صحافة

خامنئي وترامب.. حرب أم مفاوضات؟!

حسن أبوطالب

المشاركة
خامنئي وترامب.. حرب أم مفاوضات؟!

يُعد البرنامج النووي الإيراني معضلة كبرى سواء لإيران أو الدول المجاورة أو الإقليم ككل، ويمثل بؤرة هياج إسرائيلي لم ينقطع طوال السنوات الماضية. الولايات المتحدة بدورها طرف مهم في الحوار حول مستقبل القدرات النووية ككل، وقدراتها العسكرية الأخرى لا سيما صناعة الصواريخ الباليستية وصناعة الطائرات المسيرة ذات القدرات والمديات المتنوعة. الهياج الإسرائيلي ونظيره الأمريكي ينطلق من أسس واحدة، وهو منع طهران من امتلاك سلاح نووي، ومن ثم الإطاحة باحتكار إسرائيل هذا النوع من القنابل، رغم النفي العلني.

إيران من جانبها تقدم سردية مختلفة، فقدراتها النووية سلمية الطابع، وهناك فتوى من المرشد الأعلى خامنئي تمنع امتلاك هذه الأسلحة المناهضة للإنسانية. لكن طبيعة القدرات النووية الإيرانية ذاتها وإلى أي مدى اقتربت من إمكان صنع رأس نووية، تظل مغلفة بالضبابية. ووفقا لتقارير وكالة الطاقة الذرية المعنية بمراقبة البرنامج النووي الإيراني، رفعت طهران مستويات التخصيب الى نسبة تقترب من 60 في المائة أو أعلى قليلا، وذلك بعد انسحاب الولايات المتحدة 2018 في فترة رئاسة ترامب الأولى من الاتفاق الدولي المعروف ببرنامج العمل الشامل، ما افسح المجال لإيران لتعزيز المعرفة النووية الإيرانية.

تل أبيب المهووسة بالتفوق والامتداد والتوسع الجغرافي وسياسة الردع والتفوق العسكري الأعلى، والقادرة على التأثير في السياسة الامريكية تجاه الشرق الأوسط ككل، تخطط لتدمير كامل القدرات النووية الإيرانية، ولا تدخر جهدا علنيا أو سريا في إقناع الرؤساء الأمريكيين للسماح لها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، سواء بتدخل أمريكي مباشر، أو منفردة مع تغطية تكتيكية أمريكية بالدرجة الأولى ومدها بالذخائر والقنابل الشديدة التدمير والطائرات الحديثة القادرة على القيام بالمهمة على أفضل وجه ممكن.

وبالرغم من الانحياز الهائل من الولايات المتحدة للحليفة المدللة إسرائيل، فإن مطلب القيام بمغامرة عسكرية شديدة الوطأة ضد إيران، وجد حتى اللحظة آذانا مترددة، وهنا ظهر تباين مهم في الحسابات الامريكية عن تلك الإسرائيلية المشهود لها بالمغامرات الكبرى المحسوبة وغير المحسوبة معا. ومع ذلك يظل نيتانياهو مندفعا نحو إقناع الرئيس ترامب باعتباره أكثر الرؤساء دعما وتدليلا لتل ابيب، بتوجيه ضربة قاصمة للقدرات النووية الإيرانية، أيا كانت الخسائر والتداعيات التي يمكن أن تنفجر في وجه المصالح الامريكية في منطقة الخليج وأجزاء أخرى في العالم. فالمهم لدى نيتانياهو ووزرائه المهووسين بالاحتلال والقتل والتدمير أن تسود الرؤية الإسرائيلية بالتفوق المطلق، ولتدفع واشنطن كل الاثمان محبة لإسرائيل.

وفي اللحظة الجارية، التي تحشد فيها واشنطن قدرات عسكرية بحرية وجوية غير مسبوقة في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، بحجة القضاء على التهديد الذي يمثله جماعة انصار الله الحوثية للملاحة الدولية، والتي توجه صواريخها وطائراتها المسيرة للكيان الإسرائيلي وللسفن الامريكية والإسرائيلية المتوجهة الى البحر الأحمر عبر باب المندب، فإن نظرة تأمل عابرة لحجم الحشد العسكري الأمريكي في البحار المُطلة على اليمن من جانب، والقدرات النوعية الكبرى التي تم تزويدها للقواعد الامريكية في الخليج، يضع أي مراقب في حيرة.

فحجم الطائرات المحتشدة في حاملات الطائرات الامريكية ونوعيتها الحديثة وقدراتها في حمل القنابل الثقيلة وقدرات الاستطلاع وعدد الجنود الذين يصلون الى نحو 50 الف جندي، يثير العديد من الأسئلة، والتي تصب إجاباتها في نتيجة واحدة، وهي انها قدرات عسكرية هائلة ومؤهلة لشن حرب موسعة والقيام بضربات مكثفة للمنشآت النووية الإيرانية، وليس فقط قدرات الحوثيين الصاروخية في اليمن.

المهم هنا أن التقديرات الأمريكية في المصادر العسكرية المتخصصة حين تتحدث عن تلك الحشود العسكرية غير المسبوقة، وبالرغم من قدراتها في توجيه ضربة قاصمة لإيران، فإنها لا تتجاهل رد الفعل الإيرانى المُضاد، والذي يُحتمل أن يوجه بسهولة نسبية لكل المصالح الأمريكية الاقتصادية والعسكرية في المحيط الإقليمى لإيران، بما في ذلك إغلاق مضيق هرمز، والذي سوف يتسبب فى خسائر هائلة للاقتصاد الدولي، كما سيجعل استهداف القطع العسكرية الامريكية المحتمل محاصرتها في مياه الخليج أمرا حتميا، خاصة في ضوء امتلاك الحرس الثوري الإيراني قدرات بحرية هجومية قادرة على إلحاق خسائر بالأهداف المعادية.

الضربة العسكرية على هذا النحو ستكون محملة بخسائر عسكرية واقتصادية ومعنوية كبرى للولايات المتحدة وإيران والإقليم والعالم بأسره. إذا تحطمت حاملة طائرات أمريكية سيكون الامر مذهلا من حيث الدلالة المعنوية السلبية للولايات المتحدة ككل. إيران وإن خسرت بعض المنشآت النووية، ستظل بلدا رئيسا في الإقليم، يعاني خسائر وفي الآن نفسه يوجه ضربات مؤثرة لكثيرين. هذه الحسابات المرصودة لدى مؤسسات أمريكية، تعطي الأولوية للمفاوضات وليس للحرب الموسعة ذات الأثمان والخسائر العالية.

الرئيس ترامب المشهور بحبه لعقد الصفقات الكبرى التي تفيد أمريكا قبل غيرها، صرح أكثر من مرة برغبته في التفاوض المباشر مع إيران بالرغم من الحشود العسكرية التي أمر بها، ما يجعل تلك الحشود أداة ضغط سياسي ومعنوي وليس أداة قابلة للاستخدام الموسع وغير المنضبط. صيغة التفاوض على هذا النحو تبدو غير مقبولة من طهران، والتي بدورها تفضل مفاوضات غير مباشرة، وبعيدة عن التهديد. هذا الخلاف قابل للحل ولو نظريا، فهناك وسطاء عاقلون راشدون، يمررون الرسائل، ويتحركون من وراء حجب لمعالجة الأمر على نحو يوفر بيئة إقليمية تُفشل الضغوط الإسرائيلية المهووسة بالتدمير والحروب المتواصلة، وبحيث تسمح بالمفاوضات، غير المباشر لفترة وجيزة على أن تتحول الى مباشرة بعد تحديد ما يمكن وصفه جدول أعمال مقبول من الطرفين الأمريكي والإيراني.

الأيام المقبلة سوف تكشف عن حجم العقلانية التي سيتمسك بها طرفا المواجهة؛ هل هي حرب ضروس، أم تسويات منصفة قابلة للاستمرار؟

(الأهرام المصرية)

يتم التصفح الآن