معاناة راني، عيّنة عن طوابير انتظار الفلسطينيين عند حواجز الاحتلال التي قسّمت الضفّة الغربية إلى "كانتونات" معزولة أو جزر سكنية متقاربة في الجغرافيا بعيدة في المسافة، حيث إنّ التنقّل بين قرية وأخرى أو بين القرية والمدينة داخل المحافظة الواحدة أصبح يستغرق ساعات "تحرق" أعصاب ووقت الفلسطينيين، وتتعمّد تحويل حياتهم إلى "جحيم".
ويوضح مدير عام النّشر والتوثيق في هيئة الجدار والاستيطان، أمير داود لـ"عروبة 22"، أنّ عدد الحواجز التي أقامها الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية لغاية 8 يناير/كانون الثاني من هذا العام بلغ 898 حاجزًا، مصنّفة بين حواجز دائمة ومؤقتة وسواتِر ترابية ومكعبات إسمنتية وبوابات حديدية وحواجز ومعابر حوّلت الضفة الغربية إلى سجن كبير.
ويضيف داود أنّه أمام هذا الوضع يلجأ المواطنون إلى سلوك طرق ترابية وعِرة لا تصلح للسير بالسيارات العادية وتمّ فتحها لأغراض الزراعة فقط، مؤكدًا أنه على الرَّغم من ذلك تقوم قوات الاحتلال بإقامة حواجز طيّارة "متنقّلة" على هذه الطرقات أيضًا لتزيد من التنكيل بالمواطنين، مشيرًا إلى أنّ العديد من المرضى فقدوا حياتهم عند الحواجز من دون أن يلتفت جنود الاحتلال لحالتهم الطارئة، بل كانوا أحيانًا حين يعرفون أنّ السيارة الآتية إلى الحاجز تقلّ مريضًا يعمدون إلى تفتيشها بدقّة وفي بعض الأحيان يُجبرون مَن في السيارة على الوقوف ساعات طويلة في البرد القارس.
ويكشف داود في هذا السياق أنّه يتم احتجاز أُسَر كاملة لساعات طويلة عند الحاجز يتخلّلها اعتداءات بالضرب المبرّح والتنكيل بطريقة مذلّة للأب أمام أطفاله وزوجته، كما يتعمّد جنود الاحتلال استفزاز الناس عبر إخضاع النساء والفتيات للتفتيش الشخصي بشكل متكرر. ويلفت إلى أنّ العديد من الحوامل وضعت مواليدها عند الحواجز بسبب عدم تمكّنها من المرور إلى المستشفى، لذلك بدأ الكثير من الفلسطينيين الاستعانة بالممرّضات والطبيبات في المناطق القريبة من مناطق سكنِهم للتعامل مع حالات الولادة.
وإذ يشدد على أنّ حصار الضفة الغربية يُمثّل عقابًا جماعيًّا لا مبرّر له، يلفت داود إلى زيف ما يدّعيه الاحتلال من أنّ الحواجز يتم إقامتها لـ"دواعٍ أمنية"، مؤكدًا أنّ الهدف الأساس من هذه الحواجز خلق بيئة طاردة للفلسطينيين عبر تحويل حياتهم اليومية إلى جحيم، وأيضًا لمنع قيام دولة فلسطينية متواصلة الجغرافيا والسكّان على حدود الأراضي المحتلة عام 1967.
وتُظهر بيانات وزارة الاقتصاد الفلسطينية، أنّ الاقتصاد الفلسطيني سجل انكماشًا بنسبة 28% في عام 2024 جرّاء القيود الشديدة على حركة تنقّل الأفراد والتجارة والمعابر، ما تسبب في تراجع الطاقة الإنتاجيّة للمنشآت الاقتصادية التي تعمل منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأقلّ من نصف طاقتها الإنتاجية.
(خاص "عروبة 22")