صحافة

"المشهد اليوم"…عقبات جديدة أمام مفاوضات غزّة والأردن يحبط "الفوضى"واشنطن تستعد لخفض قواتها في سوريا وتشترط وقف إيران تخصيب اليورانيوم لإبرام "صفقة"

الأردن يحبط مخططًا لإثارة الفوضى والتخريب (وكالات)

لا تختلف الظروف والمعطيات التي تفرض نفسها على واقع المشهد الغزاوي، الذي يشهد يوميًا المزيد من سقوط الشهداء والجرحى وسط استغاثات ونداءات أممية بضرورة ادخال المساعدات بشكل عاجل، في وقت تتوالى فيه مقترحات الوسطاء المصريين والقطريين دون الوصول الى نتيجة مثمرة وملموسة تضع حدًا لمعاناة سكان القطاع بسبب تمسك اسرائيل بشروطها بل السعي لفرض شروط جديدة في كل مرة تشهد فيها المفاوضات تقدمًا ملموسًا ما يعيدها الى المربع الأول.

وفيما يتوقع أن تعلن "حماس" عن ردها على المقترح الاسرائيلي الجديد خلال الـ 48 ساعة المقبلة، تبرز معضلات حقيقية من شأنها أن تعيق أي تقدم. فالحركة التي وافقت على اطلاق سراح المحتجزين لديها جميعهم على دفعة واحدة او دفعات كما أبدت استعدادها للتخلي عن ادارة القطاع في "اليوم التالي"، تجد اليوم نفسها امام مطالب اكثر جدية وتتلخص بالحديث عن نزع سلاحها وهو ما لا تزال ترفضه، الا في حال ترافق مع قيام دولة فلسطينية، الأمر الذي يعتبره رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتيناهو مرفوضًا بحجة أن ذلك سيمثل "مكافأة كبيرة للإرهاب"، بحسب ما جاء على لسانه خلال اتصال هاتفي جمعه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي دعا الى ضرورة وقف إطلاق النار ونزع سلاح حركة "حماس" وفتح كل المعابر أمام المساعدات الإنسانية.

كما أن عائقًا أخر يبرز أمام تحقيق تطور ملموس ويتلخص بتمسك "حماس" بمطلبها بإنهاء الحرب وانسحاب اسرائيلي كامل من القطاع، وهو ما يرفضه أيضًا نتنياهو معلنًا التمسك بوقف مؤقت لاطلاق النار، خاصة أنه يرفع شعار استمرار الحرب حتى القضاء على الحركة بشكل كامل. وعليه تقف المفاوضات امام نقطة مفصلية ما لم يتدخل الوسطاء مجددًا لتدوير الزوايا وهدم الفجوات بين الطرفين، خاصة أن المعطيات الحالية تشير الى وجود ضغط اميركي للتوصل الى اتفاق قبل زيارة الرئيس دونالد ترامب الى الخليج والمتوقعة الشهر المقبل.

هذا ولا يزال الوسطاء يأملون بتجاوز العقبات والتوقيع على اتفاق هدنة جديدة في غزة، حيث شدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في لقاء جمعهما بالعاصمة الكويتية، أمس، على ضرورة وقف إطلاق النار ومواصلة تبادل الرهائن والمحتجزين، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وفق بيان صحافي صادر عن الرئاسة المصرية. وبالتزامن مع التحركات السياسية تزداد الضغوط على حكومة نتيناهو داخليًا، حيث نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر اشارتها الى أن عدد الإسرائيليين الموقعين على عرائض لوقف الحرب وإعادة الأسرى تجاوز 100 ألف في 5 أيام، لافتة إلى أن أزمة الاحتجاجات في صفوف قوات الاحتياط أكثر بكثير مما يتم الإعلان عنه.

وتترافق الضغوط بوجه نتنياهو مع تزايد المخاطر على حياة الأسرى نتيجة استئناف القتال وتوسيع العمليات العسكرية. وبينما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي يتحدث عن زيارة قام بها الى شمال قطاع غزة، دون تقديم المزيد من التفاصيل، أعلن الناطق باسم كتائب "القسام"، أبو عبيدة، فقدان الاتصال مع المجموعة الآسرة للجندي الاسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر بعد قصف مباشر استهدف مكان تواجدهم، قائلًا "تقديراتنا أن جيش الاحتلال يحاول عمدًا التخلص من ضغط ملف الأسرى مزدوجي الجنسية". يُذكر ان هذا الجندي كان محل تفاوض بين الادارة الاميركية و"حماس" خلال اللقاءات المباشرة التي جرت في الأونة الاخيرة قبل فشلها بتحريض اسرائيلي.

في السياق نفسه، يستمر الاحتلال في حربه الشعواء على الضفة الغربية حيث عمد الى اقتحام عدة مناطق وبلدات وأقام حواجز عسكرية للتضييق الخناق على الفلسطينيين، في حين يواصل المستوطنون اعتداءاتهم ضد السكان من خلال مصادرة اراضيهم وممتلكاتهم كما مصادر عيشهم ورزقهم. يُشار إلى أنه منذ عملية "طوفان الاقصى"، صعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 948 فلسطينيًا، وإصابة قرابة 7 آلاف، واعتقال 16 ألفًا و400 فلسطيني، وفق تقارير رسمية.

ومن الاوضاع المتفاقمة في غزة والضفة الغربية الى المعلومات التي نقلتها "رويترز" عن مسؤوليْن أميركيْين ومفادها أن الجيش الأميركي يستعد لدمج قواته في سوريا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، في خطوة قد تُقلص عددها إلى النصف. ويثير هذا التخفيض قلقًا لدى تل أبيب، التي ومنذ سقوط نظام بشار الأسد تسعى لفرض وقائع جديدة عبر توسيع المنطقة العازلة واستهداف مقار ومراكز عسكرية وامنية سابقة والقضاء على ترسانة سوريا من الاسلحة بحجة الدفاع عن أمنها. وتأتي هذه الخطوة على وقع اجراء وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث مراجعة عالمية للقوات العسكرية الأميركية حول العالم.

ويعمد ترامب، منذ وصوله الى سدة الرئاسة، الى اعتماد مقاربات وسياسات مختلفة عن نظرائه السابقين في ما يتعلق بالملفات الحساسة. فرغم حديثه المتكرر عن ارساء السلام، تتجه المنطقة الى مزيد من التعقيدات نتيجة الضربات العسكرية الاميركية على قواعد الحوثيين في اليمن، وتفاقم الحرب على قطاع غزة، ناهيك عن استمرار الخروقات الاسرائيلية لاتفاق وقف اطلاق النار في لبنان وصولًا الى تهديداته المتكررة لايران بقصفها في حال فشل المفاوضات الحالية والهادفة الى ابرام اتفاق جديد بشأن ملفها النووي. وفي الاطار، طالب المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إيران بوقف تخصيب اليورانيوم قبيل جولة أخرى من المحادثات النووية، مشيرًا إلى أن "أي اتفاق نهائي لا بد أن يضع إطارًا للسلام والاستقرار والرخاء في الشرق الأوسط".

ويعدّ قبول إيران وقفًا شاملًا لبرنامجها للتخصيب النووي في إطار إبرام اتفاق أمرًا بعيد المنال، ومن هنا كانت تحذيرات المرشد الإيراني علي خامنئي الذي دعا الى تجنب "الإفراط في التفاؤل كما التشاؤم"، مشيرًا إلى أن "الخطوط الحمراء واضحة تمامًا". من جهته، أعلن "الحرس الثوري" أن "أي مفاوضات بشأن القدرات الدفاعية خط أحمر ولا يمكن المساومة عليها تحت أي ظرف". وهذه التصريحات تكشف عمق الهوة بين الطرفين ووجود الكثير من الملفات العالقة والتي ستصعب التوصل الى اتفاق رغم حاجته للتخفيف من حجم التوترات الاقليمية والعربية.

إلى ذلك، تشهد المنطقة المزيد من المخاطر الخارجية وما يعقبها من اخرى داخلية تجلت أمس مع اعلان الأردن إحباط "مخططات كانت تهدف إلى إثارة الفوضى" على أراضيه، حيث تم توجيه اتهامات الى 16 شخصًا بتصنيع صواريخ وحيازة مواد متفجرة، ومشروع لتصنيع طائرات مسيَّرة، وتجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج. وأكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى لصحيفة "الشرق الأوسط" أن هؤلاء المتهمين "تلقوا أموالًا من دول إقليمية، وتدربوا في الجنوب اللبناني، مما يشير لاتصالات مع عناصر من"حزب الله"، ومع قيادات سياسية وعملياتية من حركة "حماس" مقيمة في لبنان".

هذه الاتهامات الخطيرة على المستوى اللبناني، دفعت رئيس الوزراء نواف سلام الى اجراء اتصالًا بنظيره الأردني جعفر حسان، معربًا عن تضامن لبنان الكامل مع الأردن في مواجهة أي مخططات للنيل من أمنه واستقراره، ومبديًا "كل الاستعداد للتعاون". وترافق الاعلان عن مخطط الفوضى مع زيارة يقوم بها الرئيس جوزاف عون الى العاصمة القطرية، الدوحة، في سياق حشد الدعم للبنان عبر "المساهمة في تعزيز سلطة الدولة وجيشها على جميع الأراضي اللبنانية"، متحدثًا عن "امكانية التحاق عناصر "حزب الله" بالجيش والخضوع لدورات استيعاب مثلما حصل في نهاية الحرب في لبنان مع أحزاب عديدة مطلع تسعينيات القرن الماضية"، جازماً "بأنه لن يحصل أي استنساخ لتجربة الحشد الشعبي العراقية في لبنان".

في المشهد السوداني، دانت الخارجية الأميركية بقوة هجمات قوات "الدعم السريع" على المدنيين، لاسيما في مناطق الفاشر ومخيمي زمزم وأبو الشوك، داعية لحمايتهم وفتح ممرات إنسانية لتمكين وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها. ويأتي ذلك في حين أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قيام حكومة موازية في السودان تمثل "الوجه الحقيقي" للبلاد، وذلك مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث وسط ظروف انسانية مأساوية. أما بريطانيا والاتحاد الأوروبي فقد تعهدتا بتقديم المزيد من المساعدات للتخفيف من معاناة السودانيين مع التشديد على منع تقسيم البلاد، وذلك خلال مؤتمر عقد في لندن أمس، بمشاركة وزراء من 14 دولة، بالإضافة إلى ممثلين عن هيئات تابعة للأمم المتحدة.

وفي جولة الصحف العربية الصادرة اليوم، تركيز على عدة مواضيع وقضايا أبرزها:

تناولت صحيفة "الوطن" القطرية العلاقات التي تجمع بين الدوحة ودمشق بعد زيارة الرئيس السوري احمد الشرع التي تشكل "خطوة أخرى نحو تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين ودليل على عمق هذه العلاقات". وقالت: "من المؤكد أن مباحثات صاحب السمو مع الرئيس الشرع سوف تؤسس للمزيد من التعاون البنَّاء دعمًا لوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، وتحقيق تطلعات شعبها الشقيق في العيش الكريم وبناء دولة المؤسسات والقانون".

أما صحيفة "الشروق" الجزائرية، فتطرقت الى الوضع في غزة ومطالب تل أبيب بنزع سلاح "حماس" الذي اعتبرت أن "معناه مطالبتها بقطع يديها بنفسها وتسليم رقبتها ورقاب حاضنتها الشعبية في غزة للذبح"، جازمة أن "نزع سلاحها ورفع الراية البيضاء والاستسلام المهين للعدوّ لن يحدث؛ لأنّه يعني التخلي عن القدس والأقصى وتمكين الاحتلال من قطع خطوة جبّارة على درب تصفية القضية الفلسطينية برمّتها وحسم الصراع لصالحه".

صحيفة "القدس العربي"، بدورها، أوضحت أن "المعضلة التي تواجهها إسرائيل ليست حاجتها إلى جيش أكبر وأقوى، وإنما المعضلة هي أن هذا الجيش يحارب في سبيل قضية خاسرة، وهي إبادة شعب آخر، وأن هذا الشعب يمتلك إرادة قوية للصمود"، لافتة الى أن "مصداقية الاتصالات الجارية بشأن الحرب في غزة، ترتبط بوقف تغيير الحقائق على الأرض، وإنهاء السياسات التي تضع المستقبل الفلسطيني بأكمله على حافة الهاوية، وتجعل إقامة دولة فلسطينية مسألة غير عملية، أو مجرد حلم لا سبيل إلى تحقيقه".

من جهتها، شددت صحيفة "الرياض" السعودية على دعم المملكة للمحادثات السياسية بين ايران والولايات المتحدة وتطلعها "لرؤية نتائج إيجابية تنهي جميع الخلافات السياسية التي تسببت وأدت لتصاعد حدة التوتر والقلق والشكوك بين المجتمعات على جميع المستويات"، مضيفة "المملكة تتطلع لنجاح المحادثات حرصًا منها على أن تحقق الأهداف العظيمة التي من أجلها عقدت والمتمثلة بتعزيز فرص الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، والتأكيد على الالتزام بالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية".

ورأت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "الطريق الى الجولة الثانية من المفاوضات الايرانية - الأميركية ليست مزروعة بالورد والياسمين، ولاسيما أن الجانبين المفاوضين سيغوصون في عمق المشكلة التي تنتشر الشياطين في تفاصيلها". وأردفت قائلة "كلّ العالم يعوّل على أن تُفضي هذه المفاوضات إلى اتفاق نهائي وملزم التنفيذ للجانبين، لأنه على نجاحها يتوقف استقرار الشرق الأوسط، وفي حال كتب لها الفشل فإن ذلك يعني ذهاب المنطقة الى الحرب".

في الاطار عينه، كتبت صحيفة "الشروق" المصرية "أن تجلس واشنطن وطهران، ولو فى غرفتين منفصلتين، يعني أن هناك شيئًا ما تغيّر، أو على الأقل أن حسابات الربح والخسارة أعادت تموضع الطرفين نسبيًا"، لكنها لاحظت أن "ترامب، بعقلية "صانع الصفقات"، لا يقبل العودة إلى الاتفاق الذى مزّقه. هو يريد "صفقة أفضل" يمكنه بيعها للداخل الأميركي..الا أن هذه الرغبة الجامحة تصطدم بحقيقة أن إيران لم تعد في موقف تفاوضي مريح، لكنها في الوقت ذاته لم تأتِ لتقدّم استسلامًا" في مفاوضات مسقط.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن