تصعيد في الداخل الإسرائيلي

تتوالى العرائض الإسرائيلية التي تُنشر تباعاً من جانب مئات الجنود والضباط في الاحتياط، وبعضهم في الخدمة الفعلية، للمطالبة بوقف الحرب على غزة وإبرام صفقة تبادل للأسرى، لكنها لا تجد آذاناً صاغية لدى المستوى السياسي، تماماً كما هو حال التظاهرات المتواصلة، وكل الأصوات الرافضة لاستمرار الحرب.

مئات من الطيارين المتقاعدين وممن يخدمون في الاحتياط يناهز عددهم الألف جندي وضابط، ومئات آخرين من جنود البحرية والمدرعات، إلى جانب مئات الأطباء العسكريين، علاوة على شخصيات عسكرية بارزة، معظمهم جنرالات سابقون، وقّعوا على عرائض للمطالبة بوقف الحرب وتبادل الأسرى، فيما لا يزال مئات آخرين ينتظرون الانضمام للتوقيع على عرائض أخرى قيد التشكل، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.

غير أن القيادة السياسية تجاهلت كل هذا الحراك، بل قررت معاقبة وطرد من هم في الخدمة الفعلية، واتهمتهم بأنهم مجموعة من المتمردين الذين يتلقون الدعم من منظمات غير حكومية بهدف تقويض المجتمع الإسرائيلي وإسقاط حكومة اليمين في زمن الحرب، كما يقول نتنياهو. غير أن هؤلاء يؤكدون في عرائضهم جاهزيتهم للخدمة، لكنهم يؤكدون أيضاً "أن الحرب الآن تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية وليس مصالح أمنية، واستمرارها لا يسهم في أي من أهدافها".

ويذهب هؤلاء إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقدون أن "الحكومة تروّج، في الوقت نفسه، لسياسات تمييزية بينها ميزانيات قطاعية، وإعفاء شامل من الخدمة العسكريّة (في إشارة للحريديين)". ويرون أن نهج "عدم المساواة في تحمل الأعباء، يُشكّل انتهاكاً للأساس الاجتماعي للأمن القومي، ويواصل تفكيك التماسك الاجتماعي في إسرائيل.

بهذا المعنى، يمكن القول إن الانقسام الإسرائيلي يذهب نحو منحى تصعيدي، يتعدى حدود المطالبة بوقف الحرب وتبادل الأسرى، إلى الاعتقاد بأن "هناك سلوكاً حكومياً يقوض القضايا الأمنيّة، تمليها اعتبارات غير مشروعة". كما أنه يظهر بوضوح الانقسام الحاصل بين المؤسستين العسكرية الأمنية، من جهة، والسياسية، من جهة أخرى، والذي يأتي تتويجاً للانقسام المجتمعي منذ ما قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث لم يعد الأمر يقتصر على التظاهرات التي ينظمها أهالي الرهائن وأحزاب المعارضة، وإنما وصل إلى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية نفسها، فيما بات هذا الانقسام، بعد السابع من أكتوبر، يتمحور حول تحمل مسؤولية الإخفاق في التعامل مع الهجوم.

ومع مرور الوقت، وعدم تحقيق أهداف الحرب، بات الإسرائيليون أنفسهم يدركون عدم جدوى استمرارها، وأن الرهائن المحتجزين في غزة لن يعودوا إلا بصفقة تبادل، وأنه بخلاف القتل والدمار، لا يفعل نتنياهو سوى إطالة أمد هذه الحرب للبقاء في السلطة ومنع تفكك ائتلافه الحكومي. يأتي كل ذلك، بينما الاحتجاجات تتسع وسط تحذيرات إسرائيلية متكررة من اندلاع "حرب أهلية"، وآخرها ما قاله رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، من أن "إسرائيل تقترب من حرب أهلية أكثر من أي وقت مضى".

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن