ثقافة

صراع الأجيال الأدبية... هل تتفوّق عقدة "قتل الأب"؟

المغرب - حسن الأشرف

المشاركة

لا يكاد يخلو مجال من المجالات أو مجموعة بشرية في جميع الأحقاب الزمنية من نشوب صراعات تنجم في الغالب عن سوء الفهم بين الأطراف، إما بسبب التنافس أو الرغبة في الهيمنة، أو محاولة تأكيد الذات.

صراع الأجيال الأدبية... هل تتفوّق عقدة

هذا الأمر ينطبق أيضًا في مجال يُفترض أن يتّسم أكثر بالودّ والتفاهم، هو مجال الأدب والإبداع، إذ كثيرًا ما تندلع توترات وحساسيات نفسية بين الأجيال، جيل الكبار والمخضرمين، وجيل الشباب والمبتدئين الذين يتلمّسون أولى خطواتهم على درب الأدب وإبداع الكلمة.

يقول في هذا الصدد الأديب المغربي عبده حقي إنّ صراع الأجيال الأدبية يُعتبر ظاهرة سوسيوثقافية تحدث عندما تتباين الأفكار والأساليب الأدبية بين جيلين أدبيين مختلفين أو أكثر من جيلين، وعادةً يحدث هذا الصراع بين الجيل القديم والجيل الجديد من الكتّاب والمثقفين.

في عصرنا الراهن أثّر التطوّر التكنولوجي والرقمي بنيويًا على عادات القراءة وكتابة الأدب

ويعزو حقي، في حديث مع منصة "عروبة 22"، هذا الصراع الأدبي بين الأجيال إلى تحوّلات العصر، حيث يتأثّر الأدب بالتغيّرات الاجتماعية والثقافية، مما يؤدي إلى تغيّر في مواضيع وأساليب الكتابة وقيمها الجمالية بين الأجيال المختلفة.

وزاد حقي سببًا آخر في نشوب هذا الصراع الأدبي بين الأجيال، وهو التيارات السياسة والاجتماعية، إذ "قد يعكس ذلك اختلافًا في آراء الأجيال حول القضايا، خصوصًا في الأعمال الروائية والشعرية"، متابعًا أنّ "الصراع قد يحصل بسبب تغيّرات في اللغة واستخدامها بين الأجيال، مما يؤثّر على أسلوب الكتابة وبالتالي المقاربات النقدية للأعمال الأدبية".

واستطرد مضيفًا: "في عصرنا الراهن أثّر التطوّر التكنولوجي والرقمي بنيويًا على عادات القراءة وكتابة الأدب، مما أدى إلى تباين في الأساليب الإبداعية بين الأجيال"، مستدركًا بأنّ "هذا الصراع غالبًا ما يكون مفيدًا بحيث يساهم في تجديد الأدب وتطوّره، إذ يُعتبر الاصطدام بين الأفكار والأساليب بين الأجيال عملية طبيعية لنقل الثقافة والمعرفة بين الجيل الورقي وجيل الحوامل الإلكترونية".

اختلاف الأساليب

على صعيد صراع الأجيال في الأدب العربي، وبحسب حقي، "يمكن أن نجد تجاوبًا معظمه في مشهد الأدب العربي المعاصر، مثلما حدث في الأدب العالمي، حيث ينعكس الصراع هنا أيضًا في الاختلافات الثقافية والاجتماعية واللغوية والفلسفية بين الأجيال المختلفة من الكتّاب والمثقفين العرب المشارقة والمغاربة".

جيل قديم من الكتّاب والشعراء تأثّروا بالأدب الغربي، وجيل جديد بعد الاستقلال يتبنّى اللغة العربية

وبخصوص صراع الأجيال في الأدب المغربي، فقد شكّل ذلك "ظاهرة مهمة ومثيرة للاهتمام، حيث يتّضح هذا الصراع في اختلاف الأساليب الأدبية والمواضيع بين جيل الكتّاب القدماء وجيل الكتّاب الجدد في المغرب".

وأكمل حقّي أنّ "جذور صراع الأجيال في الأدب المغربي تعود إلى ما قبل استقلال المغرب، حيث كان هناك جيل من الكتّاب والشعراء الذين كتبوا باللغة الفرنسية وتأثّروا بالأدب الغربي، ثم ظهر جيل جديد من الكتّاب بعد الاستقلال يتبنّون اللغة العربية، ويسعون إلى تجديد الأدب المغربي واستخدامه في خدمة المجتمع والهوية الوطنية".

وتناول هذا الصراع مواضيع مختلفة، مثل الهوية الثقافية والتاريخ المغربي والواقع الاجتماعي والسياسي. ويتمثّل التنافس في تقديم رؤى مختلفة للمجتمع والعالم، وقد تم التعبير عنه من خلال الشعر والرواية والمسرح والمقالات والمذكرات، مشيرًا إلى أنّ "أصوات الأجيال الجديدة عادةً ما تتركّز على تجديد الأساليب الأدبية واستكشاف مواضيع جديدة ومعاصرة، بينما قد تسعى أصوات الأجيال القديمة للحفاظ على التقاليد والإرث الأدبي السابق ونقله للأجيال الجديدة".

ويخلص الأديب المغربي إلى أنّ "صراع الأجيال في الأدب المغربي يُعتبر عملية طبيعية وضرورية تُساهم في إثراء الأدب وتطويره، وتجعله يعكس تجربة المجتمع المغربي بكافة تنوّعه وتحدياته".

سوء الفهم المتبادل

في المقابل، يرى الأديب المغربي مصطفى لغتيري في حديث مع "عروبة 22"، أنّ "العلاقة بين الأجيال عمومًا تتّسم بكثير من سوء الفهم المتبادل، الذي تنتج عنه شحنة من التوتر، تؤدي في غالب الأحيان إلى خصومات معلنة أو خفية، تساهم في التنافر الكبير الذي يميّز العلاقة بينهما، ولا تشذّ عن ذلك علاقة أجيال المثقفين، التي لا تعدم سببًا بل أسبابًا للمضيّ في هذا الاتجاه".

ووفق لغتيري، "تكون هذه الأسباب أحيانًا ذاتية تتعلق بنفسية المثقف، وأخرى موضوعية تتعلق بتطوّر الأفكار، وظهور تصوّرات وأجناس أدبية جديدة، أو حساسية جديدة قد لا تروق للجيل القديم، لهذا يمكن لهذا الصراع أن يكون مفهومًا ومقبولًا إذا بُني على أسس فكرية وإيديولوجية، إذ إنّ كلّ جيل يسعى إلى تجاوز الجيل الذي سبقه، والتمرّد على أطروحاته وأفكاره وذائقته الجمالية".

صراع الأجيال يساير سنّة الحياة في التطوّر... لكن الانسلاخ لن يتمّ إلا بعد هضم أفكار الجيل السابق 

وأضاف: "ساهم هذا النوع من الصراع في مظهره الإيجابي بشكل كبير في خلق نقاش عميق ومفيد بين الأجيال، إذ حدث ذلك حين ظهرت قصيدة التفعيلة وحين هيمنت قصيدة النثر، كما حدث قبل ذلك بين مدرسة المحافظة والتجديد في الأدب العربي، وبين أنصار القصة القصيرة جدًا، وأولئك الذين رفضوها جملةً وتفصيلًا".

وذهب لغتيري إلى أنّ "صراع الأجيال غالبًا ما يكون إيجابيًا، لأنه يساير سنّة الحياة في التطوّر الذي لا يحدث إلّا بتجاوز الماضي، لكن هذا الانسلاخ لن يتمّ إلا بعد الاطلاع العميق على أفكار الجيل السابق وهضمها وتمثّلها، وهذا ما فعلته بمسؤولية الأجيال القديمة".

عقدة "قتل الأب"

هناك جانب سلبي لهذا الصراع بين الأجيال الأدبية، وهو ما يقول لغتيري إنه يتمثل في ما يجري بشكل عبثي، حين يعتقد الجيل الجديد أن كلّ شيء بدأ معه، متناسيًا أنّ تراكمًا كبيرًا وُجد قبله، وهو وليد ذلك التراكم؛ إذ لا شيء يأتي من فراغ.

الجيل الجديد يعاني من جهل كبير تجاه روّاد الأدب والثقافة في المغرب والوطن العربي

وهنا يشدّد مؤلف العديد من الروايات الأدبية قائلًا: "الجيل الجديد مُطالب بالاطلاع على تراكمات الأجيال التي سبقته، حتى وإن اختلف معها أو رفضها، فالتجاوز لا يتمّ إلا بعد هضم السابق هضمًا جيدًا"، لافتًا إلى أنّ "هناك ظاهرة مرتبطة بصراع الأجيال تتمثّل في عقدة قتل الأب أدبيًا، إذ إنّ معظم أبناء جيل الشباب يعانون من هذه العقدة، فيسعون جاهدين إلى إخفاء آبائهم وأسلافهم الرمزيّين عن قصد أو غير قصد، حتى إنهم لا يعترفون لهم بالريادة".

وتابع شارحًا: "ابتلينا أيضًا بجيل يتّسم بعدم الاطلاع الواسع والعميق على ما تراكم من نصوص، فنجده يعاني من جهل كبير تجاه روّاد الأدب والثقافة في المغرب والوطن العربي، فلا يكادون يعرفون أحدًا من هؤلاء الرواد، ولا المدارس الفكرية أو الأدبية التي يمثّلونها، فينعكس هذا الجهل على كتاباتهم ونقاشاتهم، لتكون في أغلبها ضحلة وسطحية تفتقد للعمق الفكري".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن