تتجه الأنظار الى سلطنة عُمان، التي ستقود غدًا السبت، محادثات بين الولايات المتحدة الأميركية وايران، في خطوة لها رمزيتها ودلالتها من حيث التوقيت والمضمون، لاسيما أنها أتت بعد تزايد الضغوط على طهران ودفعها للجلوس على طاولة المفاوضات فيما تمر بظروف اقليمية ودولية مُعقدة بعد التغيّرات الكبرى التي قلبت موازين القوى، بشكل كبير، نتيجة تعرّض نفوذها في المنطقة إلى ضربات هائلة أسهمت بتقويض وتقليص تمددها و"تجريدها" من كل عناصر قوتها وأوراقها التفاوضية التي لطالما رفعتها في أي محادثات سابقة.
وتبرز أهمية هذه المفاوضات على أنها يمكن أن تكون "الفرصة الأخيرة"، ففي حال نجاحها، ستسهم بتخفيف مستوى القلق والتوتر في المنطقة كما يمكن أن ترسي جوًا من الاستقرار وتفتح الباب مواربًا امام "اتفاقيات" أو "صفقات" أخرى يمكن أن توقف الضربات الاميركية المتواصلة على الحوثيين في اليمن كما تقي الفصائل العراقية المحسوبة عليها من مصير مشابه لما يحصل في لبنان واليمن، أما فشلها فسيعني حتمًا توجيه ضربات عسكرية وبالتالي دخول المنطقة برمتها في صراع طويل ودموي.
وبحسب المعطيات والتناقضات المعلنة عبر التصريحات اليومية لكلا الجانبين، فإن إمكانية التقارب والوصول الى نتائج ايجابية لا يزال بعيد المنال، وهذا ما يتخوف منه الشارع الايراني الذي يعاني من ضائقة اقتصادية حادة نتيجة العقوبات المفروضة على البلاد. يُذكر أنه ومنذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، المتهم بترك ايران تعزز توسعها ونفوذها في المنطقة، لم تجر أي مفاوضات مباشرة بين الجانبين والتي أفضت حينها الى الاتفاق النووي والذي انسحب منه ترامب في وقت لاحق.
وقد أسهم هذا الانسحاب كما سياسة الرئيس الاميركي السابق جو بايدن، الذي فشلت مساعيه في تحقيق أي تقدم خلال المحادثات غير المباشرة التي أجريت ايضًا في سلطنة عُمان، الى تشجيع ايران على تخصيب اليورانيوم ورفع نسبته إلى 20 %، ومن ثم إلى 60 %، كما أوقفت العمل بـ"البروتوكول الإضافي" لمعاهدة حظر الانتشار النووي، الذي يتيح لمفتشي "الوكالة الدولية" إمكانية التحقق من أنشطة إيران الحساسة. ويتزامن كل ذلك الضوضاء مع تأكيد "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بأن مخزون إيران من اليورانيوم بنسبة 60% بات يكفي لإنتاج 6 قنابل، وإذا أرادت طهران رفع نسبة التخصيب إلى 90 % المطلوبة لإنتاج الأسلحة. وهذا ما يثير المخاوف والقلق الغربي والدولي رغم تأكيدات ايران بحسن نواياها واستخدامها لأغراض مدنية للطاقة.
في الاطار عينه، ذكر موقع "أكسيوس" أن إيران تدرس مقترحًا لاتفاق نووي "مؤقت" قبل مواصلة المفاوضات بشأن اتفاق شامل. بينما لوح مستشار المرشد الايراني والمشرف الخاص على المفاوضات النووية علي شمخاني، بأن "استمرار التهديدات الخارجية، ووضع بلاده تحت طائلة هجوم عسكري محتمل، قد يدفعان بإيران إلى اتخاذ إجراءات ردعية، أبرزها طرد مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ووقف التعاون معها، ونقل المواد النووية المخصبة لمواقع داخلية آمنة وسرية". من جهته، أمل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في أن تؤدي المحادثات إلى "السلام"، مجددًا التأكيد على "منع ايران من امتلاك سلاحًا نوويًا".
أما أكثر المتضررين من هذه المفاوضات، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فأعلن عن دعمه للجهود الدبلوماسية التي يبذلها ترامب للتوصل إلى تسوية مع إيران، مؤكداً أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتشاركان الهدف نفسه، وهو منع إيران من امتلاك سلاح نووي. كما قال "إنه سيرحب باتفاق دبلوماسي مشابه لذلك الذي أبرمته ليبيا في عام 2003"، وذلك حين تخلّى الرئيس السابق معمر القذافي عن برنامجه النووي السري بالكامل مقابل رفع العقوبات المفروضة على بلاده.
التطورات على جبهة التفاوض الايراني تواكب الجهود الحثيثة المبذولة لوقف النار في غزة والتوصل الى هدنة واطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى "حماس". ووفق المعلومات المتداولة، فإن جوًا ايجابيًا يطغى على مسار الاحداث ويمهد الارضية لاتفاق شامل، حيث بشر الرئيس ترامب بأن واشنطن تتواصل مع إسرائيل و"حماس"، مشيرًا الى تقدم يتحقق دون ذكر المزيد من التفاصيل. وهذه "البشرى" تأتي قبل الزيارة الرئاسية الأميركية المرتقبة للمنطقة، والتي سيبدأها ترامب من المملكة العربية السعودية، كما تتزامن مع تصاعد التوترات في الداخل الاسرائيلي غداة المطالبة بوقف الحرب فورًا واستعادة الاسرى ناهيك عن حالة التمرد والخلافات التي تزداد في إسرائيل ضد نتنياهو.
هذا ووقَّع نحو ألف من جنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي، بينهم طيارون، رسالة احتجاج تدعو لوقف الحرب في قطاع غزة، بحسب ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، معلنين أن "استمرار الحرب لا يؤدي إلى تقدم أي من أهدافها المعلنة، وسيؤدي إلى مقتل الرهائن وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي والمدنيين الأبرياء". في وقت لاقى تصريح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والقاضي بإعلان باريس اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين، شجبًا وتنديدًا من وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي وضعه في خانة تقديم "مكافأة للإرهاب وتعزيز دور "حماس". وعليه، ينتظر الغزاويون بارقة أمل لوقف حرب الابادة والتهجير التي تمارس عليهم فيما يواجهون اعتى الة عسكرية اسرائيلية ترتكب أبشع المجازر والجرائم دون محاسبة أو مساءلة.
ومن الاوضاع الكارثية في غزة والضفة الغربية المحتلة التي تشهد أيضًا على وحشية القوات الاسرائيلية مع توسيع عملية "السور الواقي" العسكرية ضد المخيمات الفلسطينية في جنين ونابلس وطولكرم، إلى تطورات المشهد اليمني مع مواصلة الولايات المتحدة شن سلسلة من الغارات المكثفة على أنحاء متفرقة في البلاد، وأخرها فجر اليوم، الجمعة، وذلك بعد ساعات من إعلان الجيش الأميركي أن حاملة طائرات ثانية وصلت إلى المنطقة لحماية التدفقات التجارية. ووفقًا لمسؤول عسكري أميركي، فقد ضربت الولايات المتحدة أكثر من 100 هدف في اليمن منذ إطلاق حملتها العسكرية ضد الحوثيين في منتصف آذار/مارس الماضي.
لبنانيًا، التطورات تواكب ما يحصل على المستوى الاقليمي خاصة لجهة الجهود التي يقودها رئيس الجمهورية جوزاف عون للبحث بنزع سلاح "حزب الله" دون ادخال البلاد في اتون حرب داخلية اهلية. وفي وقت تجمع كل المصادر والمعطيات على أن الحزب يبدو مستعدًا للحوار في هذا الملف الشديد الحساسية، أكد وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن لبنان "أُبلغ بوضوح أن لا إعادة إعمار ومساعدات دولية قبل حصرية السلاح شمال الليطاني وجنوبه". وسيخيم هذا الملف على مجمل الاحداث في لبنان، بالتزامن مع ملفات اخرى لا تقل اهمية وتشمل الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي يريدها المجتمع الدولي ويطالب بها في اطار استعادة الثقة.
الى ذلك، يبرز الوضع المُعقد في سوريا، لناحية استمرار التجاذبات الاسرائيلية - التركية من جهة والاوضاع الداخلية الضاغطة على ادارة الرئيس احمد الشرع الذي أصدر، أمس، قرارًا بتمديد عمل اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في الأحداث التي شهدتها منطقة الساحل الشهر الماضي، وذلك لمدة 3 أشهر أخرى غير قابلة للتمديد. بدوره، أعرب رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني عن قلق بلاده من التدخل الأجنبي في سوريا، و"وجود قوات الكيان الغاصب على الأرض السورية"، مجددًا موقف بغداد بـ"الوقوف إلى جانب وحدة الأراضي السورية ورفض التدخل الخارجي"، حسبما أفاد بيان للحكومة العراقية.
وتنوعت عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم، اذ أبرزت اهتمامًا بما يجري على مختلف الصعد. وهنا نوجز أبرز ما ورد في الجولة الصباحية:
على صعيد ما يجري في غزة، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن القمة الثلاثية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله والرئيس ماكرون تمثل محورًا أساسيًا فيما يجري من الأحداث بعد أن اختلت كل الموازين أمام حسابات خاطئة تمارسها أمريكا وإسرائيل دون وضع اي اعتبار لمصالح الشعوب وحقوقها في الأمن والاستقرار"، موضحة أن هذا اللقاء "يضع أوروبا والعالم العربي في مواجهة ضد مشروعات أمريكا وإسرائيل تجاه حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته".
ومن وجهة نظر صحيفة "الصباح" العراقية، فإن "سياسة الكيان الصهيوني ومن وراءه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة قد أنتجت حكومات ضعيفة غير مهتمة بشؤون الفلسطينيين، إذ ليس من ضمن أولوياتها دعم الشعب الفلسطيني، مما افسح المجال للكيان الصهيوني بتنفيذ مخطط التوسع والاستمرار به خاصة بعد سقوط نظام الأسد وتقلص نفوذ روسيا في المنطقة"، متسائلة "ولو افترضنا ان ترامب سيتمكن من تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين، لكن هل يملك القدرة على إماتة وجدان الشعوب وحملها على نسيان مظلومية فلسطين وشعبها؟".
صحيفة "اللواء" اللبنانية، بدورها، تطرقت الى أنه "لا خيار أمام واشنطن وطهران سوى المفاوضات، خاصة أن اللهجة الأميركية غير التصعيدية تؤكد نيّة عدم الذهاب نحو التصعيد العسكري"، ملمحة الى أننا "قد نكون أمام سيناريو تراجعات إيرانية في مقابل حصر المحادثات الجديّة بالنووي وتجزئة الملفات العسكرية والخارجية وترحيل بعضها، في موازاة التخفيف من العقوبات على طهران في فترة أولى، وهي التي بات عليها التعامل بواقعية مع متغيّرات المنطقة ما قد يتمظهر في المرحلة المقبلة".
في السياق نفسه، كتبت صحيفة "الراي" الكويتية "تبلور أمس أكثر فأكثر صراعُ الأولويات تحت عنوان "من يسبق من": تسليم اسرائيل التلال الخمس التي تحتلّها في الجنوب والأسرى اللبنانيين، أو تسليم "حزب الله" سلاحه، وسط أسئلة حول هل بإمكان الولايات المتحدة "تنظيمَ" هذا الكباش، الذي تتمتّع تل أبيب باليد العليا فيه". واضافت: "يحاول لبنان الرسمي تَلَمُّس طريق لمعالجة ملف سلاح "حزب الله" بما يُوازن بين الإصرار الدولي والأميركي وبين ألا يشكّل السلاح صاعقًا لتفجير حرب أهلية في سياق عملية سحبه".
من جهتها، تناولت صحيفة "الرياض" السعودية ما يجري على الصعيد الاقتصادي غداة فرض الرئيس ترامب رسومًا جمركية على مختلف دول العالم، معتبرة أن "الرسوم الجمركية الجديدة تحمل مخاطر منهجية على الاقتصاد العالمي، حيث تؤدي سياسات الحماية التجارية إلى زيادة الاعتماد المتبادل السلبي بين الدول". وقالت: "عندما تفرض دولة رسومًا فإنها تخلق حافزًا للدول الأخرى للرد بالمثل، ما قد يتصاعد إلى حروب تجارية شاملة يصعب احتواؤها وتؤدي إلى اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق".
ورأت صحيفة "البلاد" البحرينية أنه "سواء أراد الرئيس ترامب أو لم يرد، فقد أشعل حربًا تجارية واقتصادية طاحنة سيتضرر منها كل العالم وعلى رأسهم الولايات المتحدة نفسها التي سيرتد لها السيف المسلول"، مشددة على أنه "لن ينجو أحد من هذه الكارثة التي هزت أركان كل دول العالم وشعوبها التي خرجت احتجاجًا لهذه السياسات الفردية الأنانية التي تبحث عن مصلحة الذات على حساب الآخرين".
(رصد "عروبة 22")