فلسطين... القضية والبوصلة

منشورات "الإبادة".. وإدانة إسرائيل دوليًّا!

يشير "سلاح المنشورات" إلى استخدام المنشورات المكتوبة أداةً للتأثير في جماهير العدو، باعتباره سلاحًا من أسلحة الحرب النفسية والحملات الدعائية. والمنشورات أداة قوية للتوجيه أو التأثير في الجمهور من خلال نشر رسائل محدّدة تسعى إلى تحقيق أهداف معيّنة.

منشورات

أثناء حرب إسرائيل على غزّة بعد "طوفان الأقصى"، استخدمت إسرائيل "سلاح المنشورات"، ومن خلال قراءة هذه المنشورات يمكن استخدامها لإدانة الكيان الإرهابي، بخاصّة أنّها موثّقة من وزارة الدفاع نفسها، وتُقدّم دليلًا ملموسًا على انتهاجها فكر العنف والتطهير العرقي.

تدين "إسرائيل" نفسها دوليًّا من خلال تلك المنشورات، ذلك أنّ منشورًا منها بعنوان "أرَدتم الحرب فانتظروا النّكبة الكبرى"! يهدّدهم صراحة "بنكبة مثيلة بـ1948 فوالله سنُنْزِل على رؤوسكم الطامّة الكبرى قريبًا".

تتضمّن كلمة النّكبة اعترافًا رسميًّا بالتطهير العرقي منذ 1948

ومصطلح "النّكبة" عند الفلسطينيين يُذكّرهم بالمأساة التي أصابتهم عام 1948 عندما تعرّض الشعب الفلسطيني لتهجير قسري واسع النطاق من أراضيه، بسبب النّزاع الذي نشأ مع تأسيس "دولة إسرائيل". في هذا السّياق، تُعتبر النّكبة حدثًا تاريخيًّا مُهمًّا ومأساويًّا في تاريخ الفلسطينيين، حيث أدّى إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين أصبحوا لاجئين في الدول المجاورة أو في المناطق الفلسطينية الأخرى، وتُسمّى هذه الفترة بـ"النّكبة" نظرًا إلى الألم والخسارة الكبيرة التي تعرّض لها الفلسطينيون، بما في ذلك فقدان الأراضي، والمنازل، والممتلكات، بالإضافة إلى معاناتهم المستمرة نتيجةً للتهجير واللجوء.

وهذا هو الدليل الأوّل لإدانة "إسرائيل" حيث تتضمّن كلمة النّكبة اعترافًا رسميًّا بالتطهير العِرقي منذ عام 1948.

وجاء في المنشور جملة "إلى أهالي العدو في الضفة اليهودية"، وهذا يعني أنّ الجيش الإسرائيلي يرى أن غزّة وغيرها هي أراضٍ يهودية، وهو ما يكشف عن نواياه المستقبلية في احتلال أراضٍ عربية باعتراف المجتمع الدولي، ناهيك عن أنّها حق تاريخي للشعب الفلسطيني المنكوب.

التهجير الصريح يتعارض مع قوانين المجتمع الدولي

جاء في المنشور دليل آخر على انتهاج إسرائيل لسياسة التهجير القسري الذي يتعارض مع القوانين الدولية، فيقول المنشور صراحة: "لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردن بشكلٍ منظّم"، و"احملوا حمالتكم فورًا وارحلوا من حيث أتيتم إننا لآتون"! و"عليكم إخلاء منازلكم كي تسْلموا".

وَرَدَ في المنشورات اعتراف صريح من الكيان الصهيوني بالتطهير العرقي والإبادة

هي جُمل يعاقِب عليها القانون الدولي والإنساني؛ فالتهجير القسري، سواء كان داخليًّا أو عبر الحدود، هو أحد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويُعتبر غير قانوني بموجب العديد من القوانين والاتفاقيات الدولية. ووضَع المجتمع الدولي عدّة قوانين ومواثيق تهدف إلى حماية الأفراد من التهجير القسري وضمان حقوقهم الإنسانية، منها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية (1948)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والمبادئ التوجيهية بشأن النازحين داخليًّا (1998)، واتفاقية جنيف الرابعة (1949)، واتفاقية اللاجئين (1951) والبروتوكول الإضافي (1967).

ثمّة اعتراف صريح آخر من الكيان الصهيوني بالتطهير العِرقي والإبادة وَرَدَ في المنشورات، وهو التهديد الصريح بذلك؛ فجاء في المنشور "سنُجْهز على كل عدوّ وسنطردكم بقوة من أرضنا المقدسة التي كتبها الله لنا والذي أمرَنا بعدم الارتداد عنها مهما صار"، وحينما تقول المنشورات: "إنّ من يبقى في المنطقة هو إرهابي وسيتمّ استهدافه"، فهذا في حد ذاتِه ينتهك القوانين الدولية التي تفرّق بين المدني والعسكري.

"هل بات النّصر على الأبواب أم ليس بعد؟!"

وفي آخر منشوراتهم قبيل دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، ألقى الجيش الإسرائيلي منشورًا يحمل عنوان "هل بات النصر على الأبواب أم ليس بعد؟!"، ويحمل صورة للدمار الشامل الذي يفوق القنابل النووية الذي حدث في غزّة، وهو ما يدين إسرائيل في المحافل الدولية، وهذه العبارة تعكس شكوكًا أو تقديرات بأنّ المعركة لم تحسم بعد. في سياقات الحرب، قد يعني هذا أنّ الاحتلال لم يصل إلى النّقطة التي تضمن الانتصار النهائي أو الحسم، وربما يجدّد الإبادة مرةً أخرى ويتخذ إجراءات أكثر تطرّفًا.

وتبعه منشور آخر بعنوان "انتصار جديد للمقاومة"! مُرْفقًا برسومات تصوّر الأطفال والشيوخ والنساء يبكون فوق أنقاض منازل دمّرتها إسرائيل خلال الحرب، وهذا يُعدّ اعترافًا صريحًا بقتلهم للأطفال والشيوخ والنساء، وهو المُجَرَّم دوليًّا في جميع الحروب بلا استثناء، وذلك وفق اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949، وقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1325 سنة 2000 والذي يتعلّق بالمرأة والسلم والأمن، حيث وضع خطة عمل دولية لحماية المرأة والأطفال أثناء النّزاعات المسلحة، ويدعو القرار كل الأطراف المشتركة في النزاع المسلّح لاتخاذ إجراءات خاصة بحماية النساء أثناء النزاع، كما يدعو إلى تقديم أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد النساء إلى العدالة.

يمكن تقديم المنشورات الإسرائيلية للهيئات الدولية المعنية بجرائم الحرب التي لا تسقط بالتّقادم

تعدّدت أشكال الانتهاكات الإسرائيلية الموجّهة ضد المرأة والأطفال والشيوخ في غزّة، وهي تتمثّل في القتل وهدم واحتلال المنازل السكنية، والفقر بسبب سوء الأحوال الاقتصادية نتيجةً لسياسة الحصار، وعدم الحصول على الرعاية الطبية الملائمة، وقيام القوات الإسرائيلية بمنع سيارات الإسعاف من الوصول للمرضى وذوي الحاجة ومنهم النساء إلى المستشفيات ومراكز العلاج.

وقد دفعت النساء والأطفال الثمن الأكثر فداحة، وكانوا عرضةً لشتّى أشكال القتل والإصابة والامتهان والعنف الجنسي، وافتقروا إلى سُبل البقاء الأساسية، وذلك بسبب طبيعتهم كفئاتٍ أضعف وأكثر عرضة من غيرهم.

وفي محاولة لمنع ارتكاب الجرائم ضدّ النساء في أوقات النزاع المسلح، جرّم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كلّ الانتهاكات بحقّ النساء والأطفال والشيوخ، واعتبر من يقوم بذلك من مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وهو الأمر الذي عزّز من حكم الجنائية الدولية باعتبار بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت مجرمَيْ حرب.

من هنا يمكن تقديم تلك المنشورات للهيئات الدولية المعنية بجرائم الحرب التي لا تسقط بالتّقادم، فما بالنا وهي جرائم مستمرّة بصورة وحشيّة وعلى الهواء مباشرة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن