اقتصاد ومال

ترامب وسياسة "الرسوم الجمركية"... هل تؤثّر في الوطن العربي؟!

محمد زاوي

المشاركة

مَن يعتمد خلاصات محلّلي "نقيض ترامب" - المُجمّع الصناعي العسكري - أو على أصحاب التحليلات الاقتصادوية الجزئية بما تحمله من إهمالٍ للتحليل الاقتصادي الكلّي، وبما تحمله من إهمالٍ لتدخل "العوامل غيْر الاقتصادية" بخاصّة منها السياسية؛ مَن يعتمد على هذا المنحى في التحليل يُنتظَر حكمه على سياسة "رفع الرسوم الجمركية" من جهتَيْن: من جهة معارضتها بما هي وسيلة - ضمن وسائل أخرى - لتغييرٍ في بنية الإنتاج الأميركي لمصلحة الرّأسمال (المدني) من دون الآخر (العسكري)، ومن جهة معارضتها باعتبارها تجديدًا وتعزيزًا للهيْمنة الاقتصادية الأميركية على "طريقة ترامب".

ترامب وسياسة

أمّا الأمر الأول، فصحيحٌ ويدخل ضمن خطّة ترامب، وأمّا الثاني ففي حاجةٍ إلى تفصيل وتوضيح حتى لا يُصبح "رفض الهيْمنة الترامبية" قناعًا للانخراط في خطاب خصومِه.

فلننظر الآن في خطاب ترامب؛ يقول الرئيس الأميركي إنّ الولايات المتحدة الأميركية "لم تعُد مستعدّةً للاستسلام اقتصاديًا من جهةٍ واحدةٍ أمام باقي الاقتصادات الدولية"، ويُقرّر في الوقت ذاتِه "فرض الرسوم الجمركية نفسها المفروضة على الولايات المتحدة الأميركية من قبل الدول الأخرى". وهذا من "المعاملة بالمِثل" اقتصاديًا، بدل التنازل الاقتصادي - المدني خاصّة - من أجل مصالح عسكرية وتوسّعية، تخدم الرّأسمال الصناعي العسكري واقتصاد السوق السوداء، وتحقّق الربح من "السّيطرة السياسية العسكرية والثقافية أيضًا" لا من "الهيْمنة الاقتصادية". يريد ترامب أن يواجه الصين بنموذجِها الاقتصادي، خصوصًا فيما يتعلّق بتطوير قوى الإنتاج الداخلية، وإن اختلفا في الوجهة والغايات الكبرى.

الدول المتضرّرة ستحتاج لأسواق جديدة ما سيضطرّها لتعديل علاقاتها الاقتصادية بدول العالم بما فيها الوطن العربي

والسّؤال الآن: ما حظّ دول الوطن العربي من هذه السياسات الجمركية الأميركية الجديدة؟ وكيف تؤثّر فيها؟ وهل أعدّت هذه الدول خُططًا وسياساتٍ للتعامل مع الواقع الاقتصادي الجديد؟

يجب بدايةً أن نشيرَ إلى أنّ تأثير "السياسات الجمركية الأميركية" في الوطن العربي لا يتحقّق بشكلٍ مباشرٍ فقط، بل قد يتّخذ سُبلًا غير مباشرةٍ بحكم ارتباط الدول العربية اقتصاديًا بدولٍ تستهدفها سياسات ترامب، بخاصّة الصّين التي فرضت عليها الإدارة الأميركية الجديدة تعريفات استثنائية تصل إلى 54%، أو الاتحاد الأوروبي الذي وجد نفسه أمام تعريفات استثنائية تصل نسبتها إلى 20%... إلخ.

ستحتاج الدول المتضرّرة إلى أسواق جديدة أو إضافية، ما سيضطرّها إلى تعديل علاقاتها الاقتصادية بعددٍ من دول العالم، بما فيها دول الوطن العربي. وهذا قد ينعكس إيجابًا كما قد ينعكس سلبًا على هذه الدول، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مصالحها في الدول المتضرّرة، ومدى قدرة سوقها على استيعاب الحاجة الجديدة لهذه الدول، وطبيعة علاقتها بالإدارة الأميركية الجديدة. أضِف إلى ذلك أنّ تفاوت نسب التعريفات والرسوم سيُفسح مجالًا أكبر من السوق الأميركية أمام الدول الصاعدة، ومنها دول الوطن العربي التي لا تستطيع منافسة الدول الكبرى في هذه السوق في ظروفٍ عادية. ومن هنا يمكننا فهم "دعوة" السعودية للاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية، فهذا بمثابة استثمار تعويضي داخليًا (بدل الرّأسمال الصناعي العسكري) وخارجيًا (بدل الرّأسمالات الأجنبية التي تشملها تعريفات ترامب الاستثنائية).

يمكن قراءة التأثير المباشر للسياسات الجمركية الجديدة من خلال نسب التعريفات المفروضة على دول الوطن العربي. فإذا كان ترامب قد فرض نسبًا منخفضةً (في حدود 10%) على عددٍ من الدول، من قبيل المغرب ومصر ودول الخليج واليمن ولبنان والسودان وجيبوتي؛ فإنّه قد فرض أخرى مرتفعة - شيئًا ما - على دولٍ أخرى من قبيل الأردن والجزائر وتونس وليبيا وسوريا والعراق. والتفاوُتُ هنا بين المجموعتَيْن لا يُفسَّر سياسيًا من باب أوْلى، بل اقتصاديًا وعلى أساس نوع العلاقات الجمركية بين أميركا ودول الوطن العربي.

فإذا أخذنا الأردن مثلًا، والتي لا تخرج في سياساتها الإقليمية عن استراتيجية مصر - الخليج - المغرب، نجد أنّ أميركا تفرض عليها نسبة 20% من الرسوم الجمركية. الأمر الذي يطرح سؤالًا سرعان ما نُجيب عليه إذا علمنا أنّ الأردن نفسَها تفرض على أميركا نسبة 40% من الرسوم. وبالتالي فما فرضته أميركا على الأردن لا يرقى إلى مستوى "المعاملة بالمِثل اقتصاديًا"، بقدر ما يفرض عليها نموذج أميركا الجديد: التوازن في الرسوم بين أميركا وباقي دول العالم. وهو النموذج الذي لم تسْلم منه "إسرائيل" - صنيعة الإمبريالية في المشرق العربي - نفسها، حيث فرضت عليها الإدارة الأميركية الجديدة نسبة 17% من الرسوم الجمركية.

إنّ ترامب بهذه السياسات لا يريد "اقتصادًا مُغلقًا" كما فهم البعض، وإنّما يريد اقتصادًا مدنيًا خاضعًا للقرار السيادي الأميركي. وإنّ المستورِدَ الأميركي الذي قال البعض إنّه سيتضرّر بهذه السياسات المفاجئة، فإنّه قد يتدارك أمره إذا وجد بديلًا. فإلى أيّ حدّ تستطيع دول الوطن العربي المساهمة في هذا البديل مستفيدةً من نسب الرسوم المُنخفضة المفروضة عليها؟!

الرّأسمال العربي يحتاج إلى الوحدة والتنسيق وتطوير قوى الإنتاج وخلوّ الوطن العربي من المُعيقات والتوتّرات

ينطبق الأمر نفسه على المُصدِّر الأميركي، الذي تنبّأ البعض بتضرّره بالسياسات المضادّة للدول المتضرّرة من سياسات ترامب؛ فإلى أي حدّ تستطيع دول الوطن العربي استيعاب الصادرات الأميركية الفائضة في بنيتها الاقتصادية؟! السؤال إذن مطروح على الآلة التصديرية - الاستيرادية العربية، وبصفةٍ عامّةٍ على بنية الإنتاج العربية. هل تستطيع هذه البنية تدبير - ولا نقول منافسة - السياسات الاقتصادية الأميركية التي تستهدفها؟!

هناك فرص أمام الرّأسمالات العربية، لكنّها محدودة بحدود: قدرة الرّأسمال العربي على الاستثمار في الخارج، وقدرته على توفير المنتوج المُصدَّر إلى الخارج، وقدرته على منافسة المنتوج المُستورد إلى السوق الوطنية، وقدرته على تدبير علاقته بالرّأسمال الأجنبي في الداخل.

الرّأسمال العربي يتقدّم، خصوصًا في بعض الدول كالسعودية والمغرب ومصر إلخ، إلّا أنّه لم يَرْقَ بعد إلى فرض نموذجه دوليًا، الأمر الذي يحتاج إلى المزيد من الوحدة والتنسيق، والمزيد من الخبرة والتكنيك وتطوير قوى الإنتاج العربية، وقبل ذلك إلى خلوّ الوطن العربي من المُعيقات والتوتّرات.

عندما نتحدّث عن الاقتصاد، لا ينبغي إهمال العامل السياسي والجيوسياسي. تطوير قوى الإنتاج في حاجة إلى الاستقرار السياسي والإداري والثقافي، وهذا يُعتبر نقطةً رئيسيةً على طاولة التنسيق العربي، أو كذلك ينبغي أن يكون!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن