صحافة

الصين وأوروبا.. وفرص التقارب

السيد صدقي عابدين

المشاركة
الصين وأوروبا.. وفرص التقارب

الحرب التجارية التي شنّها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العالم، ربما تجعل الكثير من المناطق والدول تعيد حساباتها. سواء على صعيد علاقاتها مع الولايات المتحدة، أو في ما يخص العلاقات بينها. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي والصين من بين المناطق والدول التي يمكن أن يكون لإجراءات ترامب تأثيرات إيجابية فيها.

كل من الصين والاتحاد الأوروبي من أكبر المتضررين من الرسوم الأمريكية، كما أنهما يتبعان سياسة الرد على السلوك الأمريكي. ومن ثم فليس من المستغرب أن يعبر لينغ جي نائب وزير التجارة الصيني عن استعداد بلاده للتعاون مع الجانب الأوروبي "من أجل دعم نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على القواعد، وتعزيز الثقة في التجارة العالمية". العلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي متشعبة ومعقدة في آن واحد، حيث تحقق التبادلات التجارية نمواً مطرداً رغم ما قد يطرأ من خلافات بشأنها ووصلت قيمة التجارة بين الجانبين إلى نحو 780 مليار دولار، بعدما كانت 2.4 مليار دولار فقط منذ خمسين عاماً.

كلا الطرفين الأوروبي والصيني لديه مآخذ على سياسات الطرف الآخر. وفي حالة الاتحاد الأوروبي لا يقتصر الأمر على تصرفات الصين حيال دول الاتحاد، وإنما يتعداه إلى السياسات الصينية في محيطها، فضلاً عما يوجه لبكين من انتقادات في قضايا تعدها من صميم شؤونها الداخلية التي ترفض أي تدخل فيها. من جانبها فإن بكين تأخذ على الاتحاد الأوروبي مسايرته للولايات المتحدة في الكثير من سياساتها التي تستهدفها بشكل صريح وواضح. ومن ثم فإنها كانت تطالب الجانب الأوروبي دائماً بأن يتصرف باستقلالية.

في الظروف الراهنة التي تتميز بالاضطراب وعدم اليقين في ظل إجراءات أمريكية غير مسبوقة تجاه الحلفاء والخصوم على السواء، تبدو الظروف ملائمة لتقارب أكثر بين الاتحاد الأوروبي والصين. لكن مثل هذا التوجه يحتاج إلى ألا يكون طارئاً، وإنما يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً مشتركاً. وفي الوقت نفسه فإنه لابد أن يقوم على درجة عالية من الثقة المتبادلة. ولن يتأتى ذلك إلا إذا كان هناك نقاش جدي وموضوعي حول القضايا الخلافية القائمة، والتي يمكن أن تظهر في المستقبل.

كما أن الواقعية والموضوعية تقتضي من كلا الطرفين عدم الذهاب بعيداً في ما يتعلق بعلاقة كل طرف بالولايات المتحدة. فرغم كل الهزات على صعيد العلاقات بين ضفتي الأطلسي إلا أن الأوروبيين يتمسكون بالتحالف مع واشنطن. والأخيرة ما زالت على موقفها بالنسبة لما تعتبره "تهديداً" صينياً ينبغي التصدي له. ومن ناحية أخرى فإن بكين تدرك تماماً مدى التأثير الأمريكي في القرار الأوروبي، وإلا لما أطلقت مناشداتها المتواصلة بالاستقلال الاستراتيجي الأوروبي.

الاتحاد الأوروبي ما زال يعتبر الصين شريكاً ومنافساً وخصماً نظامياً في نفس الوقت. وهو ما تعتبره بكين جامعاً للتناقضات مسبباً للتشويش، مطالبة أن تكون العلاقات في إطار الشراكة والفوائد المتبادلة. كلا الطرفين لا شك يبحث عن تحقيق مصالحه، وقد يجدان أن من مصلحتهما التقارب في ظل هذه الظروف الضاغطة عليهما من قبل واشنطن. فهل ستقف واشنطن متفرجة في هذه الحالة؟

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن