المخاوف من عودة الحرب في غزّة وإنتهاء مفاعيل الهدنة الهشة تُخيم على الاتصالات العربية، التي تحاول الحفاظ على الاتفاق المُبرم بعد 15 شهراً من العدوان الاسرائيلي والمماطلة التي اعتمدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخلق العثرات والعقبات، وهو ما يكرّره اليوم في محاولة لتأجيل التفاوض حول المرحلة الثانية رغم المطالبات الاسرائيليّة الداخلية باستكمال عودة جميع الرهائن والأسرى. إلا أن الدعم الاميركي الواضح والخوف على مصير ائتلافه يشجعان نتنياهو على المضي قدماً بالتسويف خاصة بعد مقترح الرئيس دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين، والذي وجد أذاناً صاغية وترحيباً كبيراً في أوساط نتنياهو واليمين المتطرف.
أما العرب الذين وجدوا أنفسهم في مأزق خطة التهجير يحاولون الخروج بمقترحات وخطط تكون بديلة لخطة ترامب وتسهم بإعادة إعمار القطاع المنكوب ولكن دون تهجير الفلسطينيين، وهو ما سيكون محور المحادثات خلال القمة العربية المُصغّرة التي تستضيفها العاصمة السعودية، الرياض، وتضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، بدعوة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان لمناقشة الملفات وتوحيد المواقف ولاسيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينيّة. ويسبق هذا اللقاء القمة العربية الطارئة المُزمع عقدها في القاهرة أوائل شهر آذار/ مارس المقبل، والتي من المتوقع أن تتبنى مقترحاً مصرياً يسعى الى توفير مناطق آمنة في القطاع ويضع خطة لاعادة الاعمار تستغرق 10 أعوام.
ولكن إعادة الاعمار تلك دونها عقبات أبرزها تثبيت وقف النار وعدم العودة الى الحرب وإرساء تفاهمات واضحة تلتزم بها تل أبيب، التي لا يبدو رئيس وزرائها جاهزاً بعد لابرام تسوية واضحة خاصة أن المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار تصطدم بمطالب جديدة، والتي بحسب "القناة 13" الإسرائيليّة، تتلخص بـ: نفي قادة "حماس"، نزع السلاح من قطاع غزّة الى جانب إبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيليّة على القطاع. ورغم إعلان الحركة أكثر من مرة جهوزيتها لتطبيق الاتفاق، إلا أن المماطلة الاسرائيليّة المُتعمدة لا تزال تحول دون تحقيق ذلك، حيث كان يجب بدء مفاوضات المرحلة الثانية في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى، لكن ذلك لم يتم حتى الساعة.
في غضون ذلك، سلمت حركة "حماس" وفصائل المقاومة رفات 4 رهائن إسرائيليين قضوا في غزّة خلال الحرب الأخيرة في مشهدية وجهت خلالها، كعادتها، عدة رسائل من خلال اللافتات التي رفعت وأبرزها الصورة الضخمة لنتنياهو على شكل "مصاص دماء" مع عبارات بالعربية والعبرية تتهمه بقتل هؤلاء الرهائن كما وضعت جثامين المحتجزين الإسرائيليين في توابيت تمّ لفُّها بقماش بلون أسود. ولاحقاً اتهم الجيش الاسرائيلي "حماس" بعدم تسليم جثة الرهينة شيري بيباس واستبدالها بجثة أخرى لا تزال مجهولة الهوية. وادعى بأن الطفلين أرييل وكفير بيباس قُتلا في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 على يد محتجزيهما وليس بقصف إسرائيلي، خلافاّ لما تقول "حماس".
من جهته، علّق نتنياهو على ذلك بالقول "إننا جميعاً غاضبون من وحوش "حماس". وأضاف "سنعيد جميع رهائننا، وسنقضي على القتلة، وسنقضي على "حماس" ومعاً... سنضمن مستقبلنا". ويحاول رئيس الوزراء امتصاص غضب الشارع الذي يطلبه باستكمال المفاوضات واطلاق سراح جميع الرهائن الاحياء منهم والاموات. ووفق مصادر سياسية في تل أبيب، فإن نتنياهو يبدو "متردداً. ولو كان الأمر بيده لكان استمر في التحايل لمنع المفاوضات". يُذكر أن مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف برر خطة الرئيس ترامب التي أكد أنها "لا تهدف لتهجير الفلسطينيين، وإن الحديث عن مستقبل غزّة يتحول نحو كيفية إيجاد مستقبل أفضل للفلسطينيين"، وفق ما ذكرته وكالة "رويترز".
وفي التطورات الفلسطينية أيضاً، انفجرت ثلاث عبوات ناسفة بشكل متزامن في حافلات بثلاثة مواقع في مدينة "بات يام" بوسط إسرائيل مساء أمس الخميس، بينما تم إبطال مفعول 4 عبوات أخرى، وفي وقت لم تسفر عن سقوط أي اصابات، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه أصدر أوامر للجيش لتنفيذ عملية مُكثفة في الضفة الغربية ضد بؤر الإرهاب، وأنه أصدر توجيهات للشرطة وجهاز الأمن الداخلي لتكثيف الأنشطة الوقائية في المدن الإسرائيليّة لمنع حدوث المزيد من الهجمات".
بدورها، لفتت صحيفة "هآرتس" الى أن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أمر الجيش بتكثيف العمليات في الضفة الغربية رداً على تفجيرات الحافلات. كما عمدت السلطات الى تكثيف الإجراءات الأمنية في مطار بن غوريون بما يشمل عمليات تفتيش صارمة لجميع الحافلات القادمة إلى منطقة المطار والمغادرة منها. كما جرى تشديد الإجراءات الأمنية في خطوط القطار الخفيف بالقدس.
لبنانياً، ورغم انسحاب اسرائيل "الناقص" من قرى وبلدات الجنوب، الا أنها تتحين الفرصة لتنفيذ اعتداءاتها وخروقاتها وأخرها، أمس، حين أعلن جيش العدو عن قصف نقاط عبور على الحدود اللبنانية - السورية "يستخدمها "حزب الله" في محاولات تهريب الأسلحة إلى لبنان". وقال الجيش إن أنشطة الحزب تشكل "انتهاكاً صارخاً" لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، مضيفاً أنه يواصل العمل على "إزالة أي تهديد" وسيعمل على منع أي محاولة من جانب "حزب الله" لإعادة بناء قواته.
وفي الجانب السوري، كشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الصراع في سوريا تسبب في خسارة نحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي على مدار 14 عاماً، مشيراً إلى أن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستوياته قبل عام 2080، وفقاً لمعدلات النمو الحالية، كما ذكر أن سوريا تحتاج إلى استثمارات اقتصادية بقيمة 36 مليار دولار في 10 سنوات للوصول إلى مستويات النمو المطلوبة.
دولياً، دق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقوس الخطر إزاء ما اعتبره الدخول بـ"حقبة جديدة ستفرض علينا خيارات. كما سيتعيّن علينا أيضاً إعادة النظر في خياراتنا وأولوياتنا الوطنية في هذا العالم الذي يبدأ بالتشكّل"، داعياً الأوروبيين الى زيادة ما أسماه "مجهودنا الحربي". ويأتي ذلك بعد التباعد الحاصل بين واشنطن والدول الاوروبية بشأن طريقة التعاطي لانهاء الحرب في اوكرانيا، خاصة ان تصريحات ترامب وسياسته تشي بأنه سيقدم الكثير من التنازلات لروسيا وتعويمها مجدداً وهو ما يثير حفيظة دول أوروبا من أن تأتي صفقة على حسابهم وحساب كييف التي استبعدت عن مفاوضات السعودية. يُشار الى أن البيت الأبيض أعلن أن ترامب سيلتقي في واشنطن نظيره الفرنسي، الاثنين المقبل، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الخميس المقبل.
وكان ترامب، وحتى قبل الجلوس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قدم "انتصارات" لموسكو عندما اكد عدم احقية اوكرانيا بالانضمام الى حلف شمال الاطلسي (الناتو) كما عدم قدرة كييف على استعادة المساحات التي خسرتها في الحرب لصالح روسيا التي تسيطر على 20% من الاراضي. وفي السيّاق، نقلت "رويترز" عن 3 مصادر دبلوماسيين أن الولايات المتحدة ترفض المشاركة في تبني مشروع قرار بالأمم المتحدة بمناسبة مرور 3 سنوات على بداية غزو روسيا أوكرانيا، يدعم وحدة أراضي كييف ويدين موسكو، وذلك في تحول واضح في سياسة أميركا التي كانت تُعتبر أقوى حليف غربي لأوكرانيا.
وفي الجولة الصباحية اليومية على عناوين ومقالات الصحف العربية التي تناولت بمعظمها القضية الفلسطينية وتداعياتها العربية، نرصد:
شددت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى انه "لا بديل للحرب إلا بالحل السياسي الذي يعترف بالفلسطينيين كشعب لهم حقوقهم الثابتة تاريخياً والمدعومة دولياً وقيام دولتهم المستقلة المُعترف بها من قبل 149 دولة ولها صفة المراقب في الأمم المتحدة وحقهم في تقرير مصيرهم"، موضحة أن "الفلسطينيين كما هم في حاجة إلى الحل السياسي فإن إسرائيل أيضاً في حاجة إلى الحل السياسي والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال، ونبذ العنف وإحلال قيم التسامح والتعايش".
ومن وجهة نظر صحيفة "الشروق" المصرية، فإن "ما ننتظره وينتظره ترامب من رؤية عربية بديلة لفكرة التهجير لمستقبل قطاع غزّة بما يتضمنه من إعادة الإعمار، والإدارة المدنية والسياسية، وربما الأمنية للقطاع، يعد نجاحا ترامبيا فرض فيه اضطرار الدول العربية للبحث عن حل عمل: ولعب دور نأت بنفسها عنه لعقود". وقالت "اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يقترب العرب من الغرق في بحر غزة، فهل يتمكنون من لجم ترامب فعلا وليس قولا، وهم بالفعل يمتلكون، إن أرادوا، من الأدوات ما يُمكنهم من ذلك؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام والأسابيع القليلة المقبلة".
وتساءلت صحيفة "الراية" القطرية "لماذا كل هذا الصمت الدولي المُريب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن تُجاه ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين من مجازر خاصة في قطاع غزّة المدمر بينما يتحرك العالم من أجل إنصاف شعوب أخرى في مناطق معينة من العالم"، مؤكدة أن "القضية الفلسطينية هي قضية قطر الأولى، التي لم يتغير موقفها أبدًا وهي تجدد وقوفها إلى جانب الأشقاء، وتقطع عهدًا على نفسها أنها لن تدَّخر جهدًا حتى تتحقق العدالة للشعب الفلسطيني".
ورأت صحيفة "القدس العربي" أن "الفلسطينيين والعرب، حظوا بانقلاب ترامبي أكثر إرعابا، بانتقاله من "إنهاء الحروب" إلى المُهدد بفتح "أبواب الجحيم" على قطاع غزّة، وصولا إلى المطالب بتهجير الفلسطينيين، واستملاك الأمريكيين لغزّة"، معتبرة أن القمة العربية المصغرة في السعودية "يُفترض أن تضع خطة لمواجهة الاقتراحات الأمريكية (التي غدت هدفا إسرائيليا) في شبك للخيوط، يجمع بين حبكات الدبلوماسية و"فن الصفقات" والاستشراق البائس، لكنه لا يمكن أن يؤخر الارتدادات العالمية الكبرى التي لا يتوقعها "الامبراطور"، وفق تعبيرها.
الى ذلك، كتبت صحيفة "الرياض" السعودية "وفي عصر تتسارع فيه التغيرات، تواصل المملكة تعزيز موقعها كبؤرة ضوء ساطع تجذب إليها الأنظار، لا بالضجيج، بل بالإنجازات، وبناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً"، منوهة الى أنه "بفضل رؤيتها الطموحة، باتت نموذجاً يُحتذى في التطوير الاقتصادي، ومركزًا عالمياً للطاقة والاستثمار، ومصدراً للحلول التي تعالج التحديات العالمية، من الأمن الغذائي إلى التغير المناخي".
هذا وأشارت صحيفة "الراي" الكويتية الى "تحوّل التشييع المرتقب للامين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصر الله، بعد غد، في بيروت محطةً جرى تحميلُها كل عناصر الصراع الداخلي في لبنان المنقسم منذ عقدين حول الحزب وسلاحه والذي لم يخرج بعد من تحت ركام حربٍ "طَحَنَتْ" فيها إسرائيل البشر والحجر". واضافت "تصوير المشهدية الحاشدة للتشييع على قاعدة أن "ما بعدها لن يكون كما قبْلها"، تعبّر عن حجم الخسارة التي شكّلها اغتيال نصر الله، وفي الوقت نفسه عن حاجة بيئة الحزب إلى "عَرْضِ قوة" شعبي يوجه من خلاله رسائل برسم الداخل والخارج".
(رصد "عروبة 22")