صحافة

"المشهد اليوم"…العشائر تطلق النفير العام وبيان عربي تركي يدعم دمشقاسرائيل تبدي "أسفها" لقصف كنيسة في غزّة وتواصل اعتداءاتها على جنوب لبنان

نزوح العشرات من عائلات العشائر البدوية إثر الاشتباكات مع مسلحين من الدروز والخوف من أعمال انتقامية (رويترز)

رغم فتح خطوط التفاوض بين سوريا واسرائيل برعاية أميركية من أجل اطلاق مسار جديد للتطبيع بين البلدين، الا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضرب عرض الحائط بكل المساعي والجهود وقرر رفع سقف المواجهة والتحدي عاليًا بقصفه، للمرّة الأولى، مبنى قيادة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في العاصمة دمشق في تطور شديد الخطورة ويدل على استهداف مباشر ومتعمد للسيادة السورية وشخص الرئيس أحمد الشرع الذي وجه، بدوره، رسائل للداخل والخارج في الكلمة التي ألقاها فجر يوم الخميس.

وهذه الرسائل الموجهة الى الدروز من جهة والكيان الاسرائيلي من جهة ثانية بدت أشبه بخارطة طريق ستعتمدها الحكومة الحالية في مقارباتها، لاسيما أنها لا تملك القدرات الكافية للدخول في "حرب مفتوحة" وفي الوقت عينه ترفض مخططات الشرذمة والتقسيم واللعب على الوتر الطائفي الذي سيفتح الباب على مصراعيه وسيقوض نظام الحكم لصالح المليشيات والجماعات المسلحة. في وقت تستغل تل أبيب كل الفرص الممنوحة اليها من اجل فرض سيطرتها واعلاء كلمتها بالنار والسلاح. فاسرائيل التي وجدت في الدروز "غب الطلب" من أجل التصعيد ضد الادارة السورية الجديدة ومحاصرتها، وضع رئيس وزرائها شروطًا جديدة تقضي بجعل كل المنطقة جنوب دمشق منزوعة السلاح بالكامل، منصبًا نفسه كحامي للدروز ومدافع شرس عنهم وعن حقوقهم.

تزامنًا، تتعمّق الاختلافات داخل سوريا بين مؤيد للخطوات الدرزية ونزعتها التحررية وبين رافض لزج البلاد في أتون اقتتال طائفي لن يزيد الامور الا سوءًا. ومن هنا لا تبدو الأوضاع تسير نحو هدوء تام خاصة أن الحرب السابقة وما نتج عنها خلّف جروحًا وندوبًا لدى الأغلبية الساحقة من السكان. في وقت تظهر الصور والمشاهد الورادة من محافظة السويداء ارتكابات وتجاوزات جسيمة تؤكد الحاجة الى محاسبة الجناة لاستعادة الثقة "المبتورة". وكانت الساعات الماضية شهدت بدء تطبيق اتفاق وقف النار على وقع خروج القوات السورية وأسلحتها مع حصول بعض "المناوشات" التي لم تصل الى مرحلة الانهيار التام للهدنة مع رصد حركة نزوح عالية من قبل عشائر البدو تفاديًا لتجدد الاعمال الانتقامية ضدهم من قبل المسلحين.

وقد دفعت الانتهاكات بالقبائل العربية في سوريا لاطلاق النفير العام لنجدة هذه العشائر البدوية حيث شنّوا عمليات عسكرية على عدد من القرى والبلدات أبرزها بلدة المزرعة واقتربوا من مدينة السويداء من الجهة الشمالية ناحية طريق دمشق وهذا ما من شأنه أن يزيد من مخاطر الفتنة الدرزية - السنية والتي تزكيها بعض الاصوات "الشاذة". وقال مصدر في قوات العشائر لـ"وكالة الانباء الألمانية" أن عدد مقاتلي العشائر المشاركة في الهجوم يتجاوز 50 ألف مقاتل وأن عشرات الآلاف ينتظر وصولهم فجر اليوم، الجمعة، قادمين من مناطق شرق سوريا ومحافظة حلب وريفها لتقديم الدعم.

إلى ذلك، لاقت التطورات "غير المتوقعة" ادانات عربية ودولية وموجة استنكارات عارمة وسط مخاوف حقيقية من انفجار الاوضاع وتأزمها مع سقوط اعداد كبيرة من القتلى تجاوز عددهم الـ257 شخصًا. وفي السياق، أكدت 11 دولة عربية وإسلامية، خلال بيان مشترك، على دعم أمن سوريا ووحدتها واستقرارها وسيادتها، ورفض كل أشكال التدخلات الخارجية في شؤونها. وجاء ذلك بعد يومين من المحادثات المكثفة حول تطورات الأوضاع في سوريا وضمن سياق توحيد الموقف العربي - التركي. فيما دخلت فرنسا على خط الازمة عبر اتصالات أجراها وزير خارجيتها جان نويل بارو مع نظيريه السوري والإسرائيلي حول هذه القضية. الموقف الاميركي، من جهته، بدا ملتبسًا وغامضًا ولا يعكس حجم الانفتاح الذي أبدته واشنطن تجاه حكومة الشرع في الآونة الأخيرة، اذ اكتفت بالاعلان عن عدم دعم الضربات الاسرائيلية على دمشق كما عدم التغير في سياستها.

في غضون ذلك، تتمدد تل أبيب في المنطقة دون أي رادع وتستخدم التفوق العسكري من أجل فرض أجندتها، ويكاد يكون الوضع في غزة خير دليل على ما يرسم من مخططات "في جناح ليل"، فالتفاؤل الاميركي لم يُترجم واقعًا في مفاوضات الدوحة المستمرة بين الوفد الاسرائيلي ووفد "حماس" دون توقف ولكن من غير الخروج بنتائج حاسمة بينما ترتكب القوات الاسرائيلية المجازر وتدمر كل ما تقع عليه أعينها. وبالنسبة لآخر المستجدات، أفادت وسائل إعلام أميركية واسرائيلية بأن الوسطاء (أي مصر وقطر والولايات المتحدة) قدموا للجانبين المتفاوضين مقترحًا محدّثًا يلّحظ عدة نقاط كانت عالقة وتتعلق بالانسحاب الاسرائيلي من القطاع وعدد الاسرى المُفرج عنهم مقابل الرهائن الاسرائيليين المحتجزين لدى"حماس".

ميدانيًا، الوضع على حاله من قصف وغارات وتدمير تحصد المزيد من أرواح الفلسطينيين الذين يتوقون الى الاعلان عن هدنة تمنحهم فرصة من اجل التقاط أنفاسهم ولملمة جراحهم. وكانت قوات الاحتلال أمس، الخميس، قصفت كنيسة العائلة المقدسة في غزة مخلفة عدد من الشهداء والجرحى. فيما سارع نتنياهو الى تقديم اعتذاره عن "الخطأ" الذي وقع خلال عملية الاستهداف، معربًا عن أسفه "لكل روح بريئة تُزهق". وبموازاة ذلك كشف تحقيق نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية أن شركة أوروبية صنّعت مكونات رئيسيّة لقنابل أدت لمقتل ما يقارب الـ100 طفل فلسطيني على الأقل في قطاع غزة خلال العام الماضي.

ومن غزة ومآسيها الى لبنان بعدما استأنفت اسرائيل ضرباتها واعتداءاتها حيث قُتل شخصين في غارتين منفصلتين، استهدفت الأولى سيارة على طريق عام تول - الكفور قضاء النبطية والثانية استهدفت شاحنة في بلدة الناقورة، جنوب لبنان. ومنذ توقيع اتفاق وقف النار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي واسرائيل تتعمّد خرقه ونقضه بشكل شبه يومي ودون أن تلوح في الافق أي حلول متاحة. يُذكر ان 3600 خرقًا هو العدد الفعلي للانتهاكات الاسرائيلية التي خلّفت وراءها 253 قتيلاً و559 جريحاً، بحسب بيانات رسمية. في اطار متصل، حظر مصرف لبنان المركزي التعامل مع عدد من المؤسسات المالية غير المرخّصة، وأبرزها جمعية القرض الحسن التابعة لـ"حزب الله"، والتي تُعد من أهم مؤسسات الحزب ولكن الولايات المتحدة تعتبرها "غطاء لتمويل الارهاب" وسبق أن كانت عرضة للضربات الاسرائيلية خلال الحرب الاخيرة على لبنان.

في المقلب الايراني، تكثّف الدول الأوروبية من ضغوطاتها على طهران لدفعها نحو العودة الى طاولة المفاوضات وابرام اتفاق نووي جديد خاصة بعد القرار القاضي بتجميد عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسحب كل المفتشين من البلاد ما أثار ادانة دولية واسعة النطاق. ومن هنا أعلنت باريس، أمس، أن وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي أبلغوا نظيرهم الإيراني عباس عراقجي عزمهم على إعادة تفعيل العقوبات على بلاده إذا لم تُحرز طهران تقدّمًا ملموسًا على صعيد التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي المثير للجدل. وكانت طهران هدًدت الأسبوع الماضي من أن إعادة تفعيل هذه العقوبات وفق الآلية المسماة "سناب باك" سيعني "نهاية دور أوروبا في القضية النووية الإيرانية".

وتصدّر الموضوع السوري وتداعياته عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم واليكم أبرز ما جاء:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن ما يجري في سوريا "خطير جدًا ويتجاوز ما تدعيه إسرائيل من حماية طائفة الموحدين الدروز، إنها مجرد أدوات لمخطط أوسع وأكبر، وله تداعيات جيوسياسية وديموغرافية تدخل في صلب المشروع الذي يعمل نتنياهو وحكومته اليمينية، على تنفيذه في إطار رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط"، منبهة من مخاطر "العمل على تفتيت سوريا وتقسيمها إلى كانتونات طائفية، بحيث تسقط كدولة ومؤسسات، وتتحول إلى كيان هش لا يشكل تهديدًا لها (اي اسرائيل). وهو هدف تعمل عليه حكومة نتنياهو تجاه الدول العربية الأخرى التي ترى فيها تهديدًا مستقبليًا لها".

أما صحيفة "الأهرام" المصرية، فأشارت الى أن "الصراع في السويداء هو أحد مظاهر الفوضى السورية بعد قيام الفصائل السورية المتنازعة بالاقتتال فيما بينهم، وقيام الميليشيات المسلحة المتطرفة بإرهاب الأقلية الدرزية والتمثيل بهم ومحاولة إذلالهم"، مضيفة "المفروض أن الثورات الشعبية حينما تندلع فإن هدفها هو الأفضل دائمًا، ولكن ما حدث فى ثورات الخريف العربي يؤكد أنها ثورات "معلبة" لها أهداف أخرى غير التي يتم إعلانها وسوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، والصومال، والعراق أبرز النماذج لذلك"، بحسب تعبيرها.

وتحت عنوان "ليست حربًا بين الدروز والسنّة"، كتبت صحيفة "اللواء" اللبنانية "ليست مجرد صدفة أن تندلع المواجهات العنيفة في السويداء، ويمارس نتنياهو أقصى درجات التصعيد، ويشنّ الغارات على قلب دمشق، مستهدفًا محيط القصر الرئاسي ومبنى وزارة الدفاع، في نفس اليوم المحدد لمثوله أمام المحكمة"، منوهة الى أن "ما جرى في السويداء ليس معارك بين الدروز والسنّة. ومن هنا لا بد من التسلح بالوعي والتبصر والحكمة، من قبل كل الأطراف والعمل معًا لإحباط المخطط الإسرائيلي الفتنوي، قبل أن تلتهم نيرانه ما تبقى من أمن وإستقرار للشعبين السوري واللبناني".

من جهتها، شنّت صحيفة "عكاظ" السعودية هجومًا لاذعًا على حركة "حماس" قائلة الوضع في غزة هو "إما أن تبقى "حماس" مصرّة على التضحية بشعبها حتى يفنى بالجوع والعطش والمجازر مقابل بقاء سلاحها وسلطتها عليه، أو تضحّي بنفسها لأجل شعبها وتعلن التخلي عن الحكم لصالح السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية مقابل إيقاف الحرب". وقالت "هذا الوضع يجب أن لا يستمر ويجب أن لا يترك أهل غزة تحت رحمة حسابات حماس الأنانية التي لا يهمها سوى الحفاظ على سلاحها وسلطتها، ولا يوجد أدنى حق لمسؤوليها الذين يقيمون بأمان ورفاه بالخارج أن يستبدوا بقرارات يدفع ثمنها الشعب المحاصر بغزة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن