على وقع مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والسعي الى التفاوض مع دول أخرى بشأن استيعابهم وتبرير ذلك بما حصل سابقًا خلال الحروب التي اندلعت في سوريا وأوكرانيا وأفغانستان، أعاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خطاب الاطماع التوسعية مغازلًا اليمين المتطرف قبل ساعات من مصادقة رئيس هيئة الاركان إيال زامير على "الخطوط العريضة والمركزية" لخطة احتلال غزة وإعطاء الاوامر برفع جهوزية قوات الجيش الاسرائيلي. وهذا الحلم "يدغدغ" نتنياهو الذي طرح نفسه كـ"مخلص" يحمل على عاتقه "مهمة أجيال" لتحقيق مخطط ما أسماه بـ"اسرائيل الكبرى" الذي يضم أيضًا أجزاء من مصر والأردن. فوفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، استُخدمت عبارة "إسرائيل الكبرى" بعد حرب 1967 للإشارة إلى إسرائيل ومناطق القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية.
وقد فجر هذا التصريح لـ"نتنياهو العاطفي" غضبًا عربيًا وانتقادات واسعة، حيث أدانت كل من السعودية وقطر والأردن ومصر والجامعة العربية ما ورد على لسانه ووصفته بأنه اعتداء على سيادة دول عربية. فيما دعت حركة "حماس" الى "اتخاذ خطوات جادة لدعم صمود الفلسطينيين، وقطع العلاقات وسحب السفراء من هذا الكيان الفاشي، ووقف كل خطوات التطبيع المُهينة، والتوحد خلف خيار مواجهة الاحتلال والتصدي لمخططاته". ويأتي ذلك في وقت صعّدت فيه قوات الاحتلال من عملياتها العسكرية على مدينة غزة تحديدًا، والتي تشهد منذ أيام قصفًا عنيفًا ونسف ما تبقى من المباني والاحياء السكنية، وسط مناشدات فلسطينية بانقاذ الارواح لاسيما ان المخطط الاسرائيلي بعد اقرار خطة احتلال المدينة يهدف الى تهجير مليون فلسطيني يعيشون في هذه البقعة الجغرافية. وقد استشهد أمس، الأربعاء، 100 فلسطيني من بينهم 38 من منتظري المساعدات كما حصدت حرب التجويع المتواصلة 8 ضحايا جدد ليرتفع عدد الشهداء إلى 235 من بينهم 106 أطفال منذ بداية حرب الابادة الاسرائيلية.
ويدفع الفلسطينيون حياتهم يوميًا ليس فقط بسبب القصف الوحشي بل بحثًا عن الغذاء بعد أن ساهمت اسرائيل عبر "هندسة المجاعة" الى حصد أرواح عشرات الفلسطينيين سواء عبر استهدافهم بشكل مباشر خلال الانتظار امام مراكز توزيع المساعدات الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية" (1859 شهيدًا) او عبر استخدام التجويع كسلاح حرب بعد فرض حصار شامل على القطاع ومنع دخول أي سلع او ادوية طبية ناهيك عن قطع المياه (235 شهيدًا) وصولًا الى خيار الإنزالات الجوية للمساعدات، كما تعمد العديد من الدول مؤخرًا، والتي حصدت (23 شهيدًا) دون أن تسهم في التخفيف من حدة المجاعة التي تضرب القطاع بأكمله وسط تنديد وشجب يومي أممي ولكن دون أي فائدة. ووسط هذه الحالة المأساوية، برز تحدي جديد امام الفلسطينيين حيث أطلق مدير الإغاثة الطبية في غزة الدكتور محمد أبو عفش نداءًا عاجلًا بعد تسجيل القطاع الصحي في يوم واحد نحو 300 إصابة بأمراض جلدية بينما لا تتوفر الأدوية اللازمة لعلاجها.
في السياق عينه، أكد خبراء في الأمم المتحدة، أمس، أن التدمير الذي يطال نظام الرعاية الصحية في غزّة على يد الجيش الإسرائيلي يرقى إلى مستوى "الإبادة الطبية"، متهمين تل أبيب بمهاجمة وتجويع العاملين في القطاع الطبي والمسعفين والمستشفيات بشكل متعمد للقضاء على هذا القطاع. يُذكر أن "منظمة الصحة العالمية" تحدثت عن تنفيذ 735 هجومًا على الرعاية الصحية في غزة في الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى 11 حزيران/يونيو 2025 مخلفة وراءها 917 شهيدًا وإصابة 1411 آخرين. وبات من المعروف ان الاحتلال يتعمد القضاء على كل فرص الحياة وتضييق الخناق على الفلسطينيين وتحويل القطاع الى مكان غير قابل للعيش. وبينما ينجح هذا المخطط، يستمر حراك الوسطاء بهدف الدفع نحو العودة الى المفاوضات وكسر الجمود الحاصل.
وبدأ وفد "حماس" من القاهرة "لقاءات ومحادثات تركز حول سبل وقف الحرب على القطاع، وإدخال المساعدات، وإنهاء معاناة شعبنا في غزة"، وفق ما أفاد به القيادي في الحركة طاهر النونو. فيما ذكرت "القناة 12" الإسرائيلية أن تل أبيب تدرس إمكانية إرسال وفد رفيع المستوى إلى الدوحة في وقت لاحق من هذا الأسبوع، للقاء مسؤولين قطريين في إطار جهود استئناف المفاوضات التي يسعى نتنياهو الى أن تكون وفق شروطه "التعجيزية" بعدما باتت "حماس" "محشورة" دون اوراق تفاوضية كبيرة خاصة ان الرهائن انفسهم ليسوا ضمن الاولويات الاولى بعد اقرار خطة احتلال غزة وعدم الرضوخ لمطالبات اهالي الاسرى بوقف الحرب وابرام صفقة تبادل. فالمطامع الاسرائيلية لخصها نتنياهو بتهجير الفلسطينيين وحلم اقامة "اسرائيل كبرى". وتتزامن هذه المحاولات مع اعلان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن بلاده بدأت تدريب 5 آلاف شرطي فلسطيني بالتنسيق مع الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية لسدّ الفراغ الأمني في قطاع غزة حال وقف الحرب.
لبنانيًا، برزت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الذي التقى الرؤساء الثلاثة فيما تمر البلاد بمرحلة مفصلية بعد اتخاذ قرار حصر السلاح بيد الدولة وبسط نفوذها على كامل اراضيها. الزيارة الايرانية التي تواكب التطورات سواء في لبنان والعراق تحاول من خلالها طهران الحفاظ على ما تبقى لها من اوراق تفاوضية، خاصة ان بغداد تسير على خطى لبنان في مسألة السلاح وتفكيك المليشيات الموالية لايران وهو ما استدعى اعادة دور لاريجاني المُغيّب منذ سنوات عن الساحة. وفي هذا الاطار، بدا الموقف اللبناني واضحًا اذ قال رئيس الجمهورية جوزاف عون لضيفه "إن لبنان الذي لا يتدخل بشؤون أي دولة أخرى ومنها إيران، لا يرضى أن يتدخل أحد في شؤونه الداخلية"، بينما لم يتأخر رد لاريجاني الذي انتقد من عين التينة وبعد اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس النواب نبيه بري "من يتدخل في الشأن اللبناني ومن يخطط لكم، ويعطيكم جدولًا زمنيًا من على بُعد آلاف الكيلومترات"، في إشارة واضحة إلى الورقة الأميركية التي تسلّمها لبنان من المبعوث توم برّاك.
وموقف الرئيس عون لم يختلف عن الذي ادلى به رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الذي شدد على أن قرارات الحكومة اللبنانية "لا يُسمح أن تكون موضع نقاش في أي دولة أخرى. فمركز القرار اللبناني هو مجلس الوزراء، وقرار لبنان يصنعه اللبنانيون وحدهم، الذين لا يقبلون وصاية أو إملاء من أحد". وتمثل هذه الزيارة تحديًا ايرانيًا بعد التغيرات التي طرأت على المشهد في منطقة الشرق الاوسط وخاصة بعد الضربات الاسرائيلية الموجهة لطهران وسقوط حليف ايران الاول نظام بشار الاسد في سوريا ليحل مكانه "ألد أعدائها" في مراكز الحكم كما انها تمثل رسالة دعم صريحة لـ"حزب الله" بعد الخسائر التي مُني بها على المستوى القيادي والعسكري ومحاولة تأكيد بأن ايران لا تزال تتمسك بدورها ونفوذها في لبنان ولن تتنازل بسهولة عنه، ما يعني عمليًا اتساع الفجوة بين طهران ولبنان الرسمي وما ستحمله الايام المقبلة من تحوله الى ساحة لتبادل الرسائل الاميركية - الايرانية دون غياب اسرائيل عن هذا المشهد.
واللافت كان الجولة الميدانية التي قام بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ايال زامير والمواقف التي أطلقها، حيث تحدث مع القادة والمقاتلين من القوات النظامية والاحتياط، مؤكدًا أن الجيش يعمل وفق "مفهوم استراتيجي جديد" يقوم على المبادرة والهجوم الدائم لإحباط التهديدات. وقال: "لن نعود إلى الوراء، ولن نسمح للتهديدات بالنمو. الإنجازات التي حققناها في المنطقة الشمالية غير مسبوقة، فمنذ وقف إطلاق النار تم القضاء على أكثر من 240 مخربًا، وتنفيذ نحو 600 غارة جوية". وأضاف: "صادقنا صباح اليوم على خطط احتلال غزة، والآن نحن في لبنان، ونعمل كذلك في سوريا واليمن ويهودا والسامرة (في إشارة إلى الضفة الغربية المحتلة)، ونتابع ما يجري في إيران. نخوض حربًا متعددة الساحات ونكيّف تصوراتنا مع التهديدات"، بحسب زعمه.
التهديدات الاسرائيلية التي تغيّر معالم المنطقة لا تختلف كثيرًا عما يجري في سوريا التي تواجه مخططات العبث بالأمن ومخاطر التقسيم والفتن، وهو ما كان واضحًا على لسان وزير خارجيتها أسعد الشيباني الذي رفض بشكل قاطع ما جاء في مؤتمر الحسكة وحذر من أن "استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة"، رافضًا ما اسماه استغلال أهالي السويداء من قِبل إسرائيل أو غيرها فـ"حماية السويداء وسكانها هي مسؤولية الدولة السورية". كلام الشيباني جاء خلال لقاء عقده مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي بدوره اتهم إسرائيل بالعمل على إثارة الفوضى في سوريا، والسعي لإضعافها وزعزعة استقرارها. وقد تخلل الزيارة التوقيع على اتفاقية دفاعية "غير مسبوقة" تشمل تدريب واستشارات عسكرية على مستوى وزارتي الدفاع السورية والتركية، اضافة الى دورات تدريبية وبرامج ومساعدات فنية تهدف إلى تعزيز وتطوير إمكانات الجيش السوري.
في الشأن الدولي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يرغب في تنظيم لقاء بينه وبين نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد القمة التي ستجمعه مع الرئيس الروسي غدًا الجمعة في ألاسكا، بهدف وضع حد للحرب المستمرة في أوكرانيا. واذ ربط ذلك بنتائج اللقاء الثنائي، توعد موسكو بـ"عواقب وخيمة" في حال عرقلت تحقيق السلام. ويحدث هذا التفاوض فيما حققت القوات الروسية أكبر تقدم لها خلال 24 ساعة في الأراضي الأوكرانية منذ أكثر من عام، وفق تحليل لـ"وكالة الصحافة الفرنسية". وبانتظار ما ستحمله "قمة ألاسكا" من معطيات، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة اشارتها الى أن الرئيس زيلينسكي والزعماء الأوروبيين عرضوا على ترامب خمسة خطوط حمراء، وتتضمن وقف إطلاق النار بوصفه شرطًا مسبقًا لأي محادثات مستقبلية، وأن تبدأ أي مناقشات حول الحدود من خطوط التماس الحالية، فضلًا عن تقديم ضمانات أمنية غربية مُلزمة يجب أن تقبلها موسكو.
أما الصحف العربية الصادرة اليوم فقد ركزت على ما يجري في المنطقة على عدة أصعدة، ولاسيما الشأنين اللبناني والفلسطيني، واليكم موجز بأهم ما ورد فيها:
تحت عنوان "تصريحات استفزازية عبثية"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "أطماعٌ توسعيةٌ واستعماريةٌ فاضحةٌ كشف عنها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأكثر تطرفًا وإجرامًا بإطلاقه تصريحات شعبوية جوفاء عن رؤية إسرائيل الكبرى مخاطبًا جمهور التطرف الإسرائيلي وعازفًا على أوتار تلمودية تمهّد لقضم أراضٍ عربية داخل فلسطين المحتلة ودول الجوار العربي"، مضيفة "السكوت الدولي المريب عن الجرائم الإسرائيلية والعربدة التي يمارسها جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين هو الذي أعطى إسرائيل المسوّغ للتمادي في خططها الاستعمارية التوسعية".
وشددت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن "الوضع فى غزة أصبح شديد المأساوية، في ظل ارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ المعاصر، وهو ما يحتاج إلى تضحيات مؤلمة، للتعامل مع تلك الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، ووقف مخطط الإبادة والتهجير بحق المواطنين في القطاع المنكوب"، لافتة الى أن "مفاوضات الهدنة الجارية الآن هي مفاوضات الفرصة الأخيرة، وعلى العالم العربي دعم مصر وقطر في جهودهما للوصول إلى اتفاق نهائي، وأن يكون هناك تنسيق عربي عربي في هذا الإطار لإيقاف تلك المحنة غير المسبوقة في التاريخ المُعاصر".
صحيفة "عكاظ" السعودية، من جهتها، اشارت الى أن "ما ينقص العالم العربي ليس كثرة السياسيين، فهؤلاء موجودون في كل زاوية، بل هو غياب القادة الحقيقيين. القائد الحق هو من يضع مصلحة شعبه ووطنه فوق كل اعتبار، مع إدراكه الواقعي لأدواته وقدراته، وفهمه العميق للظروف الدولية والإقليمية المحيطة، ومعرفته بموقع بلاده في ميزان القوى"، معتبرة أنه "آن الأوان لأن يستخلص العالم العربي الدرس الأكبر من تاريخه المعاصر: أن الانتصار لا يتحقق بالشعارات ولا بالمغامرات، بل ببناء القوة الحقيقية، وتحقيق التنمية الداخلية، وصياغة استراتيجية عقلانية تستند إلى قراءة واعية للواقع الدولي"، بحسب تعبيرها.
في سياق أخر، رأت صحيفة "الوطن" البحرينية أن "السلاح الحزبي اللبناني أمره انتهى، بقرار لبناني عربي دولي، فإما تسليم السلاح للدولة اللبنانية، أو تركه لإسرائيل لتفجره، هذه خيارات "حزب الله" الآن". واردفت قائلة "كل الأعذار التي يتذرع بها الحزب رافضًا القرار اللبناني الوطني، لم تعد مجدية أو مقنعة لأحد حتى لنفسه، فلا الاتهامات التي يرميها الحزب على الحكومة بأن ذلك قرار إسرائيلي أو أمريكي أو أجنبي يجدي نفعًا، ويحول بينها وبين تسليمه، فتلك رغبة شعبية لبنانية عبر عنها اللبنانيون مباشرة أو عبر نوابهم وبكل الطرق، أو الحجة والواهية بالادعاء بأن بقاء السلاح في يد الحزب مسألة عقائدية ودينية، أو أنه لحماية لبنان.. إلخ كلها أعذار لم تعد صالحة للاستهلاك".
بدورها، تحدثت صحيفة "اللواء" اللبنانية عن أن وقائع جولة رئيس مجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني، على المسؤولين اللبنانيين، اظهرت شرخًا كبيرًا في العلاقات اللبنانية الايرانية، وبعدًا شاسعًا في سياسات ومواقف الدولتين"، جازمة بأن "مواقف لاريجاني اظهرت تبني ايران لمواقف الحزب، من رفضها لورقة المبعوث الاميريكي توم براك، بالتلميح الى الاملاءات والجداول الزمنية، ولكن من دون تسميتها بالاسم، كما بالاعتراض الضمني على قرار الحكومة اللبنانية، بحصر السلاح بيد الدولة وحدها، واصرارها على ابقاء السلاح بيد الحزب".
(رصد "عروبة 22")