وجهات نظر

كيف تدير دول غرب أفريقيا مأزق "إنقلاب النيجر"؟

تشغل منظمة دول غرب أفريقيا "إيكواس" حيّزًا كبيرًا من اهتمام دول وشعوب غرب أفريقيا، والرأي العام في السياقين الإقليمي والعالمي حاليًا، على اعتبار أنه منوط بها محاولة إعادة الشرعية الدستورية في النيجر بعد إنقلاب عسكري هو السابع من نوعه في هذه المنطقة في غضون الثلاث سنوات الأخيرة.

كيف تدير دول غرب أفريقيا مأزق

لعلّ هذه الحالة تفرض التعرّض للأطر القارية الأفريقية على المستويين القاري والجهوي، وتفرض كذلك محاولة تقييم مدى النجاح في تحقيق أهداف وأحلام الأفارقة الذين أسّسو منظّمة الوحدة الأفريقية عام ١٩٦٣ إستجابةً لمشروع كبير من جانب الآباء المؤسّسين لهذه المنظّمة ولفكرة تعاون الأفارقة ضد الإستعمار الغربي، أهمّهم جمال عبد الناصر المصري، وكواما نكروما الغاني، وأحمد سيكتوري الغيني، وغيرهم.

منظّمة الوحدة الأفريقية أنتجت الاتحاد الأفريقي عام ٢٠٠٠، وهو يطرح حاليًا مشروعًا طموحًا لتنمية القارة هو مشروع ٢٠١٣-٢٠٦٣، وقد تأسّس هذا المشروع على مجهودات متراكمة، شملت: إعلان منورفيا 1979، وخطّة عمل لاجوس 1980، ومعاهدة أبوجا 1991، وأجندة القاهرة للعمل 1995، ومبادرة المشاركة الجديدة لتنمية أفريقيا "نيباد" 2000، وصولًا لأجندة ٢٠١٣-٢٠٦٣.

اعتمدت "نيباد" على تراث منظمة الوحدة الأفريقية الاقتصادي التي انبثق منها الاتحاد

هذا المشروع تُعدّ أعمدته الأساسية تأسيس حكم رشيد يعتمد على التداول السلمي للسلطة بما يوفّر بيئةً قادرة على النمو والتنمية الشاملة والمستدامة، ويوفّر كذلك بيئةً منتجة للسلام والاستقرار قادرة على مقاومة الصراعات المسلّحة الناتجة عن الانقسامات العرقية، وذلك عبر تعاون إقليمي أفريقي جهوي وقاري.

وطبقًا لهذه الطموحات فإنّ الأجندة القارية الأفريقية قد يتطلّب تفعيلها الاهتمام بالمفردات الاقتصادية كمحرّك قائد، ومن ذلك:

إقامة بنك للاستثمار الأفريقي، وكذلك سوق للأسهم الأفريقية بحلول 2016، وصندوق للنقد الأفريقي بحلول 2018، وبنك مركزي أفريقي 2028-2034. وذلك كله فضلًا عن تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرّة، ورفع نسبة التجارة الأفريقية البينيّة من 12% عام 2013 إلى 50% عام 2045، وكذلك تحسين حصة أفريقيا فى التجارة الدولية من 2% إلى 12%.

وقد اعتمدت الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي "نيباد" على تراث منظمة الوحدة الأفريقية الاقتصادي، والتي انبثق منها الاتحاد، خصوصًا تراث التجمّعات الاقتصادية الأفريقية، حيث سمحت هذه التجمّعات الجهوية في بلورة الآليات القارية الشاملة كمنطقة التجارة الحرّة الأفريقية ومنها تجمّع شرق وجنوب أفريقيا "كوميسا"، و"سادك" وتجمّع دول شرق أفريقيا، وتجمّع دول غرب أفريقيا.

"كوميسا" نجحت فى رفع حجم التجارة البينية بين دولها من 3.1 مليار دولار في فجر الألفية إلى 23.93 مليار دولار عام 2021، كما ارتفعت التجارة البينية فى تجمّع شرق أفريقيا بنسبة 49% بعد إطلاق مشروع الاتحاد الجمركي داخل التجمّع، أما مجموعة أفريقيا الجنوبية (سادك الذي نشأ عام ١٩٩٢) فضمّت ١٤ دولة وقد تحمّلت أنجولا مسؤولية مشروعات الطاقة، بينما كان نصيب زيميابوي في قطاع الأمن الغذائي، وتقوم مالاوي بالتركيز على الثروتين الحيوانية والسمكية وتنمية الغابات. ودور نامبيا يقتصر على التعدين، أما موزمبيق فإن القطاعات المنوطة بها ترتبط بموقعها الجغرافي المطلّ على المحيط الهندي، وذلك من حيث الاهتمام بالنقل والمواصلات. بينما تضع مجموعة شرق أفريقيا الوحدة السياسية من بين أهدافها.

وفي الوقت الذي ابتعدت كل المجموعات القارية الأفريقية عن دول إستعمارها القديم بسبب تنوعهم ربما في شرق وجنوب أفريقيا، فإنّ مجموعة غرب أفريقيا "إيكواس" وقعت تحت هيمنة فرنسا التي كانت العامل المشترك بين كل دول المجموعة، فربطت بينها عبر عملة الفرنك الأفريقي المرتبط بالاقتصاد الفرنسي، ومن هنا تطوّرت "إيكواس" التي تأسّست عام ١٩٩٩ من تجمّع اقتصادي إلى تجمّع له أدوار أمنية عبر التحالف المباشر في بعض هذه الأدوار مع فرنسا، طبقًا لما جرى في مالي عام ٢٠١٣ على سبيل المثال لا الحصر، كما امتلكت قوات حفظ سلام تدخّلت في الحرب الأهلية في ليبيريا في تسعينيات القرن الماضي، حيث يشكّل الإعلان عن تدشين القوة العسكرية المشتركة بين دول المجموعة بتمويل يبلغ ما يقارب الـ٣ مليار دولار في ديسمبر الماضي أعلى مستويات العسكرة الجهوية في أفريقيا.

"إيكواس" في مأزق متعدّد المستويات... وكيفية إدارة المأزق تُحدّد مستقبلها ومستقبل الإتحاد الأفريقي

حاليًا "إيكواس" هي قاب قوسين أو أدنى من تدخّل عسكري مباشر في النيجر تحت عنوان معلن هو عودة الشرعية الدستورية لهذا البلد، بينما الهدف المضمر هو الحفاظ على النفوذ الفرنسي في كل دول غرب أفريقيا، ولعلّ الدور العسكري لـ"إيكواس" هذه المرّة لا يأخذ بعين الاعتبار متغيّرات النظام الدولي الذي يتّجه نحو التعدّد، وبالتالي الدور الفرنسي فيه يتراجع، كما لا يأخذ بعين الاعتبار أولوية السلم في أفريقيا التي تمزّقها النزاعات المسلحة.

في هذا السياق رفض مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي التدخّل في النيجر في سابقة هي نادرة في التقاطع بين المنظمة القارية ومنظمة جهوية في أفريقيا، بينما ترفض شعوب دول غرب أفريقيا هذا التدخل خصوصًا نيجيريا الدولة الأكبر في دول غرب أفريقيا.

في هذا السياق المعقّد، تقع "إيكواس" في مأزق متعدّد المستويات، الأول؛ هو محاولة إعادة الشرعية الدستورية إزاء سلطة إنقلابية عنيدة، والثاني؛ إتمام عسكرة دورها المطلوب فرنسيًا والمرفوض شعبيًا على المستوى الأفريقي، والثالث؛ تحقيق أهدافها في التنمية والسلام.

وبطبيعة الحال كيفية إدارة هذا المأزق ربما تُحدّد مستقبل "إيكواس"، كما تُحدّد مستقبل الاتحاد الأفريقي، كمنظمة قارية من المطلوب أن تجد مناهج جديدة للعمل وصياغة توازنات حرجة تحت مظلّة نظام دولي هو قيد التشكل.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن