لم تجدد إدارة الرئيس دونالد ترمب الإعفاءات للعراق من اجل شراء الكهرباء من إيران معلنة عبر وزارة خارجيتها" أن واشنطن لن تسمح لطهران بأي قدر من الإغاثة الاقتصادية أو المالية" على رغم ان العراق لا يملك بدائل راهنا للغاز الايراني. تشد واشنطن الخناق على طهران في العراق وتربك حكومة محمد الشياع السوداني وكل التنظيمات الشيعية الموالية لايران وتضيق خياراتها لا سيما بعد المذكرة الرئاسية للامن القومي التي وقعها ترامب في بداية شهر شباط بهدف فرض اقصى الضغوط الممكنة على ايران ومواجهة نفوذها في المنطقة والتي ينقل عن ديبلوماسيين اميركيين ان هناك عقوبات اميركية ستفرض على كيانات واشخاص في العراق تسهل لايران نفوذها واعمالها في العراق.
وليس العراق وحده المرتبك في مقاربة التعامل مع الادارة الاميركية الجديدة، ولكن الاستعانة بالعراق في هذا السياق هو بالنسبة الى اوساط ديبلوماسية نموذج للافق الراهن على الاقل بالنسبة الى امرين: احدهما طبيعة ومآل استمرار العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد ما تستمر في اعتباره تهديدا لها من خلال اي تحركات لعناصر "حزب الله" لا سيما اذا كانت تدرجها في اطار اعادة الحزب تكوين نفسه عسكريا مجددا. المغزى من ذلك ان الغطاء الاميركي لاسرائيل مستمر سواء كان ذلك معنويا او عملانيا من خلال بنود او ضمانات اميركية لاسرائيل في اتفاق وقف النار بينها وبين لبنان الذي جرى في 27 تشرين الثاني الماضي.
والامر الاخر ان القرار الاميركي بالضغط على ايران على الاقل في انتظار ان تجلس الى طاولة المفاوضات التي دعاها اليها ترامب لانجاز اتفاق نووي جديد يجري تبادل رسائل اعلامية بين واشنطن وطهران حولها راهنا، لن يسمح لها باعادة تثبيت نفوذها في لبنان عبر اعادة تقوية " حزب الله" وتزخيم قواه العسكرية فيما ان التحديات الاهم امام لبنان هي في انتقاله الى استكمال قدراته كدولة تمتلك ليس فقط قرار الحرب والسلم واستعادته من الحزب بل استعادة سيطرتها على كل مفاصل القرار اللبناني السياسي والامني والعسكري والاقتصادي.
ولا تساهل ازاء ذلك في ظل تأن رسمي بقيادة مرحلة تنفيذ اتفاق وقف النار واظهار قدرات وعزم على القيام بذلك فيما ان الحزب ومن ورائه ايران ووفقا لما يعبر عنه مسؤولوها باستمرار لم تقتنع بعد بوضع حد لمفهوم "المقاومة" وهي لا تزال تضغط في هذا الاتجاه. الرسائل من استمرار إسرائيل استهدافها مواقع لبنانية تقول انها للحزب فيما لا يصدر في المقابل اي دحض لهذا الادعاء على اي مستوى كان، كما استمرارها في استهداف عناصر للحزب توزع بعدها بيانا تفصيليا باسم المستهدف وزمن التحاقه بالحزب ومهامه تكشف الكثير.
من بين هذه الرسائل التي يضاف اليها سيف مسلط فوق رأس السلطات الرسمية في لبنان على مستويين على الاقل على غرار مشروع قانون امام مجلس النواب الاميركي يطالب لبنان بنزع سلاح الحزب خلال مدة قصيرة معينة فيما لا ضوابط فعلية امام صدور قوانين مماثلة تستهدف انهاء الحزب عسكريا او اشتراط اثبات الدولة حزمها السير بهذه الطريق من اجل مساعدتها على النهوض في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها على هذا المستوى، اولا: ان اسرائيل تواصل قدراتها الاستخباراتية في اخضاع اي تحرك للحزب لمجهر دقيق يصعب الافلات منه راهنا على الاقل.
ثانياً ان مواقفه المصرة على اعادة تأهيل نفسه تشكل سبباً رئيسياً للاستمرار في احتلال النقاط التي لا تزال تحتلها إسرائيل في الجنوب اللبناني ما لم تضمن هدوءا كليا على هذا المسار. بمعنى انها تقول ان بقاءها في هذه النقاط هي من بقاء الحزب كذلك فيما ان لا ضغط محتملا من اي جهة خارجية لمنعها من اضعاف الحزب اكثر فاكثر طمعا على الاقل من بعض دول الخارج باستعادة الدولة اللبنانية قدراتها وارغام الحزب على التحول الى حزب سياسي فحسب شأنه شأن سائر الاحزاب. وهذا الامر لم يعلنه الحزب بعد.
في السابق كان كثيرون يرون في اسرائيل عصا الولايات المتحدة في المنطقة، والعلاقة الراهنة بين اسرائيل والولايات المتحدة راهنا لن تدحض ذلك بل تؤكده اكثر. فيما ان الامور ليست مجرد ابيض او اسود لا سيما في ظل وجود عناصر كثيرة قد تخلط الاوراق او تعيد خلطها في المنطقة خصوصا مع الاستثمار السياسي لقوى اقليمية متعددة في ما يحصل في سوريا او تحريكها لما يحصل هناك والانعكاسات الكبيرة لذلك في اتجاهات متوقعة وغير متوقعة على حد سواء.
والحرب الاهلية في سوريا قد تؤدي الى تغيير ومخاطر كبيرة بحيث تعمد اسرائيل الى تصعيد خرقها لاتفاق وقف النار في لبنان لا سيما تحت وطأة الحذر من توغل ايران مجددا وعودة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، فيما ان الانعكاسات لن تلبث ان تهدد لبنان ودول الجوار السوري كذلك.
ولبنان بات ينظر بقلق شديد لكل ذلك ويخشى عبور الحرائق من حوله اليه فيما لا يزال هشا وضعيفا في هذه المرحلة المبكرة من بدء استعادته عافيته. والتهديدات التي تتصاعد حدتها من سوريا لا تخلو من ابعاد طائفية لا بل مذهبية مع اعدامات وانتقامات حصلت في الايام الاخيرة في المدن والقرى العلوية في اطار قمع محاولات التصدي للسلطات الجديدة ما ادى الى هرب الكثير من العلويين الى شمال لبنان.
الامر الذي يضيف تعقيدات جديدة الى الواقع اللبناني المعقد ويربك امكانات وقدرات التعامل مع الواقعين القديم والمستجد منه كذلك. وكان لافتا التزام الحكومة صمتا مطبقا كليا ازاء التطورات السورية وطريقة مقاربة تداعياتها.