التضارب في التصريحات الأميركية بشأن قطاع غزة تسهم في إطالة أمد الحرب خاصة أن الرئيس دونالد ترامب، الذي أكد السعي للتوصل الى اتفاق جديد، لا يزال ينظر الى القطاع من بوابة الاستثمار والتطوير العقاري، دون أن ينتبه الى حجم الكارثة الانسانية التي ستنجم عن ذلك وتبنيه العلني لمبدأ التهجير في سابقة هي الأولى من نوعها، رغم رفض العرب جملة وتفصيلًا ذلك خلال قمة القاهرة التي عُقدت مؤخرًا وخلصت الى اعتماد خطة لاعادة الاعمار دون أن يكون لحركة "حماس" دور في "اليوم التالي". هذا وتجد تل أبيب في "العون" الاميركي عزاء وحافزًا لاستكمال تقسيم القطاع كمحاولة لفرض معادلة استراتيجية جديدة على الارض، تتجاوز غزة لتطال خارطة الاقليم برمته بالتزامن مع استمرار تعدياتها شبه اليومية على لبنان وسوريا.
إزاء ذلك، كان لقاء البيت الابيض "الثاني" بين ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو محط اهتمام ومتابعة لانه يأتي في وقت شديد الحساسية والخطورة لجهة الملفات "المعقدة" التي تتصدر قائمة الأولويات في المنطقة والتي عكستها "الدردشة" الاعلامية بين الجانبين. وقد بدا جليًا أن أجواءً مشحونة خيمت على اللقاء بسبب وجود اختلافات عميقة في وجهات النظر، لاسيما في ما يتعلق بالمحادثات مع ايران والدور التركي في سوريا كما الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على تل أبيب وتمسكه بها رغم أنّ نتنياهو تعهد بتصفير العجز التجاري مع الولايات المتحدة.
وما عدا الملف الغزاوي واطلاق سراح المحتجزين لدى "حماس"، والذي بدا أن الرجلين يتفقان بشأنه، ثمة تباينات كبيرة خصوصًا ان نتنياهو كان يطمح الى اعتماد الحل العسكري لا الدبلوماسي مع طهران، كما يريد الحدّ من نفوذ أنقرة في سوريا وهو ما بدا محل تحذير اميركي حين دعاه ترامب الى التصرف "بعقلانية"، مقدمًا نفسه وسيطًا بينهما "في أي مشكلة قد يواجهها" نتنياهو مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أعلن عن الاعجاب المتبادل بينهما.
ولهذا، يمكن القول ان الزيارة وما حملته لم تصب في صالح رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي، وبحسب صحيفة "هآرتس"، كان أشبه بـ"دوش بارد"، مشبهة وضع نتنياهو بوضع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في اشارة الى ما تعرض له الاخير في البيت الابيض حين تلقى "توبيخًا" أميركيًا وصل الى حد مغادرته دون توقيع اتفاق المعادن حينها. يُذكر ايضًا أن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية شكل ضربة أخرى لنتنياهو بعدما أصدرت أمرًا احترازيًا يمنع إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار ويحظر تعيين بديل له.
ومن البيت الابيض الى منطقة العريش الحدودية، والتي شهدت على زيارة تفقدية قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برفقة نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث التقيا عددًا من الجرحى الفلسطينيين، لا سيما من النساء والأطفال، كما تفقدا مركز الخدمات اللوجيستية التابع للهلال الأحمر المصري المخصص لتجميع المساعدات الإنسانية المقدمة من مصر وجميع الدول الموجهة إلى قطاع غزة. وفي هذا الاطار، أكد الرئيس الفرنسي، أن قطاع غزة يعيش فيه مليونا شخص "محاصر"، ولا يمكن الحديث عنه كـ"مشروع عقاري". وأضاف: "لا يمكننا محو التاريخ والجغرافيا. لو كان الأمر ببساطة مشروعًا عقاريًا أو استحواذًا على أراضٍ... لما كانت الحرب اندلعت من الأساس".
التباين في الموقف الفرنسي خصوصًا والاوروبي عمومًا لجهة ما يحصل في غزة تعكسه المواقف الصادرة والتي تطالب بوضع حد للحرب واستئناف المفاوضات، وهو ما يزال غير متاح حاليًا بانتظار الرد الاسرائيلي على المقترح "التوافقي" الذي أعلنت عنه مصر في محاولة لتقليص الهوة بين "حماس" واسرائيل والتوصل الى هدنة مؤقتة في القطاع الذي يشهد أوضاعًا انسانية كارثية مع استمرار الحصار ومنع وصول المساعدات منذ أكثر من شهر. ناهيك عن تعمّد اسرائيل تنفيذ اعمال وحشية بهدف منع أي مظهر للحياة في القطاع، وهو ما حذرت منه حركة "حماس" التي جددت التأكيد أن "التصعيد العسكري لن يُعيد الأسرى (الاسرائيليين) أحياء، وإنما يهدّد حياتهم ويقتلهم، ولا سبيل لاستعادتهم إلا عبر التفاوض".
في غضون ذلك، برز ما أعلن عنه الرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو، في بيان، إذ أكد أن بلاده مستعدة لاستقبال فلسطينيين متضررين من الحرب في غزة، مشددًا على "أن هؤلاء سيكونون في إندونيسيا بشكل مؤقت حتى يتعافوا تمامًا من إصاباتهم ويكون الوضع في غزة آمنًا لعودتهم". وبذلك تكون اندونيسيا أول بلد يعلن رسميًا عن امكانية استضافة فلسطينيين "ولو مؤقتًا". وفي الإطار عينه، أعلنت الأمم المتحدة رفضها خطة اسرائيلية للتحكم في إيصال المساعدات. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن المنظمة لن تشارك في أي ترتيب للمساعدات لا يحترم ما وصفه بـ"مبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد".
التطورات في غزة لم تحجب الانظار عما يجري من تصعيد اسرائيلي مستمر على الجبهة اللبنانية على الرغم من اتفاق وقف النار، حيث استهدفت غارة جوية مبنى قال الجيش الاسرائيلي إنه مستودع أسلحة تابع لمنظومة الدفاع الجوي لـ"حزب الله" في منطقة البقاع شرق لبنان. وفي حين لم ترد أي أنباء عن سقوط قتلى جراء الغارة، تفتح هذه الاستهدافات اليومية الباب على مصراعيه وتقيّد الحكومة الجديدة ودورها خاصة أن الاحتلال لا يزال يتمركز في خمس تلال استراتيجية على طول الحدود مع لبنان ويرفض الانسحاب منها رغم كل الاتصالات والمساعي اللبنانية الرسمية في هذا الاطار.
وبالتزامن قالت صحيفة "الشرق الأوسط" نقلًا عن مصادر رسمية لبنانية أن رئيس الجمهورية جوزاف عون سيقود، بالتعاون مع رئيس البرلمان نبيه بري، حوارًا مباشرًا مع "حزب الله" حول حصر السلاح بيد الدولة، إضافة إلى بحث آلية استيعاب سلاحه وتبديد ما لديه من مخاوف على مستقبله السياسي. وتأتي هذه الخطوة بعد زيادة المطالب الاميركية بحصر الشرعية بيد الدولة اللبنانية منعًا لتفلت الامور والعودة الى أتون الحرب مجددًا.
أما ايرانيًا، فتتوجه الانظار الى المحادثات التي ستجري بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان يوم السبت المقبل وما يمكن أن يرشح عنها من تطورات ستنعكس إما ايجابًا أو سلبًا على المشهد العام. وأصر البيت الأبيض على أن المحادثات ستكون "مباشرة" وسيقودها الموفد الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، وذلك ردًا على طهران التي رفضت على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي أي صيغة بديلة للمفاوضات غير المباشرة. في وقت حذر وزير الطاقة الأميركي كريس رايت من تشديد العقوبات على إيران إذا لم تتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي.
وتزايد الضغوط على ايران وتردّي الاوضاع الاقتصادية في البلاد نتيجة العقوبات المفروضة واعتماد الرئيس ترامب سياسة "الضغوط القصوى" ساهمت في تليين الموقف وقبول طهران بالجلوس على طاولة للمفاوضات، خاصة أن الظروف الاقليمية والدولية لا تصب في صالحها وتدفعها نحو تقديم المزيد من التنازلات والتي تأتي بعد معلومات عن تخليها عن دعم الحوثيين في اليمن كما موافقة فصائل عراقية محسوبة عليها بالتخلي الجدي عن سلاحها دون أن نغفل ما يجري في لبنان لجهة المطالب الاميركية لنزع سلاح "حزب الله" كما التغير الحاصل في سوريا، والذي شكل ضربة قاصمة للنظام الايراني.
ملفات المنطقة على اختلافها ترجمتها عناوين وافتتاحيات الصحف العربية الصادرة اليوم. وهنا نوجز أبرز ما ورد ضمن جولتنا الصباحية:
رأت صحيفة "الوطن" القطرية أن نتنياهو "لم يحصل على ما أراده من لقائه بالرئيس الأميركي"، مشيرة الى أنه "لا يمكن القول إن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في منعطف مختلف، فما هو أهم من ذلك ما سمعناه من ترامب، حيث بدا واضحا أنه لا يزال يؤمن بالمسار الدبلوماسي مع إيران، وهي نقطة لطالما أثارت قلق نتنياهو، الذي يريد توجيه ضربة لإيران، من أجل إحداث تغيير كبير في الشرق الأوسط".
وأثنت صحيفة "الخليج" الاماراتية على القمة الثلاثية التي عُقدت في القاهرة وما حملته من مدلولات سياسية مهمة من حيث توقيتها، والقضايا التي تمت مناقشتها، معتبرة أن "على الإدارة الأمريكية التي تدعم العربدة الإسرائيلية أن تتخذ موقفًا جديدًا يتوافق مع ما دعا إليه الرئيس ترامب بتحقيق السلام في المنطقة، ولكن على أساس القانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، أي التزام العدالة والمساواة، ودون ذلك فإن المنطقة سوف تبقى عرضة للخطر وعدم الاستقرار".
وفي السياق عينه، شددت صحيفة "الجريدة" الكويتية على أن "استمرار ودعم وتعزيز المقاطعة يُعتبر أداة فعالة لمناصرة قطاع غزة، حيث يعكس صوت الشعوب الحية والراغبة في دعم حقوق الفلسطينيين وحقهم بتقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة والتأثير على السياسات الدولية"، متمنية، بحسب قولها، "أن نرى مصداقية لتوجهات ترامب بالتجاوب مع المقترح الفرنسي المصري والأردني للخروج من حالة التدمير والإبادة تمهيداً لسلام يتم بعده تعمير غزة".
أما صحيفة "الغد" الأردنية، فدعت الى "مشروع عربي نهضوي لا يكتفي بالمواقف، بل يؤسس لحالة حضارية شاملة، ترتكز على مشاركة شعبية، واستقلال سياسي واقتصادي، وانتقال من ذهنية ما قبل المجتمع، إلى مجتمع متنوع متحالف، يعمل بأدوات إقليمية تكاملية، بعيدا عن المزايدة أو التبعية". وقالت: "نحن بحاجة إلى عقل مقاوم، لا مجرد بندقية. إلى فكر سياسي يرى في المقاومة حالة علمية إنسانية، تؤسس لحق التعامل مع العدو الخارجي، وتبني في ذات الوقت مجتمعا داخليا قائما على حقوق الإنسان والديمقراطية".
وتعقيبًا على مفاوضات مسقط، لفتت صحيفة "الراي" الكويتية الى أن نصائح وجهت لبيروت "بعدم الرهان على مآلات ما سيجري بين الولايات المتحدة وإيران والذي قد يتطلّب وقتًا للتبلور رغم حرص الإدارة الأميركية على تَفادي الانزلاق إلى عملية استنزافٍ للوقت تتقنها "الجمهورية الإسلامية" لـ"إمرار العواصف"، متحدثة عن وجوب "فصل المسارين بين ما يتعين على لبنان القيام به تحت عنوان نزع سلاح "حزب الله" وبين ما سيكون على جبهة إيران، صدامًا أو احتواءً، في الملف النووي وأخواته".
من جهتها، كتبت صحيفة "البلاد" البحرينية "بينما كانت أنظار العالم تتجه نحو الشرق الأوسط مترقبة بقلق بالغ احتمال نشوب حرب مدمرة بين الولايات المتحدة وإيران، كان الرئيس ترامب يستعد لإطلاق شرارة معركة من نوع آخر، معركة اقتصادية لا تقل ضراوة عن أي صراع عسكري"، جازمة "أننا دخلنا عصرًا جديدًا من عدم اليقين الاقتصادي، حيث لم تعد القواعد القديمة تنطبق، وحيث يمكن لقرار منفرد أن يقلب الموازين بين ليلة وضحاها"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")