مجددًا حاول الاميركيون والايرانيون الإيحاء بـ"إيجابية" الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة للبحث في ملف طهران النووي والتي عُقدت في العاصمة الايطالية، روما برعاية عُمانية. ورغم أن "الشيطان" يكمن في التفاصيل، الا أن لقاء الأربع ساعات الذي تم بين مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية عباس عراقجي خرج بالاتفاق على تفعيل المسار الفني عبر اجتماعات خبراء، على أن تتواصل المحادثات في جولة ثالثة بالعاصمة العُمانية مسقط.
هذه "الايجابية" التي يسعى كلا الجانبين للحديث عنها تتزامن مع ضغوط تُمارس على ايران، التي تعي حقيقة الظروف الداخلية والمتغيرات الاقليمية التي تحاوطها وتدرك ان "زمان الاول تحول" ولكنها تسعى لاتفاق "عادل" من دون تقديم الكثير من التنازلات، ومن هنا كان "الاستقواء" بموسكو، حليفة طهران الاستراتيجية، من خلال الزيارة الخاطفة للوزير عراقجي قبيل انطلاق الجولة الثانية من المحادثات والتي حمل فيها رسالة خطية من المرشد علي خامنئي الى الرئيس فلاديمير بوتين. ومع انه لا يزال من السابق لاوانه توقع ما ستحمله المفاوضات الجارية، إلا أن اي تطورات ستكون لها نتائجها وانعكاساتها على المنطقة برمتها، فإما ان تنشر الاستقرار وإما أن ندخل في فصل جديد من الحروب التي تسعى اسرائيل الى اشعالها، خصوصاً انها تشجع على توجيه ضربات عسكرية لطهران وتقزيم دورها وهذا ما تجلى عبر تحريض تل أبيب لاعتماد اللغة العسكرية بعيدًا عن الديبلوماسية.
وبانتهاء الجولة الثانية أمس السبت، وصف وزير الخارجية الايراني الجو العام لمحادثات روما مع الولايات المتحدة بأنه "إيجابي نسبيًا وأتاح إحراز تقدم بشأن المبادئ والأهداف لأي اتفاق محتمل"، كاشفًا أن "المرحلة المقبلة ستشهد انطلاق مسار تفاوضي على مستوى الخبراء بهدف التوصل إلى تفاصيل محددة بشأن الاتفاق، وأن بلاده ستكون في موقع أفضل لتقييم الوضع بعد اجتماع اللجان الفنية وسيساعد في بلورة رؤية أوضح بشأن إمكانية المضي قدمًا". من جانبه قال وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي أن "المحادثات تكتسب زخمًا متزايدًا وأصبحت حتى الاحتمالات غير المتوقعة ممكنة الآن".
هذا وذكرت الخارجية العُمانية أن المباحثات تهدف للتوصل إلى اتفاق يضمن خلو إيران بالكامل من الأسلحة النووية، ورفع العقوبات عنها كما التوصل إلى اتفاق يحافظ على حق إيران بتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية. وعليه، يخيم "التفاؤل الحذر" على هذه المحادثات التي تُعد علامة فارقة في تاريخ العلاقة بين البلدين في وقت تمر ايران في لحظات حاسمة في تاريخها مع تعاظم ازماتها الداخلية وتدهور الاوضاع المعيشية وسط سخط شعبي متزايد نتيجة العقوبات المفروضة عليها واتباع الرئيس الاميركي دونالد ترامب سياسة "الضغوط القصوى" منذ اعادة انتخابه رئيسًا.
ويعتمد ترامب في تعامله مع طهران على سياسة "العصا والجزرة"، فإما التفاوض والتوصل الى اتفاق او التلويح بالعمل العسكري "غير المسبوق" ضد منشآتها النووية. ومع عدم وضوح معطيات المرحلة المقبلة، تبقى العين على الشرق الاوسط الذي تعمه الفوضى نتيجة المطامع الاسرائيلية برضى أميركي بهدف ارساء معالم "الشرق الاوسط الجديد" مع الدفع نحو استكمال "المسار الابراهيمي" بهدف احلال "السلام" وفق مقاربة تهدف لتكريس التفوق الاسرائيلي على ما عداه. وتستفيد تل أبيب مما يجري من اجل فرض معادلاتها في لبنان وسوريا كما تغيير الوقائع العسكرية في قطاع غزة عبر احتلال المزيد من المناطق وتوسيع المنطقة العازلة وافشال كل مقترحات الوسطاء للتوصل الى اتفاق لوقف النار.
في السياق، تجهد مصر من اجل تقريب وجهات النظر واعتماد مقاربات تضع حدًا للحرب الدموية المستمرة في غزة ووقف مخطط تهجير الفلسطينيين، وهو ما كان مدار تشاور بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، كما خيّم على محور اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع الرئيس التونسي قيس سعيد. وتتزامن تلك المساعي المصرية مع مراوحة الملف مكانه بظل التعنت الاسرائيلي بعقد هدنة مؤقتة دون تقديم وعود بوقف الحرب وهو ما ترفضه "حماس" التي تسعى الى صفقة شاملة عبر الربط بين ملف الرهائن لديها والانسحاب الاسرائيلي الكامل من القطاع، وهو ما يبدو بظل المعطيات الراهنة معقدًا لاسيما ان رئيس الوزراء الاسرائيلي لا يبدي اهتمامًا بالأسرى بل يسعى لاستكمال الحرب.
ورغم الضغوط المتزايدة عليه داخليًا وتجدد التظاهرات الداعية لابرام صفقة فورًا، يصر نتنياهو على المضي قدمًا بالعمليات العسكرية بهدف تضييق الخناق على الفلسطينيين الذين يواجهون الموت قصفًا وجوعًا مع مواصلة تل أبيب إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الانسانية وسط تحذيرات من أزمة مجاعة وسوء للتغذية وتفشٍ للأمراض مع تراجع التقديمات الاممية بسبب الاستهداف الاسرائيلي المتكرر لعمالها. الى ذلك، أكد الجيش الإسرائيلي مقتل أحد جنوده خلال المعارك الدائرة في قطاع غزة، وهو أول قتيل يسقط له منذ استئناف انهيار الهدنة منتصف الشهر الماضي. وكانت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس" أعلنت أنها أوقعت قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح في كمين بحي التفاح شرق مدينة غزة.
الملف الفلسطيني وتعقيداته يبقى في صدارة الاولوية، الا ان ما يحدث في اليمن يجب التوقف عنده مع التصعيد العسكري غير المسبوق خلال الساعات الماضية، بعدما أعلن الحوثيون عن تعرض العاصمة صنعاء ومحافظتي عمران ومأرب ومطار الحديدة لـ29 غارة أميركية، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى دون الافصاح عن الحصيلة النهائية. بينما حمّل وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الحوثيين مسؤولية ما يجري، قائلًا "ميليشيا الحوثي هي السبب الجذري للدمار والخراب الذي حل بالبلاد، ولا سبيل لاستعادة الأمن والاستقرار في أرجاء اليمن والمنطقة والعالم، ما لم يتم بتر هذه الذراع الإيرانية الرخيصة، وبسط سلطة الدولة على كامل التراب الوطني".
ومن الحوثيين الى "حزب الله" الذي يتصدر سلاحه المشهد اللبناني بعد الخطاب العالي النبرة لامينه العام نعيم قاسم الرافض بشكل كلي التطرق الى هذا الملف باعتباره يمثل "خدمة واستسلامًا لاسرائيل"، مهدّدًا كل من يطالب بنزع السلاح بالمواجهة سواء داخل لبنان أو خارجه. وقد تباينت ردود الفعل وخلقت جدلًا محتدمًا في الشارع اللبناني وانقسمت بين مؤيد ومعارض. وكان رئيس الجمهورية جوزاف عون وجه، في وقت سابق، دعوة الى عناصر "حزب الله" للالتحاق بالجيش رافضًا استنساخ تجربة "الحشد الشعبي" في العراق.
في غضون ذلك، استقبل الرئيس السوري، أحمد الشرع، النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي كوري ميلز، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني وعدد من المسؤولين السوريين حيث لم يتم التطرق الى فحوى اللقاء. فيما تسعى الادارة السورية الجديدة الى تخفيف العقوبات المفروضة عليها والتي تشكل عائقًا امام دفع عجلة الاقتصاد المتوقفة جراء الحرب الطويلة. ومن المتوقع أن يشارك وفد وزاري سوري مع حاكم المصرف المركزي عبد القادر حصرية في اجتماعات لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الأسبوع المقبل في واشنطن.
دوليًا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف الأعمال العدائية من جانب واحد في أوكرانيا مؤقتًا أثناء عيد الفصح، في حين شكك نظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي بجدية الهدنة المُعلن عنها، متّهمًا بوتين بمحاولة "اللعب بأرواح البشر". ويأتي الاعلان الروسي بعد تهديد الرئيس ترامب بالانسحاب من المفاوضات لوقف الحرب الأوكرانية خاصة ان المساعي السابقة اصطدمت بعوائق كثيرة منها عدم الحصول على موافقة بوتين على خطة وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا وفق المقترح الاميركي الذي وافقت عليها كييف. ويمكن للتراجع، في حال تم، أن يسبب عواقب وخيمة لاسيما لأوكرانيا التي تسعى بجدية لانهاء الحرب وتجنيب البلاد المزيد من الصراعات والاقتتال العنيف.
جولة اليوم على الصحف العربية الصادرة تناولت بمعظمها الاوضاع في غزة ومساعي استئناف الهدنة. وهنا نرصد أبرز ما ورد:
نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية عن مصادر دبلوماسية معنية في ملف الوساطات من اجل قطاع غزة اشارتها الى "انه خلال الشهرين المقبلين سيتم وقف القتال نهائيًا وسيتم تبادل بقية الأحياء والجثث، إلى جانب دخول قوات من دولة عربية برعاية أميركية لقطاع غزة، تمهيدًا لانسحاب إسرائيلي كامل وإعادة الإعمار"، وأضافت "أن المداولات تشير إلى أن حركة "حماس" ستكون خارج المشهد، وستعمل السلطة الوطنية الفلسطينية مع قوات عربية لحصر السلاح في يد حكومة تكنوقراط متفق عليها فلسطينيًا وعربيًا وأميركيًا".
واشارت صحيفة "الدستور" الأردنية الى أن "خطة الأصابع الخمسة" الإسرائيلية تطرح رؤية استراتيجية لتفتيت قطاع غزة وتقسيمه إلى خمس مناطق محددة: نادشاريم، بغلاسيم، موراج، فيلادلفيا، وممر صلاح الدين، ليتم تحويلها جميعًا إلى مناطق عازلة بعمق يتراوح بين كيلومتر وكيلومترين"، مشددة على "الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى إحكام قبضته بصورة شاملة على مفاصل قطاع غزة الحيوية، مما يتيح له فرض سياسة التحكم الديموغرافي ويمهد الطريق نحو سيناريو الاجتياح الكامل في حال اتُخذ قرار باحتلاله بصورة فعلية ومباشرة".
صحيفة "الأهرام" المصرية، من جانبها، تطرقت الى زيارة وزير الخارجية بدر عبد العاطي الى تونس والملفات التي حملها معها من الازمة الليبية الى الأوضاع في غزة مما يؤكد "رغبة القاهرة فى دعم قنوات الحوار والتنسيق، لأن الظرف الإقليمي لا يحتمل الانقسامات العربية، بل يتطلب توحيد الجهود المشتركة"، منوهة الى أن "المرحلة المقبلة تقتضي التفاهم والتنسيق المشترك للتصدي للتحديات الإقليمية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة. فالزيارة تأتي ضمن تحركات دبلوماسية نشطة تقودها القاهرة لتقوية علاقاتها الإقليمية، خصوصا مع دول الجوار العربي والإفريقي".
في اطار متصل، رأت صحيفة "الشروق" الجزائرية أن "العالم اليوم تحكمه علاقاتُ توتر وصراع أكثر مما تَحكُمه علاقات هدوء وتعاون. تكاد تكون جميع العلاقات الدولية مُتوتِّرة، الدول الكبرى كما الدول الصغرى، وانعكس ذلك على كافة المجتمعات، بل وانتقل إلى مستوى المجتمعات والأفراد". وقالت: "نعيش اليوم مرحلة مختلفة من التاريخ البشري ناتجة عن السياسة التي باتت تعتمدها القوى الكبرى في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلينا إدراك طبيعة هذه المرحلة والتكيّف معها قبل فوات الأوان".
بدورها، تناولت صحيفة "الراية" القطرية العلاقات التي تجمع بين الدوحة وبيروت، التي على حدّ قولها، "ترتكز على الوضوح، وتلتزم المبادئ والقيم المشتركة المبنية على التّعاون والاحترام المتبادل، ومعاني الأخوّة العربيّة الصادقة"، متطرقة الى زيارة الرئيس جوزاف عون الاخيرة وما نتج عنها من مساعدات وهبات تهدف الى تعزيز دور الجيش اللبناني "ما يعكس استمرار التزام دولة قطر بالوقوف إلى جانب لبنان ومُؤسّساته، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية".
(رصد "عروبة 22")