صحافة

دولة الاحتلال والسودان: قواسم العار المشتركة

صبحي حديدي

المشاركة
دولة الاحتلال والسودان: قواسم العار المشتركة

سجلت "لجنة حماية الصحافيين"، الـCPJ، قاسماً مشتركاً بين حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة من جهة، والحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في السودان من جهة ثانية؛ ورصدت في تقريرها عن استهداف الصحافيين في العام 2024 أنّ دولة الاحتلال تأتي في المرتبة الأولى عالمياً، تليها السودان ثمّ الباكستان.

والمنظمة، وهي مستقلة غير ربحية يعود تأسيسها إلى سنة 1981 ومقرّها نيويورك، سجلت مقتل 124 صحافياً في العام المنصرم، هو الرقم الأعلى منذ أن بدأت اللجنة سنة 1992 في إحصاء الصحافيين ضحايا القتل؛ وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤولاً عن تصفية 85 صحافياً منهم، أي بمعدّل 70% من المجموع العالمي.

وقالت جودي غنسبرغ، المديرة التنفيذية للجنة، إنّ "الزمن الراهن هو الأشدّ خطورة على الصحافيين" في تاريخ عمل اللجنة، و"الارتفاع في أعداد قتل الصحافيين هو جزء من تيار أعرض يستهدف إخماد وسائل الإعلام على مستوى كوني. وهذه قضية يتوجب أن تقلقنا جميعاً، لأنّ الرقابة تمنعنا من معالجة الفساد والإجرام، ووضع المتجبرين قيد المساءلة".

ردّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتأخر، واقتفى كالعادة خطّ الازدواجية في إنكار استهداف الصحافيين، وزعم الحرص على ضمان أمنهم وحمايتهم وتسهيل عملهم. ولا جديد هنا، بالطبع، وأجهزة التزييف الإسرائيلية لا تكترث حتى بتنويع أسطوانات مشروخة، ما خلا أنّ السجلّ الإسرائيلي في ميدان عرقلة الصحافة بطرائق شتى لا يغيب عنها خيار التصفية الجسدية بالنسبة إلى الصحافيين الفلسطينيين تحديداً، سجلّ حافل وقديم وصارخ؛ لا تنقصه، أيضاً، إفادات دامغة حتى من بعض المؤسسات الإعلامية والصحافية الإسرائيلية ذاتها.

ومع حفظ الفارق الكبير في أعداد الصحافيين القتلى برصاص الجيش الإسرائيلي، فإنّ الرابطة بين دولة الاحتلال والسودان تتيح الإحالة إلى واقعة دراماتيكية كما يصحّ القول، جرت في مثل هذه الأيام ولكن قبل أربع سنوات؛ حين التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في عنتيبي، أوغندا؛ واتفقا على بدء حوار من أجل "تطبيع العلاقات" بين البلدين، كما جاء يومذاك في بيان رسمي صدر عن مكتب نتنياهو.

بعض عناصر الدراما في تلك الواقعة لم تقتصر على عنصر المفاجأة، أو الترحيب الأمريكي الحارّ كما سارع إليه وزير الخارجية يومذاك مايك بومبيو، ضمن حمّى الحماس للتطبيع بين بعض العرب ودولة الاحتلال في ضوء اتفاقات أبراهام، فحسب؛ بل لعلّ المفاجئ الأبرز كانت حال الحكومة السودانية، بزعامة عبد الله حمدوك حينذاك، التي وصلها نبأ اجتماع عنتيبي عن طريق… الصحافة!

ها هي، إذن، رابطة الصحافة تعيد التذكير بالصلة بين البلدين، من زاوية لا تحيل إلى الخزي والعار وخلفية استهداف الصحافيين بين مرتبة أولى للاحتلال وثانية للسودان، فقط؛ بل كذلك على خلفية استمرار الإبادة الإسرائيلية وجرائم الحرب في فلسطين، وعواقب "اليوم التالي" كما يزمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب امتلاكها أو تملّكها أو الاستحواذ عليها عبر حماقة تهجير أهل قطاع غزّة قسرياً إلى مصر والأردن وبلدان أخرى. وأمّا في السودان فإنّ إسكات الصحافيين لم يتفاقم على خلفية احتراب الجنرالات وحدهم، بل كذلك على فضح مباذل الفساد والإتجار بالبشر ونهب ثروات البلاد.

وأياً كانت الفوارق بين ميادين استهداف الصحافيين على أرض فلسطين أو أرض السودان، وقد يتوفر ما يستدعي التفريق هنا وهناك غنيّ عن القول، فإنّ عقلية إخراس الصوت الميداني الذي يغطي الفظائع أو وأد الصورة التي توثقها ليس حمّال الكثير من دواعي التمييز؛ خاصة وأنّ حال السودان في الصراع بين جنرال وجنرال لا تجبّ التاريخ الانقلابي المشترك بين البرهان وحمدان دقلو، ولا تُسقط عنهما واقع التلاقي مع نتنياهو في قاسم العار المشترك.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن