مدونات

جدلية العلم والعسكرية في "أوبنهايمر"

محمد خيال - مصر

المشاركة
جدلية العلم والعسكرية في

خلال الإعداد لمشروع "مانهاتن" الذي دشّنه البيت الأبيض بالتعاون مع المخابرات الأمريكية للوصول إلى سلاح فتاك يُنهي مقاومة اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، بعدما عجزت الأسلحة التقليدية في حسم تلك المهمة، لم يجد الجنرال ليزلي غروفر، الذي أدى دوره في الفيلم الأمريكي الذي حقق إيرادات هائلة خلال الموسم الأخير "أوبنهايمر" الممثل مات ديمون، صعوبة في إقناع عالم الفيزياء الكمية روبرت أوبنهايمر بقيادة المشروع ككل.

كما لم يجد غروفر صعوبة أيضًا في إقناع العالم الفيزيائي بالتخلّي عن زيّه المدني وارتداء الزيّ العسكري، فسريعًا ارتدى أوبنهايمر البدلة العسكرية مفتخرًا، متناسيًا في لحظة شعف أو رغبة قديمة ربما، أنّ العلم من الصعب بمكان تقييده داخل القوالب العسكرية الجامدة.

"العسكرية" ضمن قواعدها المطلقة تقوم على السمع والطاعة والالتزام الصارم بتنفيذ الأوامر الصادرة من المستويات الأدنى دون نقاش، بينما العلم هو نشاط عقلي يحتاج من أجل اكتمال نظرياته إلى تبادل الرؤى والأخذ والرد وإعادة المحاولات واحدة تلو الآخرى حتى الوصول إلى نتيجة قابلة للتنفيذ.

فيما وراء دراما "أوبنهايمر"، حمل الفيلم الكثير من الرسائل المبطّنة والتي جاءت على لسان أبطاله، فبعيدًا عن الصراع الذي عاشه بطل العمل، بين العلم والأخلاق خلال حياته، ونجاح المخرج كريستوفر نولان في استعراضه، كانت هناك رسالة أخرى جاءت على لسان أحد العلماء من أصدقاء أوبنهايمر والذي انتقد ارتداءه الزي العسكري حتى أنه كان ضمن شروطه للانضمام لمشروع مانهاتن أن يخلع هذا الزي كونه عالمًا وليس عسكريًّا.

لعبة الزمن التي يُعدّ نولان أحد أبرز لاعبيها بالتحرّك بين المستقبل، والعودة للماضي، والتوقّف عند الحاضر، تحمل دلالة بأنّ تلك العبارات التي تأتي على لسان أبطاله ليست مجرد مفردات في سيناريو لعمل فني فقط، ولكنها قواعد صالحة للنفاذ عبر الزمن، فشغف العالم الذي قاد فريقًا من أقوى العقول في حالة أوبنهايمر انتهى لحظة نجاح التجربة النهائية للقنبلة الذرية، وهي نفسها اللحظة التي انتهت معها أوهام العالم، الذي ارتدى الزيّ العسكري في بادئ الأمر، بامتلاكه القدرة على اتخاذ القرار بشأن استخدامات نتيجة مشروعه العلمي، قبل أن يُدرك أنّ هذه القدرة هي رهن مشورة القيادة العسكرية، للمستوى السياسي.

لا يحكي الفيلم الذي تبلغ مدة عرضه ثلاث ساعات كاملة، مساهمة أوبنهايمر في صناعة القنبلة ولا مراحل تصنيعها بقدر ما يتناول جوهر فكرة الصراع بين العلم والأخلاق من جهة، والجدلية بين منهج عمل العلماء والعسكريين من جهة أخرى.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن