الأمن القومي العربي

"صراع الممرّات" يشتعل في البحر الأحمر !

على نحوٍ مفاجئ، تتقاطع طموحات إثيوبيا لامتلاك منفذ بحري على البحر الأحمر، مع تهديداتٍ بتحالف الحوثيّين في اليمن و"حركة الشباب" الصومالية المتطرّفة، لتضع مصر في مأزق جيوسياسي يُنذر بمخاطِر اقتصادية وأمنية قد تُغيّر التوازنات الإقليمية.

بينما مصر، التي تجاهد لضمان استمرار الملاحة الدولية والضغوط المتزايدة على قناة السويس، تبني أيضًا حائطًا إقليميًا لمنع حصول إثيوبيا على منفذٍ بحريّ، فإنّها مُطالَبة بالنّظر لتهديدات تعاون الحوثيّين و"الشباب"، ضدّ حركة الملاحة الدولية، وضرب الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.

ومؤخّرًا، حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من "تغلغل الحوثيّين في الصومال"، مشيرًا إلى تعاونٍ محتملٍ مع "حركة الشباب" الصومالية ما حظيَ بتأييد رسمي صومالي.

لم تكن هذه هي المرة الأولى لحديث أميركي عن هذا التحالف، فقد سرّبت مخابراتها العام الماضي معلوماتٍ عن تسليحٍ حوثيّ لـ"حركة الشباب"، لكن من دون أدلّة. فالحركة التي تسيطر على أقلّ من 20% من مساحة الصومال في مناطق ريفيّة بالجنوب والوسط القريبة جغرافيًّا من خليج عدن، قادرة على تعطيل الممرّات البحرية، إذا امتلكت أسلحة متطورة من الحوثيين.

وقد لا تكون العلاقة بين الحوثيين و"الشباب" موثّقة قطعيًا، لكنّها كافية لإثارة قلق مصر، المتأثرة بانخفاض عائدات قناة السويس، بنسبةٍ تفوق 50% وما تشكّله مع ارتفاع فاتورة الطاقة، من تهديد مباشر لاستقرارها الاقتصادي.

لكنّ "زواج المصلحة"، على الرَّغم من الانقسام الطائفي ومعارضة الحركة لمذهب الشيعة الزيديّة للحوثيين، يدفعهما، بحسب مراقبين، إلى تجاوز خليج عدَن المهمّ استراتيجيًّا، واعتبار أميركا عدوهما المشترك.

تذبذب أميركي

تواجه إدارة ترامب انقسامًا داخليًا برز في احتمال إغلاق سفارتها في العاصمة الصومالية مقديشو، خوفًا من سيطرة "حركة الشباب" المُرتبطة بتنظيم "القاعدة"، على مقاليد الأمور، ومُستعيدةً ذاكرة الإخفاق العسكري في ليبيا وأفغانستان، معضلةً في رسم استراتيجيّتها تجاه الصومال، بعد حربٍ لم تحقّق أهدافها ضدّ الإرهاب.

لكنّ مسؤولًا صوماليًا، قال لـ"عروبة 22" إنّ كل هذه "مجرّد تخمينات"، واعتبر أن الترويج لسيطرة "الشباب" على مقديشو، ليس أكثر من "بروباغاندا رخيصة يُروّجها بعض المُغرضين".

وتنسجم زيارة رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي برّي إلى مدينة لاسعنود المُتنازع عليها في إقليم سول، التي اعتبرها إقليم "أرض الصومال" الانفصالي تهديدًا له، مقابل ترحيب إدارة "إس إس سي-خاتومو" كدعمٍ لوحدة الصومال وإضعاف نفوذ إثيوبيا في بربرة، مع موقف مِصر الحازم ضدّ أي دور إثيوبي في البحر الأحمر.

وأعفَت مصر حاملي جوازات السفر الديبلوماسية من تأشيرة الدخول، وسلّمت معدّات عسكرية للشرطة الصومالية ووسّعت تدريب العسكريين الصوماليين. ووجّهت رسالةً مباشرةً لإثيوبيا، برفض اضطلاع أي دول غير مُشاطئة في البحر الأحمر، لحمايته وحوْكمته وتأمينه، وهو ما وصفه مسؤول مصري لـ"عروبة 22" بأنّه "موقف ينسجم مع مواقف الدول المُتشاطئة على البحر الأحمر".

في المقابل، تعتبر إثيوبيا قضية الموانِئ البحرية أولويةً استراتيجيةً لنظامها الحاكم بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد علي، وجزءًا من استراتيجية وطنية صدرت في عام 2015، ومثّلت أحد الإصلاحات الاقتصادية الرئيسية لآبي أحمد منذ صعوده للسلطة في عام 2018، والذي ربط تقدّم إثيوبيا أو تراجعها، بمصير البحر الأحمر ونهر النيل.

الطموح الإثيوبي

على الرَّغم من شكوك دول الجوار الجغرافي حيال خطط إثيوبيا، أكّد رئيس أركان جيشها برهانو جولا، أنّ قواته البحرية أصبحت جاهزةً لتنفيذ أي مهمة. ومع أنّها لا تملك سوى 11 سفينةً تجارية، فقد وقّعت اتفاقيات مع فرنسا وروسيا لتطوير قدراتها البحرية، بعدما فقدت منذ 31 عامًا منفذها البحري، وأصبحت دولة غير ساحلية حبيسة جغرافيًا، باستقلال إريتريا رسميًا عام 1993.

وإثيوبيا، العاجزة عن تحمّل تكاليف هذه المغامرة العسكرية لإعادة تشكيل قوّاتها البحرية وتعزيز اقتصادها ونفوذها الإقليمي، ترى تواجد مصر في الصومال، بمثابة تهديد لأمنها القومي.

النّهر مقابل البحر

واقترح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضمنيًا على إثيوبيا، للمرّة الأولى، مقايضة سدّ النهضة بممرٍ بحريّ، باعتبار أنّ أفضل استراتيجية هي الاستفادة من موانئ الدول والتنمية.

وسبق للسيسي أن عرض على إثيوبيا، معادلة "التنمية مقابل الحياة". صحيح أنّه لم يطرح المقايضة صراحةً، أو معادلة "السدّ مقابل البحر"، لكنه ألمح لإمكانيّة التساهل مع إثيوبيا، بشروطٍ مصريةٍ، على الرَّغم من أن مصر ترى في سدّ النهضة، تهديدًا استراتيجيّا.

لكنّ القصة، كما قالت مصادر غربية لـ"عروبة 22"، تتلخّص في "انعدام ثقة المصريين في التزام إثيوبيا بأيّ اتفاق"، مستشهدةً بفشل المفاوضات المباشرة بين الطرفيْن على مدى 13 عامًا. وكمثال، أغرقت الضبابيّة التي تخيّم على التنسيق مع إثيوبيا بشأن سدّ النهضة، نحو 648 فدّانًا زراعيًّا في شمال مِصر بسبب ارتفاع منسوب مياه النيل.

وفيما يجعل سعي إثيوبيا للمنفذ البحري، الصّراع حول البحر الأحمر في بداياته فقط، ما يتطلّب دورًا دوليًا لمنع تصاعده، فإنّ التصعيد العسكري والسياسي، قد لا يرقى إلى حربٍ محتملة، لكنّه يُبقيها خيارًا قائمًا على الطاولة!.

لهذا، فالقاهرة مطالبة بمقارباتٍ جديدةٍ مع الحوثيين و"الشباب"، من دون خسارة حلفائها الاقليميين (الصومال والسعودية وإريتريا) أو المُغامرة بعداوة واشنطن.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن