عندما وقّع ترامب أمر الرسوم الجمركية الذي طال العالم بأسره، من الحلفاء والخصوم، على حد سواء، وإن بنسب متفاوتة، فإنه كان يراهن على إحداث صدمة لدى الشركاء الدوليين، يأمل من خلالها إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، بما يؤدي إلى ما يسميه إعادة التوازن للاقتصاد الأمريكي، وتقليص العجز التجاري الأمريكي مع بقية دول العالم. هذه الصدمة التي جاءت على شكل "تسونامي" اجتاح العالم بأسره، أثارت مخاوف حقيقية من عواقب الخطوة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
فما اعتبره ترامب "إعلان استقلال اقتصادي"، رأت فيه الأسرة الدولية حرباً تجارية عالمية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية والاتفاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ومعظم دول العالم. ومع ذلك، هناك من دعا إلى التريث والحوار، كما هو الحال بالنسبة لأوروبا، مع تأكيد استعدادها للرد على الرسوم الأمريكية، فيما لجأت الصين، وهي المستهدف الأكبر من هذه الرسوم، إلى مبدأ المعاملة بالمثل، وفرضت رسوماً على السلع والواردات الأمريكية، مماثلة للرسوم التي فرضتها واشنطن على بكين، مع مطالبتها بإلغاء الرسوم الأمريكية التي ستؤدي حتماً إلى حرب ستكون خاسرة للجميع، وستؤدي في النهاية إلى تباطؤ التنمية الاقتصادية وربما إلى ركود الاقتصاد العالمي.
غير أن ترامب وفريقه يرى أن الصين تصرفت بدافع الذعر و"لعبت بشكل خاطئ"، وشدد على أنه لن يتراجع عن خطواته، رغم انهيار البورصات العالمية، بما في ذلك البورصات الأمريكية التي خسرت تريليونات الدولارات، معتبراً أن الحرب التجارية التي أشعلها ستؤتي ثمارها في الولايات المتحدة، داعياً إلى "الصمود"، لأن "هذا الأمر لن يكون سهلاً"، لكن النتيجة النهائية ستكون تاريخية.
وعندما سئل ترامب عن الخسائر، قال "لست قلقاً من الخسائر"، مشيراً إلى أنه "لا يريد أن ينخفض أي شيء. لكن في بعض الأحيان، يتعين عليك تناول الدواء لإصلاح شيء ما". وبينما ذكر فريق ترامب أن أكثر من 50 دولة عرضت التفاوض مع الولايات المتحدة، أوضح ترامب أن على الحكومات الأجنبية دفع "مبالغ طائلة" لرفع الرسوم الجمركية الشاملة.
لكن السؤال الذي يطرحه الخبراء، ماذا لو فشلت هذه الإجراءات في إعادة تموضع الاقتصاد الأمريكي في النظام العالمي، وبالتالي تقليص العجز التجاري؟ يعتقد هؤلاء أن الولايات المتحدة تمتلك الكثير من أدوات الضغط، خاصة إذا ما اتجهت الأمور نحو التصعيد والتصعيد المضاد، وسط مخاوف من الانتقال إلى إجراءات مالية أقسى، مثل تجميد الدولار وحجبه عن تمويل البنوك الأجنبية، والتحكم ببطاقات الائتمان وغيرها، لكنهم يعتقدون أيضاً أن الولايات المتحدة قد تخسر الكثير في هذه الحال، وأن السحر قد ينقلب على الساحر، في النهاية.
الشيء المؤكد حتى الآن أن الحرب التجارية قائمة بالفعل، وأن النظام الاقتصادي العالمي لن يعود كما كان قبل فترة وجيزة، لكن يبقى السؤال عما إذا كان النظام الدولي برمته قد تغير بالفعل، وما هو شكل ومضمون النظام الدولي الجديد؟
(الخليج الإماراتية)