لماذا فشلت ليبيا في تنصيب نظام حكْم جديد؟

مثَّل احتفال ليبيا مؤخَّرًا، بمرور 14 عامًا على تدخّل حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، لدعم الانتفاضة الشعبية للإطاحة بنظام العقيد الرّاحل معمّر القذّافي، مناسبة جديدة لتذكير الليبيين بفشلهم في تنصيب نظام حكْم جديد في الدولة، التي تعاني الانقسام السياسي والفوضى الأمنية والعسكرية. الحلف، الذي اعتبر أنّ ما جرى في ليبيا عام 2011، هو بمثابة "فصل ناجح في تاريخه"، لم يستجِب حتّى الآن لدعوة رسمية وجّهها قبل سنوات، الرّئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأهمّ جيران ليبيا، لاستكمال عمليته التي لم تكتمِل، وتركت البلاد تحت هيْمنة الجماعات المسلحة والمتطرّفة.

لماذا فشلت ليبيا في تنصيب نظام حكْم جديد؟

وقعت خلافات كبيرة أيضًا داخل حلف الناتو، الذي تجاوز التفويض الممنوح له بالتدخّل من أجل "حماية السكان المدنيين في ليبيا" إلى قلْب نظام الحكْم، عبر الانحياز التامّ إلى جانب طرف على حساب طرف آخر في حرب أهلية، وانتهاك قرار مجلس الأمن بعدم تقديم الأسلحة لأي طرف أو إنزال أي قوة برّية مهما كانت على التراب الليبي.

الآن تتحدّث الغانية الجنسية، هانا تيتيه المبعوثة الأممية الجديدة، التي بدأت للتو استكشاف مهام عملها من العاصمة الليبية طرابلس، عن تيسير عملية سياسية شاملة يقودها الليبيّون، لإجراء الانتخابات الوطنية، وتوحيد وتعزيز مؤسَّسات الدولة.

لكن كان يتعيّن على تيتيه، أن تُنصت بإمعان لتحذيرات أممية من أنّ "الاستقرار الهشّ هناك في خطر متزايد، بسبب إخفاق قادة البلاد والجهات الأمنية الفاعلة في تغليب مصلحة الوطن، على المكاسب السياسية والشخصية".

في هكذا ظروف، يُفترض أن تسعى تيتيه إلى المساعدة على كسر الجمود السياسي وحلّ الأزمة التي طال أمدها، لتوحيد المؤسَّسات وإجراء الانتخابات، شريطة الحصول على دعم الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.

يكشف الواقع الميداني عن وجود أطراف معطِّلة ومعرقِلة لجهود التسوية، سواء محلية أو إقليمية أو دولية، فكلّ طرف مستفيد من استمرار الأزمة.

ويُثير تعدّد المبعوثين الأمميين في ليبيا، وعدم القدرة على تحقيق اختراقات كبيرة، تساؤلات حول غياب الفعّالية وتراجع التأثير.

تعدّد الحكومات

بيْد أنّ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، كشف عن عمق الانقسام السياسي في البلاد، بعدما اقترح على الحكومات العربية مؤخّرًا، وقف التعامل مع حكومة الوحدة الموقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، باعتبارها سلطة تنفيذية انتهت مدتها وبلا شرعيّة.

وخلص صالح، الذي يدعم حكومة الاستقرار الموازية برئاسة أسامة حماد، ولا تحظى بأيّ اعتراف دولي، إلى أنّ "مصلحة ليبيا تقتضي تشكيل سلطة تنفيذية جديدة".

وفي محاولة لتدارك هذا الانقسام، رعَت القاهرة مجدّدًا، مشاورات بين أعضاء مجلسَيْ النواب والدولة، على أمل التوصل إلى حلّ للقوانين التي ما زالت محلّ خلاف بين الطرفيْن، وتمنع إجراء هذه الانتخابات.

وحتّى إذا حَسَمَ المجلسان هذه الخلافات، فإنّ الدبيبة غير مستعدّ في المرحلة الحالية للتجاوب معهما، في انتظار ما ستُسفر عنه التفاهمات المصرية - التركية. ووفقًا لما قاله أحد مساعدي الدبيبة، لـ"عروبة 22"، فإنّ "الحلّ في طرابلس يكمُن في المسافة الواسعة بين أنقرة والقاهرة"، على حدّ تعبيره.

العامل الدولي

وطالت الاتهامات خلافات الأطراف الدولية والإقليمية وتضارب أجنداتها، بأثرها الواضح في مسار المشاورات السياسية، فيما ساهم ضعف مؤسَّسات الدولة في تحويلها إلى أدوات صراع.

ولا يرجع إخفاق الحلول السياسية فحسب، إلى فوضى وانتشار الميليشيات المسلّحة في الغرب الليبي، بل أيضًا إلى التدخّل الخارجي الدولي والإقليمي بهدف فرض الهيمنة، والاستحواذ على ثروات النفط.


وبينما يتعيّن إدراك أنّ الحلم بليبيا كدولة مدنية وديموقراطية، لا يزال بعيد المنال، ثمّة من يعتقد أنّ التفاهم الاستراتيجي الجديد بين الولايات المتحدة وروسيا، لإنهاء حرب أوكرانيا، من شأنه أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في عمر الأزمة الليبية.

أن تكون ليبيا تاليةً بعد أوكرانيا، في جدول أعمال محادثات موسكو - واشنطن، التي رعتها السعودية مؤخّرًا، هو أمر وارد وجدير بالاعتبار، وفقًا تأكيد مسؤول عربي بارز لـ "عروبة 22". ويشارِك في هذا الرأي، وإن كان بحماسة أقل، ديبلوماسيون غربيون في طرابلس.

رهان الزمن

ويراهن معسكر المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني المتمركز في شرق وجنوب البلاد، على عنصر الزّمن، في تغيير المعادلة الأميركية - الرّوسية على الأرض، بينما يراهن معارضوه على الزّمن أيضًا، لابتعاده عن المشهد السياسي والعسكري.

لطالما آمن حفتر بأنّ الحلّ لن يكون سلميًّا في ظلّ سطوة الميليشيات المسلحة، لذا فقد أجرى تغييرات عسكرية جوهرية في صفوف قواته، تحسّبًا للقادم.

قد لا تحدث مواجهة عسكرية بالضرورة، لكن الوضع قابل للانفجار في أيّ لحظة، فالمسار السياسي قد يحسم الخلافات، لكنه لن يمنح حفتر رئاسة البلاد، من دون تفاهم أميركي - روسي، وبالضرورة مصري - تركي، لكنّ الأهم مصالحة في الدّاخل الليبي، تتجاوز مفهوم المصارحة إلى التعايش مع غريمه الدبيبة.

وتجاهل حفتر تحذيرات أميركية عديدة من مغبّة تطوير علاقته مع موسكو، كان آخرها مطالبة جو ويلسون العضو في لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي، بعدم ارتكاب الخطأ الفادح بالسّماح لروسيا بتوسيع وجودها عبر قواعد بحرية جديدة.

وهكذا تتوالى أزمة ليبيا فصولًا، بحثًا عن حلّ سياسي، بلا حسم عسكري.. لدولةٍ بلا نظام!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن