صحافة

"المشهد اليوم"..استراتيجية أميركية-إسرائيلية تُحدّد الأولويات وتُطوّق إيران استقبال حاشد للشرع في معقل الأسد وقمة أوروبية تناقش "التغيير الاميركي" بشأن أوكرانيا

خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في القدس (أ.ب)

عناوين عديدة حملتها زيارة وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو الى القدس في مستهل جولة سيستكملها في السعودية والامارات، تراوحت بين القضاء على قدرات "حماس" السياسية والعسكرية ومنع اي دور لها في مستقبل غزّة و "انهاء المهمة" بشأن ايران "أكبر مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة" وعدم السماح لها بامتلاك اسلحة دمار شامل وصولاً الى لبنان عبر التأكيد على نزع سلاح "حزب الله" وتمكين الدولة. وتؤكد الاولويات السياسية التي طرحها اللقاء المشترك التقارب الاميركي الاسرائيلي اللامتناهي ما يعيد تحديد موازين القوى ويطلق يد اسرائيل في المنطقة لاستكمال مخططها التوسعي.

ومن الطبيعي أن يتصدر مقترح تهجير الفلسطينيين صلب المحادثات بين الجانبين في ظل ترحيب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بما أسماه "الرؤية الجريئة" للرئيس الاميركي التي "سنعمل على ضمان تحقيقها"، مؤكداً وجود "استراتيجية مشتركة" بشأن غزّة. أما "ابواب الجحيم" فاقتبسها نتنياهو من "اعظم صديق لاسرائيل" الرئيس دونالد ترامب ليوضح انها ستفتح على "حماس" إذا لم يتم تحرير جميع رهائننا". 

وتترافق المحادثات مع عدم اتضاح الرؤية بشأن المرحلة الثانية من مفاوضات وقف النار، على الرغم من الضغوط التي يحاول الوسطاء ممارستها على اسرائيل التي تعقد اليوم اجتماعاً لمجلس الوزراء الأمني الاسرائيلي لبحث هذا الموضوع، وفق ما أفاد به مكتب نتنياهو. يُذكر أن المرحلة الثانية يُفترض أن تشهد إطلاق سراح جميع المحتجزين الأحياء وإنهاء الحرب. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فستُخصص لإعادة إعمار غزّة، وهو مشروع ضخم تقدر الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 53 مليار دولار.

تزامناّ، وجّه نتنياهو المفاوضين بالتوجه إلى القاهرة اليوم لمناقشة "الاستمرار في تنفيذ المرحلة الأولى" من اتفاق وقف النار. وقد تناقلت عدة وسائل اعلام عبرية، في وقت سابق، أن نتنياهو يسعى لاستكمال المرحلة الاولى واخراج اكبر عدد ممكن من الاسرى الاسرائيليين الاحياء المحتجزين في غزّة قبل التوجيه بالعودة الى الحرب بعد حصوله على دعم أميركي "مطلق" لاستكمال مخططاته. وقد تجلى هذا الدعم بصفقات الاسلحة التي اغدقت بها اميركا منذ وصول ترامب الى الرئاسة حيث اعلنت وزارة الدفاع الإسرائيليّة، الأحد، وصول شحنة من "القنابل الثقيلة" الأميركية إلى إسرائيل. والشحنة عبارة عن قنابل غير موجهة تزن الواحدة منها 2000 رطل ويمكنها اختراق الخرسانة السميكة والمعادن، مما يسبب دائرة انفجار واسعة. وكانت ادارة الرئيس السابق جو بايدن رفضت السماح بتصديرها خوفاً من تأثيرها على المناطق المكتظة بالسكان في قطاع غزّة.

وضمن سلسلة الخطوات العربيّة، تعقد خمس دول عربية قمة في الرياض في 20 شباط/فبراير الجاري استباقاً لقمة القاهرة، وذلك للرد على المشروع الأميركي وتوحيد الموقف كما تقديم مقترحات "عملية قابلة للتنفيذ" بشأن اعادة اعمار القطاع المنكوب دون تهجير السكان واقصاء "حماس" عن مشهد "اليوم التالي" وتثبيت دور السلطة الفلسطينية وهو ما لا يزال موضع رفض اسرائيلي دون تقديم اي بدائل. هذا وذكر الأمين العام المساعد للجامعة العربيّة حسام زكي أن القمة المقبلة قد تتأجل بضعة أيام لأسباب لوجيستية وليست سياسية خصوصاً أن مصر حريصة على حضور أكبر عدد من القادة للقمة.

الى جانب الأوضاع الفلسطينية المشتعلة، تلفت الساحة اللبنانية الانتباه غداة التوترات الامنية الاخيرة بعد القرار باتخاذ اجراءات حاسمة لجهة تعليق الرحلات من ايران إلى لبنان حتى 18 شباط/ فبراير الحالي. وفي السيّاق، دعا الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم "الحكومة لأن تعيد النظر في قرار منع الطيران الايراني وأن تعبّر عن موقفها السيادي وتتعامل مع الموضوع بحكمة"، مشدداً على أن "ما هدمته إسرائيل هدمته في الدولة اللبنانية وعلى الدولة اللبنانية مسؤولية العمل على إعادة الإعمار". وأكد أنّ "لا ذريعة لاسرائيل بالبقاء، لا بنقاط خمس ولا أي تفاصيل أخرى"، مشيراً إلى أنّ "مسؤولية الدولة اللبنانية اساساً وحصراً في هذه المرحلة أن تعمل بكل جهد سياسي ودبلوماسي لجعل إسرائيل تنسحب".

وتجهد الدولة اللبنانية لتحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل والشامل وحشد الدعم خصوصاً ان المهلة الثانية شارفت على الانتهاء فيما لا يزال العدو يتوغل وينتهك قرار وقف النار. وفي اخر التفاصيل، أقدم الطيران الإسرائيلي على استهداف أطراف بلدة حربتا وبوداي وادي الزينة بغارتين كما نفذ غارة ثالثة على بلدة حلبتا في البقاع الشمالي. وقد تزامنت هذه الغارات مع تهديدات إسرائيليّة أتت على لسان نتنياهو الذي قال "قلنا للبنانيين إن عملكم الآن هو تفكيك ⁧‫"حزب الله⁩" وإن لم يقوموا بذلك سنفعل نحن".

سورياً، حملت زيارة الرئيس السوري الى مدينة اللاذقية، ضمن جولة يقوم بها على عدد من المحافظات السورية، عدة معاني سياسية واجتماعية. وتعد هذه الزيارة الأولى له منذ تنصيبه رئيساً للجمهورية، حيث التقى بوجهاء المدينة من مختلف الطوائف لمناقشة القضايا والتحديات التي تواجه سكان اللاذقية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا".

وتمثل اللاذقية اهمية كبرى لانها كانت تعتبر أحد المعاقل الرئيسية للنظام السابق ومسقط رأس عائلة الاسد. وتكتسب جولة الشرع، التي شملت الى اللاذقية ادلب وحلب كما عفرين وريفها، اهمية لانها تؤكد محاولتة التقرب من الشارع وطمأنته وتعزيز التواصل مع مختلف أطياف الشعب السوري بمن فيهم سكان المخيمات الذين خصص مساحة لهم في زيارته للتأكيد على اولوية عودتهم الى قراهم وبلداتهم. وترزح الحكومة السورية تحت وابل من التحديات من تعزيز الاستقرار وبسط الأمن الى اعادة الاعمار وتحسين الاوضاع الاقتصادية بعد سنوات طوال من الحرب التي وضعت البلد في حالة من المديونية والعجز والفوضى.

الى ذلك، كشفت مصادر دبلوماسيّة تركية، لـ"الشرق الأوسط"، عن اتفاق بين تركيا والأردن والعراق وسوريا على تشكيل آلية للتحرك المشترك ضد "داعش" على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات ستعقد أول اجتماعاتها في عمان خلال الشهر الحالي. وقالت المصادر إن تركيا تتحرك في الوقت نفسه لوقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية لتطويق حزب "العمال الكردستاني" عبر جهود مشتركة مع كل من العراق وسوريا وإيران، لافتة إلى زيارة رئيس جهاز المخابرات التركي، إبراهيم كالين، إلى طهران الأسبوع الماضي.

دولياً، نقل موقع "أكسيوس" الإخباري عن مصدرين قولهما إن مسؤولين بارزين من الولايات المتحدة وروسيا سيلتقون في السعودية غداً، الثلاثاء، للبحث في سبل إنهاء الحرب الأوكرانية - الروسية والإعداد للقمة التي ستجمع الرئيسين الأميركي والروسي. وبحسب الموقع عينه، فإن الوفد الأميركي سيضم وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، بينما من المتوقع أن يترأس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الوفد الروسي.

في المقابل، يستضيف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زعماء أوروبيين، اليوم، في قمة طارئة لبحث الحرب في أوكرانيا. وقالت الرئاسة الفرنسية، إن ماكرون دعا إلى "محادثات للتشاور" وإنها ستتناول "التغيير الكبير في النهج الأميركي" تجاه أوكرانيا، وما ينتج عن ذلك من مخاطر على أمن القارة الأوروبية. ويتخوف الاتحاد الاوروبي من أن يصب التوافق الاميركي الروسي المستجد لصالح موسكو وعلى حساب كييف بعد سنوات من الحرب الشرسة.

القرارات الاميركية وتداعياتها تصدرت عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم، حيث:

اشارت صحيفة "الرياض" السعودية الى انه "لم تعد السياسة الأميركية تروج للقيم التي اعتاد العالم على سماعها من كل رئيس يحل في البيت الابيض، ولم تعد تلك القيم تهدف إلى تسهيل السياسة الدولية وتحقيق التشاركية الدولية"، جازمة "أنه لن يكون من السهل على الرئيس ترامب تقديم مسار واضح سهل الهضم للكيفية التي سوف يتم فيها إيقاف الصراعات والحروب انطلاقا من حرب روسيا وأوكرانيا، وانتهاء بالقضية الفلسطينية التي تحمل مؤشراتها خطة تسعى للدفع نحو الاتجاه الذي يسعى إلى السماح لإسرائيل بالسيطرة بشكل أكبر على فلسطين وشعبها".

وتبنت صحيفة "الصباح" العراقية رأياً مشابهاً بالقول "ترامب يصدم العالم بتمرده على نسق سياسات بلاده ونسق العلاقات الدولية، بكسر الاسيجة القانونية والاخلاقية، كسر النموذج الذي رسمته أمريكا لنفسها في أعين العالم"، مبدية اعتقادها أن "التعامل مع الادارة الامريكية الترامبية يحتاج إلى قاعدتين ذهبيتين، الاولى فهم سيكولوجية ترامب وحكومته وادارة التعامل معه برؤية مدروسة، اما الثانية فهي تحديد الامكانات والممكنات والبدائل بما يوفر على العراق الانسياق مع من يريد له أن يكون كبش فداء في مشروع التضحيات المفتوح".

هذا ورأت صحيفة "الوطن" البحرينية، في مقال، أن "التصريحات الاستفزازية للرئيس الأمريكي بشأن تهجير غزة، هي بالواقع ليست بجديدة ولكن هو ينظر إلى أن عملية التهجير هي الحل السحري لأزمات الشرق الأوسط على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي معطل أساسي لخطط الهيمنة الأمريكية". وتابعت "إدارة ترامب تنظر إلى أن غزة هي قطعة أرض عقارية يراد بها التكسب الاقتصادي وتحويلها إلى أرض لا تمس بالقضية الفلسطينية بصلة، وهذه العملية الديمغرافية تعتبر إن حدثت نكبة جديدة في تاريخنا المعاصر، وأن السماح لترامب بتنفيذ مخططاته سيرسم عهداً جديداً لأمريكا يتسم بالإمبريالية المتطرفة".

وتحت عنوان "ترامب يريد نهب العالم"، كتبت صحيفة "الجريدة" الكويتية "ترامب يريد قسراً نهب أموال شعوب لا يملكها عن طريق عقد صفقات مليارية إجبارية مع الخليج. يريد استنزاف النفوط العربية من أجل مصالحه، ويريد الضغط على الجميع، بحجة حماية أميركا لهم، رغم الامتناع عن الرد على كل الهجمات الإرهابية التي طالت السعودية والإمارات، وغض الطرف عن كل الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات، أميركا أساساً هي التي موَّلتها"، مؤكدة أن ترامب "يتعامل مع العالم بعيون التاجر المهيمن ومع العرب بعيون الصهاينة".

بدورها، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن "القاهرة تعكف حالياً على وضع تصور شامل لمساعدة الأشقاء الفلسطينيين ما يعكس إصرارها بكل قوة على رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة"، معتبرة أن ما أسمته "الدعم العالمي للتصور المصري يطرح دلالتين مهمتين: الأولى، أن هناك إدراكاً عالمياً للمخاطر التي يمكن أن تنجم عن محاولات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والثانية، إن التحركات التى تقوم بها مصر تفرض نتائج إيجابية وبارزة على الأرض".

وفي اعتقاد صحيفة "الغد" الأردنية فإن "مخرجات قمة الرياض ستشكل محور البيان الختامي للقمة العربية الطارئة في القاهرة نهاية الشهر الحالي"، مشددة على أن نجاح الجهود العربية مشروط بعدة أمور أولها، إقناع الإدارة الأميركية بالخطة العربية البديلة، ضمان التزام إسرائيل الدخول في مباحثات تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاقية الهدنة كما التزام "حماس" بالتنازل عن حكم قطاع غزّة بعد إنجاز اتفاق الهدنة لحساب ما يتم التوافق عليه فلسطينياً وعربياً.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن