الأمن القومي العربي

خرائط "الشرق الأوسط الجديد": مصر "خط الدفاع" الأخير!

القاهرة - أحمد أبو المعاطي

المشاركة

تفتح خرائط الشرق الأوسط الجديد، التي أعلن عنها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الباب واسعًا أمام سيناريوات مرعبة في الإقليم العربي المُثخن بالجراح والآلام، وترفع وتيرة التوتّر إلى حدودها القصوى، باتجاه فوضى عارمة، تبدو نُذرها واضحة في الأفق، في ظلّ تجاوز دولة الكِيان جميع الخطوط الحمراء، تنفيذًا لاستراتيجية أميركية معلنة، تستهدف إعادة تشكيل الأوضاع في المنطقة العربية، بما يتماشى مع مصالح القوى الغربية.

خرائط

يرى الكثير من الخبراء أنّ الاستراتيجية الأميركية الجديدة - القديمة في المنطقة، التي تعمل دولة الكيان على تنفيذها بهمّة، انطلاقًا من استمرار عملية التدمير المُمنهج لقطاع غزَّة، وقضم مساحات واسعة من الضفّة الغربية امتدادًا الى الأراضي السورية، ثم السيطرة الكاملة على محور فيلادلفيا على الحدود المصريّة مع غزّة، وما يتزامن مع ذلك من إجبار أعدادٍ غفيرة من الفلسطينيين على النّزوح القسري تحت النيران، تستهدف بالأساس إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة العربية، ضمن خطة ما يُعرف بالشرق الأوسط الجديد، تُعزّز فيه قوى دولية نفوذها الإقليمي عبر مشروع تُشكل دولة الكيان رأس حربته، في مقابل إضعاف نفوذ قوى أخرى منافسة، أو أن يكون البديل هو إشاعة الفوضى في الإقليم كله.

تُعمّق التصرّفات الاسرائيلية النّزقة، من اتساع حلقات النار على الحدود المصرية بصورة غير مسبوقة، لم تشهدها منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" في السابع عشر من سبتمبر/أيلول عام 1978، وهو ما بات يضع الاتفاقية التاريخية بين مصر ودولة الكيان أمام لحظة الحقيقة، بعد أكثر من نصف قرنٍ من السلام البارد، والعديد من اتفاقيات السلام المُعلنة والأخرى السرّية، مع العديد من البلدان العربية، خصوصًا بعدما تجاوزت خريطة الشرق الأوسط الجديد التي قال نتنياهو إنّه سيقوم بـ"تغييره"، حدود التصريحات السياسية الى بروباغاندا ضخمة، تداولتها حسابات رسمية إسرائيلية، وأثارت موجات من الغضب قبل شهور في الأردن والمملكة العربية السعودية، حيث تضمّنت تلك الخرائط التي تُمثّل ما يُسمّى بـ"إسرائيل التاريخيّة"، مساحاتٍ واسعةً من الأردن ولبنان وسوريا، إضافة إلى كامل الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفّة الغربية، التي تُطلق عليها السرديّة التوراتيّة اسم "يهودا والسامرة".

تقف الحدود المِصرية المُلتهبة على أطراف أصابعها، في مشهدٍ يستبق انفجار كبير، تلوح نذره في أفقٍ غائم، وهو المشهد الذي عبّر عنه الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء سمير فرج، أحد المقاتلين الذين شاركوا في حرب أكتوبر عام 1973، والمدير الأسبق للشؤون المعنوية في القوات المسلحة المِصرية، بقوله إنّ "القوات المسلّحة المصرية جاهزة، وعلى أعلى درجة من الاستعداد، لخوض أي حرب حتّى لو كانت هذه الحرب غدًا، أو حتّى بعد ساعة"، مشيرًا الى أنّ مصر "لن تسمحَ بأن يقوم أحد بالاقتراب من شبرٍ واحدٍ من أراضيها"، في إشارة جديدة للموقف الرّسمي الرافض قطعًا لحديث التهجير، حتّى ولو بقوة السلاح.

تبدو سيطرة قوات الاحتلال الكاملة على ممر فيلادلفيا، بمثابة بؤرة التوتّر الأكبر في الأحداث المشتعلة على الحدود مع القطاع، فالممرّ الذي يمتدّ لمسافة 14 كيلومترًا داخل قطاع غزّة، على طول الحدود المصرية - الفلسطينية، ويشمل معبر رفح الذي يُمثّل نقطة الدخول والخروج الوحيدة إلى غزّة من مصر، يشكّل نقطةً شديدة الأهمّية في وثائق الأمن القومي المصري، إذ ظلّت مصر تدير هذا الممر الحيوي وفقًا للتفاهمات الأمنية التي أبرمتها مع إسرائيل عام 2005، قبل أن تقلبَ الحملة العسكرية الدامية على غزّة تلك التفاهمات رأسًا على عقب، بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة على الممرّ، على الرَّغم ممّا أبدته مصر من اعتراضات، على الرَّغم من أنه ومعبر رفح يقعان في أراضٍ فلسطينية، وليس لهما علاقة مباشرة ببنود معاهدة "كامب ديفيد"، حسبما يقول اللواء محمد ابراهيم، الخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، باعتبار ذلك يُمثل انتهاكًا صارخًا للتفاهمات الأمنية بين البلديْن، وأنّ مساعي إسرائيل للسيطرة على هذا المحور الحيوي، تُمثّل خطوةً تصب في هدف واحد، وهو الضغط العسكري من أجل تهجير الفلسطينيين إلى جنوب القطاع، ومنه إلى الحدود المصرية تحت القصف.

تقف القوة العسكرية المصرية في مواجهة الأطماع الاسرائيلية في المنطقة، كخطّ دفاع أخير عن الإقليم كله، ذلك أنّ قراءةً عميقةً للتحرّكات العسكرية الإسرائيلية خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية، تؤكد حسبما يقول الدكتور محمد عبود، أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس، أنّ قوّة الجيش المصري تظلّ هي الحاجز الوحيد ‏بين مصر والأطماع التوسّعية الإسرائيلية، فالقاهرة تمتلك قوةً عسكريةً يقظة، ‏تترقّب وتستعدّ لكلّ سيناريو محتمل،‎‏ ولولا قوّة مصر العسكرية، لكانت إسرائيل ستمضي قُدمًا في مخطّط ‏التهجير بلا هوادة، وهو ما يُفسِّر خروج العديد من الحملات الإعلامية في الداخل الاسرائيلي، ضدّ سياسة التسليح المصرية، حيث ينخرط اليمين الصهيوني وأنصار نتنياهو، وهم مزيج من الإعلام الرسمي واللجان الإلكترونية، في حملات هجوم "مدفوعة" ضدّ مصر وجيشها، لكن في المقابل تحرص أصوات التّكنوقراط في ‏المؤسسة الأمنية والخارجية الإسرائيلية، على إصدار تصريحات على لسان ممثليها تؤكد احترامها لمعاهدة ‏السلام مع مصر.

ويقول عبود إنّ هذه الأصوات التي تحرص على نبرة التهدئة، تدرك تمامًا أنّ الجيش الإسرائيلي قد أصبح "نمرًا على الورق"، فهو من جهة مُنهك ومُستنزَف من الحرب على جبهات عدّة، في غزّة ولبنان وسوريا والضفّة وغيرها، ومن جهة أخرى يعاني حسبما تشير العديد من التقارير، من ‏تراجع معنويات الجبهة الداخلية، وكثرة الإصابات العضوية والنفسية بين الجنود، بل إنّه بات يُعاني مؤخّرًا من انخفاض معدّلات استجابة جنود الاحتياط لأوامر الاستدعاء، وجميعها مشكلات تخصم من ‏جاهزيته لدخول حرب مع جيش نظامي قوي، ومُسلّح بأحدث المعدات العسكرية مثل ‏الجيش المصري.

لا يختلف السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، وعميد كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، مع ما يحذّر منه الكثير من الخبراء، من الخطة الأميركية - الإسرائيلية، التي تستهدف إعادة تشكيل الشرق الأوسط، جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وعلى صعيد الأمن القومي أيضًا، مشيرًا إلى أنّ هذه الخطة التي قد تسفر عن تغييرات استراتيجية بعيدة المدى، يجب أن تدفع الدول العربية، إلى الانخراط والتعاون بشكل فعّال، عبر بناء تكتلٍ عربي موحّد، لمواجهة هذه التغييرات، وصياغة رؤى مستقبلية لبنية أمنية أكثر قوة وعدالة تمنع محاولات الآخرين من إعادة تشكيل المنطقة وتقسيمها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن