صحافة

"المشهد اليوم"…دلالات الزيارة الايرانية الى لبنان و"جرائم حرب" في غزّةصواريخ من الجولان واليمن على اسرائيل واميركا تقلص وجودها العسكري في سوريا

الرئيس اللبناني جوزاف عون مستقبلًا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في قصر بعبدا أمس (إ.ب.أ)

دلالات كثيرة حملتها زيارة وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي الى بيروت، التي وصل إليها آتيًا من القاهرة، ضمن جولة اقليمية يسعى خلالها لاجراء مباحثات بشأن تطورات الأوضاع محليًا واقليميًا، لاسيما مع استمرار طهران بمفاوضاتها غير المباشرة مع واشنطن للتوصل الى اتفاق نووي جديد، لم تنضج ظروفه بعد بسبب الخلافات الجوهرية التي تعيق تقدم المباحثات ولكن دون انهيارها بشكل تام، اذ يحرص كلا البلدين على خلق ارضية مشتركة.

كما تأتي هذه الزيارة الاولى لعراقجي منذ تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام مع تزايد الضغوط على لبنان لنزع سلاح "حزب الله" وتطبيق القرار 1701، بينما لا تزال اسرائيل تسرح وتمرح وتنتهك الأراضي اللبنانية مستهدفة عناصر من الحزب ومخازن اسلحته وعتاده. وتدرك طهران ان الوقت حاليًا للحفاظ على دورها "المتوازن" في لبنان وترسيخ علاقاتها فيه، ولو من باب ما أسماه الوزير الايراني "فتح صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، وهي كلمات لطالما ذكرت على لسان المسؤولين الايرانيين ولكنها لم تدخل حيّز التنفيذ، ولكن الملاحظ كان خلو تصريحات عراقجي من ذكر كلمة "المقاومة" والتي كانت تعتبر من أدبيات أي خطاب لمسؤول ايراني.

فالوزير عراقجي حاول أن يؤكد "صحة" العلاقات التي تجمع بين البلدين ضمن الاطر الواضحة والمعروفة ومن "دولة الى دولة" وفق كلام رئيس الجمهورية اللبناني جوزاف عون، خاصة أن الظروف الاقليمية التي لطالما كانت تدعم طهران ونفوذها بدأت بالانحسار والتراجع بعد التطورات السياسية الاخيرة وتحديدًا الضربة التي تلقتها مع سقوط نظام بشار الاسد. فبعدما خسرت طهران دمشق بشكل كامل مع وصول ادارة الرئيس أحمد الشرع، تسعى للبقاء على علاقتها في لبنان انطلاقًا من بوابة "حزب الله" واستمرارية وجوده في المشهد السياسي رغم التضعضع الذي أصابه نتيجة الحرب الاسرائيلية الاخيرة. هذا وكان جدول عراقجي تضمن أيضًا لقاءات مع كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية يوسف رجي كما زيارة لضريح الامين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله وذلك بعد حفل توقيع كتابه "قوة التفاوض".

وقبل بيروت، كانت لعراقجي لقاءات بارزة في القاهرة شملت الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، حيث قال "بعد سنواتٍ طويلة، دخلت الدبلوماسية بين إيران ومصر مرحلةً جديدة على مستوى التفاعل والتعاون السياسي، والأهم من ذلك مستوى الثقة والاطمئنان في العلاقات بين البلدين غير المسبوق، باعتبارهما قوتين فاعلتين في المنطقة". ومن هنا يمكن الاشارة الى سعي ايران الجدي لتحسين علاقاتها بالدول العربية نظرًا لما تمر به على الصعيد الدولي ومحاولة الايحاء بتغيير طريقة التعاطي السابقة والتي لطالما سببت الكثير من الاختلافات ووصلت احيانًا للقطيعة السياسية.

هذه المستجدات تترافق مع تأكيد الجانب الايراني على التزامه بالمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة رغم "العثرات"، اذ قال الرئيس مسعود بزشكيان "نرحب بالمفاوضات ونستقبلها، لكن قاعدة الحوار تقتضي ألا يسعى أحد للاستقواء أو فرض مطالبه على الطرف الآخر"، وذلك في ردّ صريح على تمسك الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمطلبه الداعي لمنع طهران من "تخصيب اليورانيوم". ويعتبر هذا الموضوع العقبة الرئيسية نحو تقدم المباحثات بين الجانبين وذلك بعد خمسة جولات من المفاوضات بوساطة عُمانية. وتدأب مسقط لما تملكه من دور وحيثية على تقريب وجهات النظر والتقليص من حجم الخلافات وهو ما لا يزال دونه الكثير من العقبات والتحديات.

ومن ايران وملفها النووي الى تطورات المشهد في قطاع غزة، والذي يزداد سوداوية يومًا بعد يوم. فاسرائيل لا تعدم اي طريقة لقتل سكان القطاع الذين يعانون الأمرين بين اوامر النزوح المتتالية والحصار المفروض عليهم. وقد زادت الامور تعقيدًا بعد حصر المساعدات بـ"مؤسسة غزة الانسانية" المدعومة اميركيًا رغم كل ما رافق ذلك من انتقادات دولية وأممية وتساؤلات حول دور هذه المؤسسة وأهدافها المبطنة. وكانت احداث الايام الاخيرة واضحة لجهة استهداف المسيرات الاسرائيلية طوابير السكان الساعين للحصول على الإمدادات الانسانية، وقد اعترفت كل من واشنطن وتل أبيب بمعرفتها بهذا الموضوع دون تقديم الكثير من الايضاحات.

وفي وقت سابق، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن متحدث باسم مجموعة "بوسطن" الاستشارية الأميركية إن الشركة أنهت عقدها مع "مؤسسة غزة الإنسانية" المعنية بتوزيع المساعدات في القطاع. وسبق لمدير المؤسسة التنفيذي ان اعلن استقالته وعزا ذلك إلى افتقارها للاستقلالية والحياد. وامام هذا الكم من الانتقادات التي تواجه المؤسسة دون معرفة ما ستحمله الايام المقبلة على هذا الصعيد، برزت دعوة الامم المتحدة لإجراء تحقيق "فوري ومستقل ومحاسبة الجناة" عن فتح النيران على المدنيين خلال محاولتهم الحصول على المساعدات، بينما أكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن هذه "الهجمات القاتلة" تشكل "جريمة حرب". هذا وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة اشار الى ارتفاع حصيلة ضحايا المساعدات إلى 102 شهداء و490 مصابًا منذ الشروع في اعتماد الية التوزيع هذه.

تزامنًا، يصوت مجلس الامن الدولي، اليوم الأربعاء، على مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة فورًا ورفع القيود عن دخول المساعدات إلى سكان القطاع. ومن المعروف أن اعتماد مشروع القرار بمجلس الأمن يتطلب موافقة 9 أعضاء وتجنب الدول الدائمة العضوية استخدام حق النقض (الفيتو). الى ذلك، يجهد الوسطاء من اجل التوصل الى هدنة رغم أن المعطيات لا تشي بذلك مع استمرار التباعد في وجهات النظر. وأفادت "القناة 12" الإسرائيلية، بأن تل أبيب "قررت التفاوض مع "حماس" عن بُعد ودون إرسال وفود إلى الدوحة أو القاهرة"، وأنها "تعمل بكامل قوتها في قطاع غزة، كما لو أنه لا توجد مفاوضات والطريقة الوحيدة لوقف إطلاق النار هو موافقة الحركة على مقترح (المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط ستيف) ويتكوف الأخير".

وهذا المقترح لم ترفضه "حماس" بل طالبت بإدخال تعديلات عليه بشكل يضمن انهاء الحرب وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل من القطاع واعادة الية توزيع المساعدات التي كانت قائمة قبل انهيار الهدنة، الا ان هذه "المطالب" لاقت ردود فعل مستنكرة من قبل الجانب الاميركي كما الاسرائيلي الذي استغل الفرصة لوضع الكرة في ملعب الحركة متهمًا إياها بعرقلة المفاوضات. ورغم كل ما يُحكى عن "توترات" في العلاقات الاميركية - الاسرائيلية واختلافات في وجهات النظر، الا ان ذلك لا يعدو كونه عابرًا وليس استراتيجيًا وخير دليل على ذلك عدم ممارسة واشنطن الضغوط المطلوبة لدفع تل أبيب نحو مفاوضات حقيقية توقف حمام الدم المستمر منذ أكثر من 19 شهرًا.

فالحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ادخلت المنطقة برمتها بحالة من الفوضى مع تزايد النقمة الشعبية ضد اسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وكان أمس، الثلاثاء، شهد على احداث جديدة تمثلت باطلاق صاروخين من سوريا باتجاه الجانب الاسرائيلي الذي قام بدوره بشّن سلسلة من الغارات العنيفة شملت القنيطرة و وريف درعا في الجنوب السوري. واذ حمّل الجيش الاسرائيلي "النظام المسؤولية عن الوضع الراهن"، معتبرًا أنه "سيستمر في تحمّل العواقب طالما بقيت الأنشطة العدائية في الانطلاق من أراضيه". ذكرت وزارة الخارجية السورية، في بيان، أنه لم يتم التحقق حتى الآن من صحة التقارير عن إطلاق مقذوفين باتجاه الجانب الإسرائيلي. وجاء ذلك بعدما تبنّت مجموعة مسلحة تسمي نفسها "كتائب الشهيد محمد الضيف" قصف القوات الإسرائيلية بمنطقة الجولان المحتل.

وضمن السياق عينه، أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه اعترض صاروخًا أُطلق من اليمن في وقت دوت صفارات الإنذار في مختلف المناطق ما أدى الى توقف حركة الطيران مؤقتًا في "مطار بن غوريون" الدولي. ومنذ انهيار هدنة غزة يتوعد الحوثيون باستهداف اسرائيل ضمن ما يصفونه بالرد على المجازر في القطاع ودعم المقاومة الفلسطينية. يُذكر انه سبق للادارة الاميركية ان وقعت اتفاقًا مع الحوثيين بوساطة عُمانية وتتضمن وقف الحرب عليهم مقابل عدم التعرض للسفن الاميركية، دون أن يشمل ذلك تل أبيب التي تتعرض بشكل مستمر لاطلاق صواريخ من اليمن بينما ترد بغارات واسعة استهدفت مراكز ومقار حيوية في البلاد.

سوريًا، تستمر الإدارة الاميركية في رسم خريطة طريق جديدة في البلاد وذلك بعدما أعلن المبعوث الأميركي الجديد إلى دمشق، توماس براك، أن "الولايات المتحدة ستقلص وجودها العسكري في سوريا إلى قاعدة واحدة بدلاً من ثمانٍ، وإن سياسة واشنطن تجاه دمشق ستتغير لأن ما انتهجته لم ينجح على مدى القرن الماضي". ومنذ الاعلان عن رفع العقوبات الاميركية، تتخذ ادارة ترامب خطوات متسارعة تجاه الادارة السورية الجديدة وكانت وسائل اعلام رسمية تحدثت عن زيارة سيقوم بها الرئيس احمد الشرع الى الولايات المتحدة في ايلول/ سبتمبر المقبل وإلقاء كلمة في الأمم المتحدة، ليكون بذلك أول رئيس سوري يلقي خطبة في نيويورك منذ 60 عامًا.

ونرصد في جولتنا الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم أبرز التحليلات والمقالات، واليكم أهمها:

تطرقت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى زيارة عراقجي الى لبنان حيث نقلت عن مصادر اشارتها الى أن الوزير الايراني "لم يأتِ على ذكر "حزب الله" أو سلاحه ولا ملف سلاح المخيمات الفلسطينية، بل تحدث فقط عن تعزيز العلاقات بين البلدين على قاعدة الاحترام المتبادل"، مشيرة الى أن اللبنانيين "استنتجوا من هدوء خطابه أن هناك تغيّرًا في المسار الإيراني لمقاربة ملفات المنطقة، وخصوصًا في ضوء التفاوض مع الولايات المتحدة حول اتفاق محتمل بشأن البرنامج النووي الإيراني".

وتحت عنوان "مصر وإيران ... قوتان فاعلتان"، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "المحادثات المصرية – الإيرانية تأتي في توقيت مهم، في ظل تصاعد التوترات بالمنطقة، وحدوث تغيرات متعددة على أكثر من محور، سواء على صعيد الحرب الإسرائيلية الدائرة في غزة، والمخططات المعدة لمستقبل القطاع، فضلًا عن التطورات الجارية في لبنان وسوريا، وكذلك قضية أمن الملاحة في البحر الأحمر، وتطورات المفاوضات النووية الأمريكية – الإيرانية". واضافت "من الواضح أن هناك توافقًا بين مصر وإيران على أهمية استمرار المسار الحالي لاستكشاف آفاق التطوير المشترك للعلاقات بين البلدين".

بدورها، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "الدوحة لديها موقف ثابت لا يتزحزح من دعم وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، وتحقيق تطلعات شعبها الشقيق في العيش الكريم وبناء دولة المؤسسات والقانون"، مؤكدة أن "قطر لديها التزام تجاه الأشقاء بالوقوف معهم لتجاوز هذه المرحلة الحساسة والتي ستعبر بسوريا إلى المستقبل المشرق لأن نضال هذا الشعب الأبي لابد أن يتوج بدولة متقدمة وحضارية يحظى فيها المواطن السوري بحقوقه الكاملة وكرامته الإنسانية"، على حدّ تعبيرها.

أما صحيفة "عكاظ" السعودية، فشددت على أن "زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى سوريا لم تكن زيارة دبلوماسية عادية، بل كانت لحظة تاريخية فارقة ترسم ملامح مستقبل المنطقة العربية وتُعيد ترتيب الأوراق وتوثق الروابط التي حاول البعض طيلة سنواتٍ عجاف قطعها". وقالت "اليوم، تُشرق الشمس من جديد على دمشق، مُعلنةً أن لا هوية إلا الهوية العربية، ولا تاريخ إلا التاريخ العربي، وأن المملكة حاضرة إلى جانبها لمساعدتها في اجتياز هذه المرحلة الانتقالية بكل قوة وصلابة".

وفي الشأن الفلسطيني، رأت صحيفة "الغد" الأردنية أن "قانون طرد الكيان الصهيوني لفلسطينيي 48 ليس مجرد قضية داخلية، بل هو جزء من منظومة الاحتلال المتكاملة التي تستهدف تفكيك النسيج الفلسطيني في كل مكان"، موضحة بأن "الرد الفلسطيني يجب أن يكون موحدًا ومتصلًا، بين الداخل والضفة، ليواجه هذه السياسات التي تهدد وجود الشعب الفلسطيني ومستقبله، كما أن المجتمع الدولي مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التصدي لهذه الإجراءات التي تنتهك القوانين الدولية والإنسانية"، بحسب وصفها.

ونبهت صحيفة "عُمان" العُمانية أن "الحكومة العدوانية بزعامة نتنياهو تمارس الإرهاب والإبادة ضد شعب فلسطين، وهي ترفض وقف العدوان على غزة بشكل دائم، وإنما من خلال هدنة مؤقتة". وتابعت "إن التغير في السياسات الغربية إزاء إسرائيل يبدو مائعًا غير صارم أو يحدث على استحياء (باستثناء بعض المواقف الرسمية الواضحة لدى حكومات من قبل قبيل: إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا، التي تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة)".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن