لأنّ الصناعة الغذائية في معظمها صناعة تحويلية؛ وتعتمد على استيراد المواد الخام الأولية من الخارج؛ ويتمّ بعد ذلك تحويلها إلى سلع قابلة للاستهلاك، فإنّ توقّف عمليات الاستيراد يؤدّي إلى توقّف هذه الصناعات، كما حصل خلال السنوات الماضية خلال ذروة المواجهات بين القوات الحكومية والمسلحين الحوثيين، بحيث أدّت القيود التي فُرضت على الاستيراد والتنقّل الداخلي إلى توقف أعمال عدد من المنشآت الصناعية وتسريح المئات من العمال.
مع أنّ الصناعات الغذائية في اليمن تتركّز على الألبان، والزيوت النباتية، وطحن الحبوب، والحلويات والبسكويتات، والعصائر والمشروبات والمياه المعدنية، إلّا أنها تُشكّل حوالى 15% من النّاتج المحلي الإجمالي استنادًا إلى بيانات حكومية لعام 2022، وهي البيانات التي تُبيّن أنّ هذا القطاع شهد نموًّا سنويًّا يزيد على 8% خلال الفترة من 2020 إلى 2022. مع توقّعات بوصول هذا النمو إلى 10% مع نهاية العام الحالي، مدفوعًا بزيادة الطلب نتيجة الزيادة الكبيرة في عدد السكان.
وفي حين تُشكّل صادرات المنتجات الغذائية والمشروبات 20% من إجمالي الصادرات اليمنية وفقًا لبيانات العام 2021، فإنّ الاستثمارات الأجنبية المباشرة تبلغ في هذا القطاع 30% من إجمالي الاستثمارات، بحيث تُشكّل تعبئة المنتجات الغذائية والمشروبات حوالى 60% من الاستثمارات في هذا القطاع الذي يوفّر فرص عمل لأكثر من 150 ألف شخص.
صعوبات
ونتيجة عدم وجود تسهيلات للمستثمرين، وتعدّد الأطراف المسيطرة على الأرض، فإنّ هذا جعل الصناعات الغذائية تواجه مشقّات في الحصول على التراخيص اللازمة، واستيراد المواد المساعِدة في الصناعات الغذائية مثل صناعة العبوات الورقية والبلاستيكية والزجاجية ورقائق الألومينيوم ومواد التغليف على أنواعها إلى جانب تقادم البنية التحتيّة وتآكل شبكات الطرق والنقل.
ومع تدهور قطاع الكهرباء بشكل كبير ومعه قطاع المياه نتيجة الحرب، فقد أثّر ذلك في عمليات التصنيع، وزاد من المشكلة محدوديّة مرافق التخزين والتبريد ونقص التمويل والحوافز لجذب الاستثمارات وتدنّي مستوى التقنيات والتكنولوجيا المستخدمة في معظم المنشآت، وضعف البنية التحتية للرقابة والتفتيش على الصناعات الغذائية.
وبسبب افتقار الصناعات الغذائية إلى الخبرات والمهارات الفنية اللازمة ومحدوديّة برامج التدريب والتأهيل، فإنّ القطاع الصناعي في اليمن يعمل في ظلّ بيئة صعبة وغير محفِّزة، ويواجه الكثير من التحديات والمعوقات، وزادت وتيرة التحديات والصعوبات في ظلّ الحرب المستمرة منذ العام 2014 والتي ألْحقت أضرارًا كبيرةً بهذا القطاع.
عوامل محفِّزة
مع ذلك، فإنّ هناك محفِّزات هامة لتطوّر هذا القطاع، فإلى جانب ارتفاع معدّل النموّ السكاني بشكل كبير (34 مليون نسمة حاليًا)، تتوفّر موارد طبيعية وزراعية وحيوانية متنوّعة بسبب التنوّع المناخي الذي يسمح بزراعة مجموعة واسعة من المنتجات، كما أنّ المجال مفتوح أمام استصلاح مساحات واسعة من الأراضي وتطويرها.
ويلعب الموقع الجغرافي لليمن دورًا إيجابيًا في إمكانية الوصول إلى الأسواق الإقليمية، بخاصّة إذا ما نجحت الجهود المبذولة لإحلال السلام، إذ إنّ من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام التمويلات والمنح الدولية لتطوير هذا القطاع، وكذلك الأمر فيما يخص تنامي دور البنوك والمؤسسات التمويلية في دعم المشاريع الغذائية.
ووفقًا لبيانات الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية، بلغت الخسائر التراكميّة في القطاع الصناعي بشقّيْه الاستخراجي (النفط والغاز) والتحويلي (السلع الغذائية والاستهلاكية) خلال السنوات 2015-2020، قرابة 35 مليار دولار أميركي. فيما أظهر مسح صناعي نفذته وزارة الصناعة والتجارة والجهاز المركزي للإحصاء، أنّ هناك نحو 28 ألف منشأة صناعية في البلاد، منها منشآت صغيرة جدًا بنسبة 78.43%، ويمتلك القطاع الخاص نحو 98% من إجمالي المنشآت الصناعية.
ونتيجةً للانقسام المالي بين مناطق سيطرة الحكومة والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيّون، فقد وُجِدَ سعران مختلفان للعملة الوطنية، وهذا بدوره أثّر في عملية التصنيع المحلي بشكل سلبي مباشر من خلال زيادة أسعار المنتجات المصنّعة وانخفاض قدرتها التنافسية في السوق المحلية أمام المنتجات الأجنبية. وتشير التقديرات إلى أنّ متوسط سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني ارتفع من 214 ريال للدولار الواحد نهاية عام 2014 إلى 2300 ريال للدولار الواحد (السوق الموازية) في فبراير/شباط 2025.
وحسب تقرير الأعمال للبنك الدولي، فإنّ 72% من إجمالي المنشآت الاقتصادية الخاصة العاملة في اليمن أكّدت حدوث زيادات في نفقاتها التشغيلية جرّاء ظروف الصراع والحرب والعوامل المرتبطة بها. كما أنّ زيادة التكاليف الخاصة بالشحن البحري الخارجي جرّاء زيادة رسوم الشحن والتأمين للبضائع الواصلة إلى الموانئ اليمنية ومن ضمنها المواد الخام والمنتجات الوسيطة، مثّلت صعوبات وتحديات في التحكّم بسلسلة الإمدادات والتوريدات اللازمة لعملية الإنتاج والتصنيع. وقد بلغت نسبة الزيادة في تكاليف الشحن ورسوم التأمين، وتكاليف النقل الداخلي بين المحافظات، نسبةً تفوق 700%، بالإضافة إلى الازدواج الجمركي والضريبي والجبايات.
وتؤكّد دراسة للاتحاد العام للغرف الصناعية والتجارية اليمنية أنّ التراجع في قيمة النّاتج المحلي الإجمالي لقطاع الصناعة خلال الفترة 2015–2020 انعكس بتراجع معدّل التشغيل للأيدي العاملة في القطاع، وأسهم في زيادة معدّل البطالة الكلّي في الاقتصاد إلى حوالى 32% من إجمالي القوى العاملة في الاقتصاد في العام 2020 مقارنةً بما يقارب 13.5% في العام 2014.
(خاص "عروبة 22")