خمسون عامًا من رحيلها، حين سكن الجسد وظلّ صوت الست كوكب الشرق، أم كلثوم، يملأ سماء الوطن العربي. ولعدة عقود لم تهدأ محاولات الصهيونية لاحتواء أسطورة العرب.
في كتاب جديد عن كوكب الشرق (وقائع تزوير في سيرة الست)، قيد النشر، يمكن أن نجد الكثير والكثير من محاولات الاحتواء. تنوعت المحاولات، احتواء دموي حينًا، ودبلوماسي حينًا آخر، مرّة بمحاولات اغتيال معنوي، وأخرى اغتيال بالسم.
دست إسرائيل شائعات لحياكة مؤامرة بأنّ أم كلثوم صناعة يهودية، فمن اغتصب الأرض، وسرق التاريخ والهوية من بناء الأهرامات إلى برتقال يافا، من اعتاد على السرقة لم يترك تاريخ كوكب الشرق، أغلى وأندر وأعز صوت عربي في الوطن العربي، دون محاولات لسرقته.
يرصد الكتاب أسباب عداء إسرائيل للست، وهي متعددة ومنطقية. أبرزها دور أم كلثوم في جمع التبرعات في حرب السويس 1956، ثم بشكل أعمق وأوسع دعهما اللانهائي لمصر والمجهود الحربي بعد هزيمة يونيو/حريزان عام 1967.
حملت أولى محاولات اغتيال أم كلثوم اسم (عيون البقر)، وبحسب كتاب (أم كلثوم والموساد)، فإن العملية كانت وضع السم في طعام أو شراب أم كلثوم. استعان "الموساد" بجاسوسة تم زرعها فى حياة ومنزل أم كلثوم، وبحسب الكاتب توحيد مجدي، فإنّ العملية لم تتم لأن الأميركيين نصحوا "الموساد" بإيقاف العملية، خشية أن تحدث ضجة كبرى لو تم كشف دور "الموساد" في قتل أم كلثوم.
أما محاولات الاغتيال المعنوي، فهي متعددة وكانت مثل الكتابة على الرمال سرعان ما تناثرت في عالم النسيان، لكن أخطرها كان محاولات إسرائيل المستمرة لنسج خيوط عكنبوتية تشيع بأنّ أم كلثوم "صناعة يهودية". وفقًا للكتاب الجديد، فقد زارت أم كلثوم فلسطين عام 1939، وفي إحدى الحفلات بمدينة حيفا، وتحت تأثير السلطنة (تعبير عن التـأثّر الشديد بالغناء)، صعدت سيدة فلسطينية للمسرح، وقبّلت أم كلثوم، وقالت لها: "أنت كوكب الشرق"، وبحسب المجلات، التي كتبت عن هذة الرحلة، مثل مجلة "المصور"، فإنّ هذه السيدة العربية الفلسطينية تُدعى "أم فؤاد". ولم تأتِ أي من التغطيات الصحفية للرحلة على ذكر ديانة "أم فؤاد"، ومع ذلك، أصرّت مصادر إسرائيلية على أنها يهودية، ليكون بذلك لقب أم كلثوم الأشهر والأهم يهوديّ المصدر!.
كما تتواصل الأكاذيب بأنّ أم كلثوم تزوجت سرًا الملحن اليهودي داود حسني، وأنّ قطاوي باشا، رئيس الطائفة اليهودية في مصر، كان حصانتها وحمايتها.
ولكن أسوأ وأخطر شائعة تورط فيها يهودي مناضل ضد الصهونية، يوسف درويش (آخر أعماله ترجمة كتاب "يهود النيل" عن دور اليهود في كل المجالات بمصر من الفن للسياسة للزراعة والعمارة)، إذ يقول درويش في مقدّمة كتبها: "أوّل من اكتشف السيدة العظيمة أم كلثوم هم جماعة من اليهود القرائين، وأعني بذلك عائلة (ليتو باروخ)، التي كانت تملك المحلات الكبرى لبيع المصاغ والمجوهرات"، وبحسب درويش، فإنّ هذه العائلة سمعت صوت أم كلثوم، وهي طفلة تغني أثناء عملها مع الفتيات في جني القطن، فاهتم بها أحد أفراد العائلة وأخذها للقاهرة، وقدّمها إلى شركة "أدويون" للأسطوانات. لكن بحسب كتاب "وقائع تزوير في سيرة الست"، فإنّ هذه الرواية لا أثر لها فى كل الكتب التي تناولت سيرة أم كلثوم، بدءًا من كتاب الدكتورة نعمات أحمد فؤاد (أم كلثوم)، ثم كتاب الكاتب محمود عوض (أم كلثوم التي لا يعرفها أحد)، ومذكّرات أم كلثوم، التي كتبها ابن شقيقتها محمد الدسوقي في جريدة الجمهورية عام 1970، ومذكّرات أم كلثوم، التي نُشرت في مجلة "آخر ساعة" عام 1937.. ولا وجود في أي منها لقصة، أو بالأحرى لأكذوبة، اليهودي الطيّب!.
(خاص "عروبة 22")