وأربعون جنديًّا منذ بداية الحرب، وبحسب بيان جيش الاحتلال فإنَّ عدد المصابين في صفوف الجيش وصل إلى خمسة آلاف وستمائة وسبعة عشر ضابطًا وجنديًّا منذ اندلاع الحرب، بينهم ثمانمائة وثلاثة وثلاثون إصابتُهم وُصِفَت بالخطيرة.
خسائر الجيش الإسرائيلي تفوق بكثير ما يُعلن عنه رسميًّا
في المقابِل، أكّد قسم التأهيل في وزارة الأمن أنّه استقبل اثنَيْ عشر ألف مصاب من الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الاوّل، مؤكِّدًا أنَّ خمسين بالمائة منهم يعانون من مشكلاتٍ نفسيّة. كما أكّدت وسائل إعلام إسرائيلية أنَّ أكثر من تسعة آلاف ضابطٍ وجنديّ أحيلوا إلى العلاج النّفسي، هذا بجانبِ تدمير أكثر من مائة وستّين آليةً عسكريةً إسرائيليّةً، بين دبّابات وناقلات جند تدميرًا كُليًّا أو جزئيًّا، وخسائرُ الجيش الإسرائيلي تفوقُ بكثير ما يُعْلنُ عنه رسميًّا.
وقد شكَّل الهجوم تحدّيًا جديدًا على الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة من حيث الدِّفاع ضدّ الأساليب غير التقليديّة، مثل الأنفاق والهجمات المركَّزة، وأظهر هشاشةً في النِّظام الأمني الإسرائيلي؛ مما استدعى الدّعم العسكري السّريع من الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفائها الأوروبيّين لاحتواء الموقف.
التداعيات السياسية
أطلقت إسرائيل عملية "السّيوف الحديديّة" ضدّ "حماس" في قطاع غزّة، ردًّا على عملية "طوفان الأقصى" ضدّ "إسرائيل"، وانكشفَ زيفُها وأنّها سيوف صدِئَة لم تسفر عن تحقيق أيّ هدفٍ لها؛ فما أعلنته حكومة نتنياهو لم يتحقَّق: سواء القضاء على "حماس" أو إعادة الأسرى بالقوّة أو تهجيرِ سكَّان قطاع غزَّة.
وعلى الصّعيد السّياسي، حَدَثَت انقسامات داخليّة، حيث أثار الهجومُ موجةً من الجدل الدّاخلي في إسرائيل حول قدرة الحكومة على ضمان الأمن وتحديد المسؤوليّات، وانقسمت الآراء بين الذين انتقدوا الأجهزة الأمنيّة والاستخباراتيّة وبيْن مَن طالبوا بتعزيز السّياسات الأمنيّة.
كشفت عملية "طوفان الأقصى" عن حالة الهشاشة والضّعف التي يعاني منها الدّاخل الإسرائيلي
من جهةٍ أخرى، سعت إسرائيل إلى تعزيزِ تحالفاتِها الدوليّة والإقليميّة لمواجهة التحدّيات المترتِّبة على الهجوم. كما أضافَ الهجوم تعقيداتٍ جديدةً لمساعي السّلام والتهدئة بين إسرائيل والفلسطينيّين، وزادت من تعقيد العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدّول العربيّة والمجتمع الدّولي.
كما كشفت عملية "طوفان الأقصى" عن خللٍ في المنظومة الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، وسوء تقدير لقدرات المقاومة الفلسطينيّة، مما أدّى إلى فقدان إسرائيل لقوّة الرّدع، حيث ارتكزت إسرائيل على نظريّتها الأمنيّة والعسكريّة بأنّ "حماس" غيْر قادرةٍ على الإضرار بها. في مقابل ذلك، باغَتَتْها المقاومة الفلسطينية وما رافقها من مشاهِد غير مسبوقةٍ من تغلغلٍ للعناصر الفلسطينيّة في الدّاخل الإسرائيلي والاستيلاء على معدّات عسكريّة وأَسْرِ عسكريّين إسرائيليّين، وتمثّلت التّداعيات السياسيّة والاستراتيجيّة على إسرائيل في انهيار الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في التّعامل مع غزّة وحُكْمِ "حماس" فيها.
كذلك كشفت العملية عن حالة الهشاشة والضّعف التي يعاني منها الدّاخل الإسرائيلي، وقد امتدَّت إلى المؤسَّسات الأمنيَّة التي فشلت في توقُّع هذا الهجوم، وكشفت أيضًا عن الفشل الذّريع لمختلف مكوّنات المنظومة العسكريّة والأمنيّة التي استندت إسرائيل إليْها في تنفيذ إستراتيجيَّتِها؛ ما أدّى إلى تكبُّدها خسائر بشرية جسيمة، وسيتمخَّض عن ذلك، مهما كانت نتيجة الحرب على غزّة، تداعيات كبيرة داخل أجهزة الدولة وفي المجتمع الإسرائيلي، ويكثُر الجدلُ حوْل مَن يتحمّلُ المسؤوليّة عن هذا الفشلِ غير المسبوق.
ناهيكَ عن صدمة العالم الحرِ المُغيَّب في بشاعة الكِيان الصّهيوني الإرهابي وانطلاق المظاهرات ضدّه في أغلب جامعات العالم، بجانبِ تفعيل المقاطعة لإسرائيل وصولًا إلى قرارات "محكمة العدل الدولية" وصدور قرارات اعتقال نتنياهو وغالانت.
التداعيات الاقتصاديّة
خلَّفت الحربُ أضرارًا اقتصاديّةً كبيرة، بما في ذلك تدمير للبنية التحتيّة وزيادة في التّكاليف العسكريّة. وتراجعت قيمةُ العملةِ الإسرائيليّة فورَ الهجوم، وفقدت أكثر من 5 في المئة من قيمتِها أمام الدولار، كما تراجعت أسعار الأسهم في أسواق البورصة وتعرَّضت لخسائر ضخمة؛ إذ فقدت سوق الأسهم نحو 22% من قيمتِها وفقدان أكثر من 20 مليار دولار خلال أيّامٍ من عمليةِ "طوفان الأقصى"؛ ممّا خَلَقَ حالة من عدم اليقين الاقتصادي. فالمستثمرون كانوا أكثرَ حذرًا بسبب الوضع الأمني، مما انعكس سلبًا على التّداولات.
هذا بجانب التّكلفة الماليّة الباهِظَة للعمليّات العسكريّة؛ فوفقًا لوزير المالية الإسرائيلي تقترب التكلفة الماليّة للعمليّة العسكريّة التي تقوم بها إسرائيل ضدّ قطاع غزّة من 250 مليون دولار أميركي يوميًّا، ووصل العجز إلى 7.2% من النّاتج المحلّي الإجمالي، أي حوالى 38 مليار دولار، ممّا أدّى إلى تخفيض في الميزانيّة العامّة، وزيادة في الضرائب وتراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين في سندات الحكومة الإسرائيليّة وزيادة معدّلات البَطالة.
كما أنَّ التأثيرات الاقتصاديّة انعكست على قطاعاتٍ مثل قطاع السّياحة الذي تعرَّض لشللٍ كاملٍ، وكانت هناك دعوات من الحكومات الأجنبيّة لمواطنيها بتجنُّب السّفر إلى إسرائيل، وأُلغِيَتْ كلّ الحجوزات في الفنادق والمنشآت السياحيّة، واستُخدمت في إيواء عائلات جرى إجلاؤها من مناطق ومستعمرات قريبة من الحدود مع غزّة، كما تراجعت حركة الملاحة الجويّة في جميع مطارات إسرائيل نتيجةَ تعرُّضِها هي ومحيطها للقصفِ بالصّواريخ.
ستواجه إسرائيل تحدّيات في استعادة الاستقرار الاقتصادي
وأَثَّرَ الهجوم في حركة النّقل والخدمات اللوجستيّة، مما أدّى إلى تراجُع الإنتاجيّة في الكثير من القطاعات، فأَغْلقت العديد من المصانع والشّركات أبوابَها بسبب الهجمات المباشرة على المنشآت الصناعيّة، وكذلك بسبب حالة الطوارئ العامَّة.
كما تضرَّرت حركة الملاحة البحريّة التجاريّة في ميناء إيلات بعد توقُّفِ شركات النّقل البحري المتَّجِهة إلى إسرائيل، وتراجعت الصّادرات السِّلَعِيّة، وتفاقمَ العجز التجاري الإسرائيلي، ومن المتوقَّع أن تستمرَّ تداعيات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي لفترةٍ طويلة، حيث ستواجه إسرائيل تحدّيات في استعادةِ الاستقرارِ الاقتصادي.
ووفق بيانات رسميّة إسرائيليّة فإنّ التكلفة الإجماليّة للحرب بلغت 67.6 مليار دولار، 34 مليار دولار تكاليف مباشِرة للحرب، 644 مليون دولار خسائر يوميّة بقطاع البناء، 37.7 مليار دولار عجز في موازنة 2024، 60 ألف شركة أغلقَت أنشطتَها عام 2024، إلى 70% تدهور بقطاع السّياحة، 65% من الإسرائيليّين تضرَّروا ماليًّا، 25% من الإسرائيليّين يعيشون تحْت خط الفقْر، 50% من مواقع البناء أُغْلِقَتْ بسبب نقص الأيدي العامِلة، و74 مليار دولار ميزانيّة دفاع إضافيّة مطلوبة في 10 سنوات، وما خَفِيَ أعظم!.
التداعيات الاجتماعيّة والنفسية
ارتفعت نسبة حالات الذّعر والقلق بين المواطِنين الإسرائيليّين بسبب تصاعد الهجمات، ما أَثَّرَ في الحياة اليومية تأثيرًا كبيرًا، وزادت الهجرة العكسيّة إلى خارج إسرائيل، مما ينذرُ بخلل اجتماعي غير مسبوق.
كما كشفت عملية "طوفان الأقصى" عن الانقسامات السياسيّة والاجتماعيّة العميقة في المجتمع الإسرائيلي التي انعكست آثارها السلبيّة على الأجهزة العسكريّة والأمنيّة الإسرائيلية، كما كشفت عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي من النّاحية الاجتماعيّة، وَتَمَثَّلَ ذلك في تفاقُم أزمة الانقسام الداخلي من حيث فقدان الشعور بالأمان والثّقة.
تعرَّض المجتمع الإسرائيلي بأكملِه لعددٍ كبيرٍ من الصّدمات النّفسيّة نتيجةً للهجمات المُفاجِئة، وأَثَّرَ ذلك في الحياة اليوميّة والتّعايش مع الخوف المستمرّ من التصعيد.
إسرائيل تواجه أكبر أزمة صحّة نفسيّة في تاريخها
فمنذ اليوم الأول لـ"الطوفان"، بات خطّ الطوارِئ "عران"، الذي يقدّمُ إسعافاتٍ نفسيّة أوّلية، مشغولًا جدًّا، إذ تضاعفت عليه الاتّصالات، وكان عدد المكالمات حتَّى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني خمسين ألف مكالمة، كما كشف المدير العام لوزارة الصّحة "موشيه بار سيمان طوف" أنَّ من أصْل السكّان المقدّر عددهم بـ9.7 ملايين، تعرّض مائة ألف لحوادِث قد تسبّب صدمة نفسيّة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، وقد نزح حوالى مائتَي ألف شخص، واعتبر وزير الصحة "أوريئيل بوسو" من جهتِه أنَّ إسرائيل تواجه أكبر أزمة صحّة نفسيّة في تاريخها بسبب عملية "طوفان الأقصى"، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى منح موارد إضافية لقطاع الصّحة النفسيّة.
وأشارت التّقارير إلى أنَّ أكثر من 35% من الجرحى الجنود يعانون القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصّدمة، كما أنَّ نصفَ الأطفال في الأُسَرِ يعانون من مشاكل نفسيّة وتحصيل دراسي ضعيف، في حين يتخلّى أكثر من نصف كبار السِّن عن الأدوية ويعانون من زيادة الشّعور بالوحدة والقلق.
هكذا أحدث "طوفان الأقصى" تغييرًا عميقًا في إسرائيل على مختلف الصُّعد. فقد تصاعدت التوتّرات الأمنيّة والعسكريّة بشكلٍ غيْر مسبوقٍ، وتفاقمت الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنّفسيّة. كما أنَّ هذا الهجوم شكَّل اختبارًا كبيرًا للقدرة الإسرائيليّة على التعامل مع تحدّيات جديدة على مستوى الأمن القومي والعلاقات الدوليّة.
(خاص "عروبة 22")