تتصدّر هدنة غزّة الهشّة المشهد بعد العراقيل التي وضعها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على طاولة المفاوضات من أجل المماطلة وعدم الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار وفق المنصوص عليه، فيما مصير أكثر من 600 أسيراً فلسطينياً لا يزال رهن "إدعاءات" نتنياهو وتمسكه بحجة "المراسم المهينة" من أجل الضغط على "حماس" ودفعها نحو إطلاق سراح المزيد من الرهائن المحتجزين لديها، بعد حصوله على دعم أميركي لا محدود ما دفعه للتعنت اكثر ورفع سقف المطالب ونقض الاتفاق رغم التزام "حماس" به لناحية اطلاق سراح 6 رهائن محتجزين لديها يوم السبت الماضي.
كما أن الطامة الكبرى تكمن بعدم وفاء تل أبيب بالتزاماتها في ما يخص بالبرتوكول الانساني، لجهة ادخال البيوت المتنقلة والمعدات الثقيلة رغم ضغط الوسطاء، خاصة أن اكثر من مليون و200 الف فلسطيني يواجهون ظروفاً انسانية قاسية مع الأوضاع المناخية الحالية الشديدة البرودة. ويتعمد نتنياهو عرقلة أي عملية لإعادة الإعمار او حتى الشروع بالتفاوض بشأنها لاسيما مع اقتناعه بخطة التهجير الاميركية، والتي تراجع عنها الرئيس دونالد ترامب امام سيل المواقف العربية المنددة والرافضة، الا ان مطامع اسرائيل التاريخية ورغبتها بتوسيع الاستيطان والقضاء على اي كيان فلسطيني "تجمد" المفاوضات وتفتح الباب امام سيناريوهات مختلفة سواء قي قطاغ غزّة المنكوب أو في الضفة الغربية التي تواجه اعتى حملة عسكرية عليها منذ 22 عاماً.
فالواقع الغزاوي المتردي لا يقل مأساة عن ما يعانيه سكان الضفة الغربية المحتلة من تهجير وحملات اعتقال وتدمير ممنهج بعد تكثيف قوات الاحتلال من عملياتها العسكرية والتباهي بتشريد أكثر من 40 ألف شخصاً من مخيمات الضفة، وهو ما حذرت منه السلطة الفلسطينية لجهة استكمال اسرائيل مخططاتها التي بدأتها بغزة سابقاً وسط إدانات "خجولة" لا ترقى الى مستوى ما يعيشه الفلسطينيون اليوم من تحديات وجودية ومصيرية.
ويبدو أن هذه المعاناة وجدت صداها من خلال الاختلافات في وجهات النظر التي تجلت في مواقف "حماس" بعدما فجر رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحركة موسى أبو مرزوق قنبلة من العيار الثقيل واعلن عن موقف، هو الاول من نوعه بشأن هجوم 7 أكتوبر، حيث قال إنه لم يكن ليؤيد الهجوم لو كان يعلم بالدمار الذي سيخلفه في غزة. وأشار، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، الى أنه لم يكن على علم بالخطط المحددة للهجوم، لكنه وغيره من زعماء "حماس" السياسيين أيدوا استراتيجيتها الشاملة المتمثلة في مهاجمة إسرائيل عسكرياً. كما لفت الى أن هناك بعض الاستعداد داخل الحركة للتفاوض بشأن مستقبل أسلحتها في غزة.
واذ أكد أبو مرزوق أن بقاء "حماس" في الحرب ضد إسرائيل كان في حد ذاته "نوعاً من النصر"، اعتبر أنه سيكون من "غير المقبول" أن "نزعم الفوز، خصوصاً بالنظر إلى حجم ما ألحقته إسرائيل بغزة". هذا وجدد موقف الحركة السابق بشأن إطلاق سراح جميع الرهائن في الوقت نفسه، "إذا كانت تل أبيب راغبة في إطلاق سراح الآلاف من الفلسطينيين في سجونها، وإنهاء الحرب والانسحاب من غزة"، معلقاً "نحن مستعدون لإبرام صفقة شاملة". ولاحقاً، تبرأت "حماس"، في بيان، من هذه التصريحات معلنة التمسك "بسلاحها المقاوم باعتباره سلاحاً شرعياً، ولا نقاش في ذلك طالما هناك احتلال لأرضنا الفلسطينية والتصريحات المنسوبة للدكتور موسى أبو مرزوق لا تمثل موقف "حماس".
وتعكس هذه المواقف اختلافات في وجهات النظر داخل صفوف قيادة الحركة التي تواجه اليوم مصيراً دقيقاً بعد طرح رئيس الوزراء الاسرائيلي شروطاً "قاسية" يكاد ابرزها يكون مستقبل سلاح الحركة ومصير قادتها. وبات من الواضح أن اسرائيل وبدعم اميركي تعمل من اجل اطالة أمد المرحلة الاولى، وهذا ما أكدته مصادر من الحركة لـ"الشرق الأوسط"، موضحة أن إسرائيل طلبت عبر الوسطاء إطلاق سراح دفعات جديدة من المحتجزين الإسرائيليين، بما يشمل تمديد وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، الذي يبدأ السبت وفقاً للحسابات الفلكية. وأشارت المصادر عينها إلى أن "ثمن الإفراج عن أي محتجزين إسرائيليين في الدفعات الجديدة سيكون بمعايير مغايرة، خاصةً أنهم أسرى من الجنود النظاميين والاحتياط الذين كانوا يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي، كما أن هناك محتجزين كانوا يخدمون في مؤسسات أمنية".
على المقلب السوري، اجتمع الرئيس أحمد الشرع، مع وجهاء وأعيان الطائفة الدرزية، بحسب ما أوردته وكالة "سانا" الرسمية للأنباء. ويأتي الاجتماع بعد يوم واحد من تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه لن يتسامح مع أي تهديد للطائفة في جنوب سوريا. في حين تتوالى الاحداث السياسية حيث يفتتح اليوم مؤتمر الحوار الوطني بحضور 600 شخصية وصلوا إلى العاصمة دمشق، بظل انتقادات كبيرة تواجه انعقاده بعد تعذر مشاركة جميع المكونات والمشارب السياسية بسبب توجيه دعوات لهم قبل يوم او يومين من الانعقاد. ويحظى المؤتمر باهتمام عربي ودولي لانه سيمثل الطريق الذي ستنتهجه دمشق لجهة التمثيل الصحيح والعادل لكل اطياف الشعب السوري وتبديد مخاوفهم وهواجسهم.
وفي اجتماع عُقد في بروكسل، أمس، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا ومنها القيود المفروضة على قطاع الطاقة، التي شملت النفط والغاز والكهرباء، كما قطاع النقل. كما رفعوا تجميد أصول خمسة بنوك ومددوا لأجل غير مسمى إعفاء لتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية. ويسمح ذلك دمشق من وضع خطة للتعافي وتحسين الاوضاع الاقتصادية التي تنوء تحتها وتشكل معضلات حقيقية أمام الادارة السورية الجديدة التي ورثت عن النظام المخلوع بلداً مدمراً.
في إطار متصل، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير، أن "حزب الله" طلب من مقاتليه في مناطق جنوب الليطاني العودة إلى القرى التي يتحدرون منها، مشيرة الى أن قدرات الحزب العسكرية "تدهورت بشكل كبير وتراجعت موارده المالية إلى درجة أنه يكافح من أجل الوفاء بالتزاماته تجاه أتباعه". وكان "حزب الله" بعد تشييعه، الأحد، أمينه العام السابق حسن نصرالله طوى مرحلة من تاريخه والتي ساهمت بتوسيع سلطته وسطوته داخل لبنان وخارجه ودخل في اتون مرحلة جديدة ستوضح الايام المقبلة ماهيتها وظروفها. هذا وتبدأ اليوم جلسات مناقشة البيان الوزاري، الذي على أساسه ستنال حكومة الرئيس نواف سلام الثقة.
وضمن التطورات المتعلقة بالحرب الأوكرانية، أقر مجلس الامن مشروع قرار اميركي يدعو إلى نهاية سريعة للصراع في أوكرانيا وتحقيق سلام دائم بين كييف وموسكو في أسرع وقت ممكن، ورفض ادخال اي تعديلات روسية وأوروبية عليه. ويتزامن ذلك مع المساعي لوضع حد للحرب الاوكرانية ولكن بما يضمن تحقيق السلام العادل وبما يحقق مصالح كييف وشعبها، وهو ما تسعى إليه الدول الاوروبية التي يتقاطر زعماؤها الى واشنطن للتفاوض مع ترامب، بعدما اتخذ سلسلة من المواقف المغايرة عن سلفه جو بايدن واتاح التفاوض مع موسكو ما عزّز موقفها.
تزامناً، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد لقاء جمعه بنظيره الاميركي أنّه من الممكن التوصل إلى "هدنة" في أوكرانيا "في الأسابيع المقبلة"، معتبراً أنّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تخوض في آن معاً حربا تجارية مع كل من الصين وأوروبا. من جهته، أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لا علاقة لها بالاتفاق المحتمل بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن الموارد الطبيعية، مشيراً إلى أن "روسيا مستعدة للعمل مع الشركاء الأجانب في تطوير المعادن الأرضية النادرة بما في ذلك في مناطق جديدة". يُذكر أن صحيفة "نيويورك تايمز" قد كشفت، أمس، أن المقترح الأميركي الجديد ينص على تخلي أوكرانيا عن نصف عائداتها من الموارد الطبيعية، بما في ذلك المعادن والنفط والغاز.
التطورات الفلسطينية خيمت على الصحف وعناوينها الصادرة اليوم، حيث ركزت بمعظمها على اهمية الموقف العربي الموحد ودوره:
فبحسب صحيفة "الرياض" السعودية، فإن "الخطة الأميركية التي قدمها الرئيس ترامب للعالم حول غزة أتت على هيئة مسار يبدو أنه يماثل ذات الاتجاه لوعد بلفور بحيث يمكن تسميته "وعد ترامب". وقالت: "احتمالات نجاح الدول العربية في إحباط هذه الخطة أو تغيير مسارها ممكن وبدرجة كبيرة، فالدول الكبرى في الشرق الأوسط هي من يقود هذه المواجهة، وذلك لعدة أسباب من أهمها؛ أن فكرة التهجير مهما كان شكلها وتصورها لن تكون مقبولة من أي طرف عربي".
أما صحيفة "الوطن" البحرينية، فدعت الى "الإكثار من اللقاءات الأخوية العربية التشاورية، خاصة في هذه الفترة، لتقريب وجهات النظر أكثر فيما بينها، وإزالة أي عوائق أو خلافات، أو الاتفاق – على الأقل - على تنحيتها جانباً، إلى أن تنتهي قضية غزة، والتحديات المتعلقة فيها"، موضحة أن تلك" التحديات تكمن في طرح تصورات لإعمار القطاع، ومصادر تمويل هذا الإعمار، ومستقبل حركة "حماس" في القطاع، ناهيك عن بحث التزمت الإسرائيلي المستمر ضد غزة، وموقف الرئيس الأمريكي الغريب بشأن أهلها والفلسطينيين عموماً".
بدورها، قالت صحيفة "الأهرام" المصرية "بقليل من الحسم والجدية والكياسة أثبت العرب قدرتهم على فرض إرادتهم وتغيير واقعهم وعدم الاستسلام للمؤامرات التي تحاك ضدهم"، معتبرة أن "لقاء الأشقاء الذي جمع قادة مصر والأردن ودول الخليج في الرياض الجمعة الماضي سبباً مباشراً في تراجع الرئيس ترامب عن موقفه المتشدد من قضية تهجير الفلسطينيين من غزة وإعلانه أنه لن يفرض خطته علينا رغم قناعته أنها جيدة وسيكتفي فقط بالتوصية بها".
وشددت صحيفة "الدستور" الأردنية على أن "الاردن ومصر في قلب معركة التهجير وقتل القضية الفلسطينية ، لكن الاشقاء العرب وفي مقدمتهم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ليسوا بمنأى عن الآثار الكارثية، ليس لافكار التهجير فحسب، بل لخطط فرض حلول بالاكراه تكون للولايات المتحدة واسرائيل وحدهما الكلمة الأولى والاخيرة فيها"، مطالبة قمة القاهرة "ليس في وضع خطة بديلة، بل خطة اصيلة لاسترجاع القضية الفلسطينية عربيا ً ورفض اي توصيف لصراع فلسطيني اسرائيلي فحسب".
من جهة أخرى، أشارت صحيفة "الراي" الكويتية الى أن اختيار الرئيس اللبناني جوزاف عون الرياض لتدشين زياراته الخارجية "يعبّر عن رغبة العهد الجديد في معاودة وصْل ما انقطع مع العمق العربي للبنان وتأكيد انخراطه مجدداً في نظام المصلحة العربية بنسخته المحدّثة وفق المتغيّرات الكبرى في المنطقة"، واضعة هذه الزيارة في اطار "إكمال إشارات الخروج من "المحور الإيراني" وبدء ورشة بناء الدولة واحتكارها السلاح وامتلاكها لوحدها قرار الحرب والسلم واستطراداً تكريس "حزب الله" كقوّة محلية، بلا أدوار أو "أنياب" إقليمية، وبنفوذ سياسي يعكس تبدّل الموازين في الخارج والداخل".
هذا وذكرت صحيفة "الجريدة" الكويتية "أن كل الضغوط التي تُمارس على إسرائيل لا تبدو جدية لدفعها إلى الانسحاب من النقاط التي لا تزال تحتلها في جنوب لبنان"، لافتة الى أنه، بحسب بعض المعلومات والمعطيات، فإن "التفكير الإسرائيلي يتركز على توسيع عدد النقاط التي يسيطر عليها جيش الاحتلال، لتشمل أكثر من 5 نقاط، ورفعها إلى 7 أو 8 نقاط، إضافة إلى الطرق التي توصل إلى هذه النقاط".
(رصد "عروبة 22")