صحافة

"المشهد اليوم".. ترامب يُصرّ على "شراء غزّة" ويُخيّر إيران بين "الاتفاق والقصف"العاهل الأردني في البيت الأبيض غداً وإشتباكات عنيفة عند الحدود اللبنانيّة - السورية

متظاهرون إسرائيليون يرفعون لافتات خلال احتجاج يطالب بالإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزّة منذ هجوم 7 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

مع استمرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحاته الداعية إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم واستقبالهم في دول أخرى ومسارعة الجانب الاسرائيلي لتبني هذه الرؤية التي وصفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"الثورية والخلاقة"، يمرّ اتفاق الهدنة في غزّة بمرحلة دقيقة مع وجود احتمال كبير لـ"تفخيخ" المرحلة الثانية من المفاوضات وخلق العراقيل والمطبات بغية العودة الى الحرب، وهو ما يسعى الوسطاء القطريين والمصريين إلى تفاديه والدفع نحو الالتزام بمضامين المرحلة الاولى، التي تسير لغاية الآن بوتيرة تتناسق مع الاتفاق المُبرم، مع وجود بعض المخالفات التي ينتهجها الجانب الاسرائيلي  عمداً، لاسيما ما يتعلق بإدخال المساعدات الانسانيّة.

فعلى الرغم من كل المناشدات لتسريع وتيرة دخول الخيم والمواد الأولية الأساسية التي تساعد أهالي القطاع المنكوب، يتعمد الاحتلال الاسرائيلي الحؤول دون ذلك لزيادة الضغظ على الفلسطينيين بهدف دفعهم الى "المغادرة الطوعية"، خاصة أن تل أبيب بدأت تعد الخطط الهادفة لمغادرتهم وهو ما شرع به رسمياً وزير الأمن يسرائيل كاتس وذلك عبر وضع ترتيبات خاصة تشمل المعابر البرية والمنافذ البحرية والجوية. وهذه المغادرة التي تتبناها اسرائيل مدعومة بقرار أميركي واضح بهدف تنفيذ مخطط التغيير الديموغرافي المرسوم للمنطقة وفرض "صفقة القرن" كحل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، لا تزال موضع رفض وشجب عربي ودولي مع تأكيد جوهرية القضية الفلسطينية والتشديد على مبدأ "حل الدولتين".

هذه المبادىء العربية الواضحة، والتي لا لُبس فيها، ستكون على جدول أعمال العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي يلتقي الرئيس الأميركي غداً، الثلاثاء، في وقت تشدّد فيه المخاوف من سيناريوهات "اليوم التالي" والأثار الناجمة عن مخطط تهجير الفلسطينيين على الدول العربية وأمنها واستقرارها. ويتزامن ذلك مع الإعلان عن قمة عربية طارئة تستضيفها العاصمة المصرية، القاهرة، في 27 شباط/فبراير الحالي، لبحث التطورات "المستجدة والخطيرة للقضية الفلسطينية"، وذلك بعدما تفاعلت على مدار اليومين السابقين تصريحات نتنياهو الداعية لاقامة دولة فلسطينيّة على الأراضي السعودية.

وقد أثارت هذه الدعوة موجة استنكاراً عارماً حيث أكدت الخارجية السعودية، في بيان، "أنه لا سلام شامل بلا حل الدولتين"، واضعة تصريحات نتنياهو في خانة "صرف النظر عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، تجاه الفلسطينيين في غزّة، بما في ذلك ما يتعرضون له من تطهير عرقي". وشددت على أن "الشعب الفلسطيني صاحب حق في أرضه، وليس دخيلاً عليها أو مهاجراً إليها، يمكن طرده متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم". فيما أدانت مصر الاقتراح ووصفته بأنه يعدّ "تجاوزاً مستهجناً وتعدياً على كل الأعراف الدبلوماسية المستقرة، وتجاوزاً لسيادة المملكة العربية السعودية". أما الخارجية الأردنية فرأت بأن هذه التصريحات "معادية لحق الفلسطينيين بإقامة دولة".

وتتوافق الرؤية العربية حتى الساعة وتتوحد كلماتها المناصرة لحق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تجاهل كل "عاصفة" الردود الشاجبة والمستنكرة وتكرار الكلام نفسه، حيث في أحدث تصريح جدّد القول بأنه "ملتزم بشراء غزّة وامتلاكها، وربما إعطاء أجزاء منها لدول أخرى في الشرق الأوسط لبنائها". كما أشار إلى أنه سيبحث السماح لحالات فردية من الفلسطينيين بدخول الولايات المتحدة، مع تأكيده بأن دولاً بالشرق الأوسط ستستقبل الفلسطينيين.

ويتعامل ترامب مع غزّة على مبدأ "المقاول" والمستثمر العقاري وتكتنفُ تصريحاته الكثير من الغرابة والاستهجان، وهذا ما دفع حركة "حماس" للتأكيد بأن "غزّة ليست عقاراً يُباع ويُشترى، فهي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة". في وقت ذهب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أبعد من ذلك بوصفه هذه التصريحات بأنها "ليس فيها أي جانب يستحق الحديث عنه"، مشيراً الى أن "لا أحد يملك إخراج شعب غزّة من وطنه الأبدي الذي ظل قائماً لآلاف السنين".

بدوره، وصف نتنياهو، العائد من واشنطن، لقاءه مع ترامب بـ"النجاح الدبلوماسي الكبير"، لافتاً إلى أن الزيارة بمفاعيلها ستكون "نقطة تحول تاريخيّة لإسرائيل". ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عنه قوله إن ما تحقق خلال الزيارة "سيضمن أمن إسرائيل لأجيال". في المقابل، تتعاظم المخاوف بشأن وجود نوايا اسرائيليّة مبيتة لتفجير المفاوضات، خاصة بعد الجرعات الأميركية المتتالية، ما دفع عشرات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع في تل أبيب والقدس و70 بلدة أخرى، مطالبين الحكومة بإتمام الصفقة مع "حماس" بجميع مراحلها، وإلى حين عودة آخر الأسرى الإسرائيليين.

وكان نتنياهو قد أرسل، أمس الأحد، وفداً إدارياً تقنياً إلى الدوحة بعد تأخير "مُتعمد" لنحو أسبوع وذلك بهدف التمهيد لبدء المرحلة الثانية من مفاوضات وقف النار بظل توجيه عدة انتقادات نقلتها الإذاعة الإسرائيليّة الرسمية التي اعتبرت أن الوفد غير مخول بمناقشة المرحلة الثانية بل ينحصر دوره في إعداد الشؤون الفنية والإدارية لها فقط. وبالتالي حصر المفاوضات بالمراحل التمهيدية اللوجيستية يعني التسبب بتأخير الشروع بالتفاصيل خاصة أن المرحلة الثانية والثالثة من الاتفاق تناقش تفاصيل إعادة الإعمار والانسحاب الاسرائيلي الكامل.

وعلى الجبهة اللبنانية، شنّ العدو الإسرائيلي سلسلة من الغارات على عدة مناطق في محافظة النبطية بجنوب لبنان ومنطقة البقاع مساء أمس. فيما واصل انتهاكاته لاتفاق وقف النار، حيث أقدم على إحراق عدد من المنازل في بلدة كفركلا وتفجير أخرى في يارون وميس الجبل، يأتي ذلك فيما بدأ الجيش اللبناني انتشاراً واسعاً في بلدتي رب ثلاثين وطلوسة بجنوب لبنان وسط دعوته الأهالي للتروي بالدخول قبل اجراء المسح الميداني الكامل. ويترافق ذلك مع ما نقلته وسائل إعلام عبرية عن قرار الجيش الإسرائيلي بالسماح بعودة سكان الشمال إلى منازلهم اعتباراً من الأول من آذار/ مارس المقبل، فضلًا عن انسحاب الجيش الإسرائيلي من كل مواقعه في الجنوب في غضون الأسبوع المقبل.

من جهة أخرى، احتدمت الاشتباكات على الحدود اللبنانيّة - السورية بين الجيش السوري والعشائر اللبنانيّة التي تعيش في القرى الحدوديّة المحاذية لمنطقة القصير جنوبي حمص ظهر أمس بعد هدوء نسبي. وأسفرت المواجهات عن وقوع عدد من القتلى والجرحى من الجانبين ما استدعى تدخل الجيش اللبناني بقوة لاحتواء الوضع والرد على مصادر النيران كما دفع نحو تعزيزات إضافية من البقاعين الأوسط والشمالي إلى الحدود الشمالية مع سوريا. وكانت المعارك بدأت يوم الخميس الماضي، حين نفذ الأمن العام السوري وإدارة العمليات العسكرية "حملة تمشيط" قالت إنها تستهدف عصابات التهريب وضبط الحدود وملاحقة المهربين وتجار المخدرات الذين ينشطون في القرى الحدودية.

والأوضاع الأمنية التي تطرح بنفسها بقوة داخل البلاد ستكون محور النقاشات في الأيام المقبلة وذلك بعد تشكيل الحكومة اللبنانية التي ستجتمع في أول جلساتها غداً، الثلاثاء، لمناقشة البيان الوزاري والذي سيشكل اختباراً جديداً لرغبة القوى السياسية الداخلية بتسهيل التشكيل أو خلق العثرات والتي يواكبها ضغوط خارجية توضع على عاتق الحكومة ورئيسها والعهد برمته لمواكبة التطورات الاقليمية الحاصلة، خاصة أن عملية إعادة الاعمار، وهي من الأولويات القصوى، تتزامن مع شروط يأتي أولها تطبيق القرار 1701 والتأكيد على تنفيذ مفاعيل اتفاق وقف النار والانسحاب الاسرائيلي.

وفي ما يتعلق بإيران، أبلغ الرئيس الأميركي صحيفة "نيويورك بوست" بأنه يرغب في اتفاق مع طهران تفادياً لضربة عسكرية. وقال: "إذا أبرمنا الاتفاق لن تقصفهم إسرائيل"، دون الكشف عن أي تفاصيل اضافية. في السيّاق، طالب رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، حكومة الرئيس مسعود بزشكيان بالامتثال لتوجيهات خامنئي، الذي دعا الى رفض التفاوض مع الادارة الاميركية، محذراً من سعي ترامب لنزع أسلحة إيران، بما فيها الصواريخ الباليستية.

وضمن جولة اليوم على الصحف العربية التي اهتمت بتداعيات التصريحات الاميركية المستمرة والموقف السعودي كما بتطورات الوضع اللبناني، نوجز أبرز ما ورد على الشكل التالي:

أكدت صحيفة "الرياض" السعودية أن "حل الدولتين مهما كان ثمنه باهظاً على المستوى الإقليمي أو الدولي إلا أنه يعتبر أقل النقاط توتراً"، مشددة على أن "قلب الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية، وإسرائيل تدرك أن الهيكل السياسي في الشرق الأوسط رغم تنوعه واختلافاته العقدية والعرقية، إلا أنه يتفق على حقيقة واحدة: هي فلسطين وحقها في دولة مستقلة، والفرصة أمام إسرائيل هي استثمار الهياكل السياسية المعتدلة في الشرق الأوسط والتي تطالب بدولة فلسطينية، لأن البديل لهذه الهياكل المعتدلة سيكون هياكل متطرفة تسعى لكي تشعل الحرب".

واستغربت صحيفة "الشروق" المصرية، في مقال، كيف أن ترامب "يحاول إضفاء صفة البحث عن السلام على أكثر التصورات والأفكار اختراقًا لأية قيمة إنسانية وقانونية بذريعة أنه يقترح حلًا لحياة آمنة ومستقرة لأهالي غزّة خارجها، فيما لا يقدم أحد أي مقترح آخر"، مستنتجة أن "بقوة الحقائق الماثلة الخطة فاشلة لا محالة، لكن وجه خطورتها إنها تفسح المجال أمام حكومة نتنياهو للتملص من اتفاق وقف إطلاق النار وعدم استكماله بكل مراحله والعودة إلى الحرب".

بدورها، أشارت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "إسرائيل ترفض من حيث المبدأ الانسحاب من الأرض الفلسطينية، وبالتالي ترفض الدولة الفلسطينية وتصر على موقفها الرافض للسلام إلا على أساس القوة والاستسلام الكامل لشروطها". وأضافت: "وها هي قد وجدت في إدارة الرئيس الأمريكي ملاذها الذي لجأت إليه في محاولة حمل الفلسطينيين والعرب على القبول بمخططاتها الجهنمية من تهجير وإلغاء لحق مصير دولة مستقلة".

وفي موقف مشابه، اعتبرت صحيفة "الغد" الأردنية أن وصفة ترامب "لم تصمد لتهجير أهل غزّة أكثر من أيام قليلة، حتى بدأت بالتداعي على وقع إجماع عربي وعالمي برفضها"، لافتة الى أن "القمة العربية الطارئة المزمع عقدها في القاهرة نهاية الشهر، تشكل مناسبة استثنائية لبلورة مشروع عربي فلسطيني لليوم التالي في غزّة".

على المقلب الأخر، رأت صحيفة "القدس العربي" أن "حدث سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كان يشكّل وصاية "معطلة" إضافية على لبنان، أعطى دفعة إيجابية كبرى للتطورات اللبنانية التي تزامنت مع عوامل إقليمية إيجابية"، موضحة أن ولادة الحكومة اللبنانية "تمثل إنجازا كبيرا نجح فيه (الرئيس المكلف نواف) سلام في تدوير الزوايا التي يقوم عليها النظام الطائفي اللبناني، غير أنه ما كان لينجح لولا اعتراف مجمل القوى السياسية والطائفية بالأزمة الهائلة التي عطلت البلاد وجعلتها في حاجة ماسة إلى إنقاذ اقتصادي ومالي".

هذا وتطرقت صحيفة "البلاد" البحرينية الى الدور السعودي لفتح صفحات جديدة من العلاقات مع سوريا ولبنان، "فكل ما تريده السعودية في هذا الوقت المهم هو العمل على تهدئة الأوضاع في المنطقة بشكل سريع، والعمل على إعادة الاستقرار الكامل في سوريا ولبنان وتجنب النزاعات"، منوهة أن "أكثر ما تحتاجه سوريا في هذا التوقيت المهم تحديداً هو إقناع العالم بجدية التغيرات الحاصلة في البلاد، وأن تكون مسألة الثقة في الرئيس السوري أحمد الشرع للمرحلة الانتقالية هو العامل الأساس والأبرز لهذه المرحلة المهمة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن