خلافات بينية وآثار اقتصادية: اتحاد المغرب العربي أنموذجًا (2/2)التكلفة الاقتصادية للنزاعات المسلّحة في العالم العربي

عرضنا في الجزء الأول من هذا المقال الآثار الكارثيّة للنزاعات المسلحة في العالم العربي، وقد توقفنا عند مثال النزاع المسلّح في الصحراء المغربية، الذي أدّى لتعطيل آليات التعاون الاقتصادي بين دول اتحاد المغرب العربي واستنزف موارد هذه الدول، بخاصّة المغرب والجزائر.

خلافات بينية وآثار اقتصادية: اتحاد المغرب العربي أنموذجًا (2/2)
التكلفة الاقتصادية للنزاعات المسلّحة في العالم العربي

في هذا الجزء الثاني من المقال، ارتأينا التذكير بأنّه على الرَّغم من مضي عقود طويلة على اندلاع هذا الصراع بين البلدين الجارين، الذي انخرطت فيه عدّة دول عربية، سواء عبر بوابة الدعم الديبلوماسي والاقتصادي أو من خلال آليات الدعم العسكري، فإنّ مسألة حلّه لا تزال عصيّة على الرَّغم من المحاولات العديدة التي كان آخرها سنة 1989 عقب تأسيس اتحاد المغرب العربي وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991 وتطبيع العلاقات بين البلدين، وهو الانفراج الذي سرعان ما أُجهض عقب اندلاع الحرب الأهلية الجزائرية وصعود حركات الإسلام السياسي، وتعزيز قبضة الجيش الجزائري على السلطة.

تسبّبت النزاعات والحروب في أضرار يصعب ترميمها إلّا إذا توحّدت الطاقات في منظومةٍ عربية اقتصادية وسياسية فعّالة

لقد أدّى هذا الوضع إلى عودة التوتّر بشكلٍ تدريجيّ وصولًا إلى إعلان القطيعة الديبلوماسية وتعليق اتفاق وقف اطلاق النار واستئناف المعارك من طرف واحد من قبل الجبهة، وهو الوضع الذي ساهم من جديد في تعقيد المشهد الاقتصادي في المنطقة، في ظلّ التحديات الراهنة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية، التي يتعذّر تجاوزها تحت وطأة عودة قرع طبول الحرب وتسريع وتيرة التسلح، وهو ما يُعيد إلى الأذهان سيناريوات سنوات الثمانينيّات التي أدّت إلى انهيار اقتصاد البلدين ودخولهما في مرحلة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، الأمر الذي قد يعوق من جديد جهود التنمية ويُجهض المشاريع العملاقة التي انخرط فيها البلدان، خصوصًا مشاريع التحوّل نحو اقتصاد صناعي واحتضان كأس العالم بالنّسبة إلى المغرب.

خلاصة القول، لقد أوردنا مثال النّزاع بين المغرب والجزائر على سبيل المثال لا الحصْر، وهو مثالٌ يمكن تعميمه على معظم المنطقة العربية التي شهدت، ولا تزال تشهد، نزاعات مسلحة وحروبًا لم يفتر أورها بعد ولا انقشع غبارها، فمن النكسة إلى حروب التحرير، فالنكبة وحرب رمضان و"طوفان الأقصى" ومن الحروب الأهلية لسوريا والجزائر وليبيا ولبنان، وحروب اليمن والصراع حول الصحراء، إلى الانقلابات فأحداث "الربيع العربي"، كلّها حروب واضطرابات خلّفت ملايين القتلى وأضعافهم من الجرحى والمعطوبين واللاجئين وأموالًا مهدورة وزمنًا تنمويًّا ضائعًا، كما خلّفت اقتصادًا منهكًا وعالمًا عربيًا مفكّكًا إضافةً إلى تكتلاتٍ معطلة واتفاقيات مُعلّقة.

هذا وضعٌ لا نُحسد عليه، وسيناريوات تُعيد نفسها، نجترّ بموجبها المرارة نفسها التي تجرّعها أجدادنا وآباؤنا، ونستعد بدورنا كي نورثها لأبنائنا، وكأنّها لعنة الإله لسيزيف الذي كلّما اقترب بلوغ قمّة الجبل حاملًا الصخرة العظيمة كي يضعها عن كاهله ويرتاح، ارتدّت عنه وتدحرجت من جديد، وتدحرج هو معها كي يعيد الكرّة آلاف المرات، ويحصل على الخيبات ذاتها.

لا يمكن للحلول والتوجّهات الفردية أن تُمكِّن الدول العربية من أدوات التطوّر والنموّ

لقد تسبّبت كلّ هذه النزاعات والحروب في أضرار كبيرة يصعب ترميمها خلال الزمن المنظور، إلّا إذا توافقت الإرادات وتوحّدت الطاقات في ظلّ منظومةٍ عربيةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ فعّالةٍ، مُعطِلةٍ للخلافات ومُحفزةٍ على التعاون، وهو ما قد يبدو ضربًا من ضروب الخيال في ظلّ تكرار فشل التجارب السابقة، غير أنني على يقين أنّ هذا المسار هو الأجدر بالاتباع، فلا يمكن بأيّ شكل من الأشكال للحلول والتوجّهات الفردية أن تُمكِّن الدول العربية من أدوات التطوّر والنموّ، في ظلّ حضور طاغٍ للتكتّلات الإقليمية والدولية وعدم ترحيبها بأي حضور عربي مهما كان نوعه، وهو ما يجعل من مسألة التكتّل العربي مسألة مصيرية وواقعية، بل هي الحلّ الوحيد لمعضلات المنطقة الاقتصادية والتنموية، والسياسية أيضًا.


لقراءة الجزء الأول

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن