صحافة

"المشهد اليوم"..الاحتلال نحو "تقسيم" غزّة وتعزيز الاستيطان في الضفة! فرص التقارب بين واشنطن وطهران تشكل قلقًا إسرائيليًا وترامب يقدم "إغراءات" لموسكو وكييف

فلسطينيون يودعون أقارب لهم استشهدوا في الغارات الإسرائيلية جنوب غزة (أ.ب)

رغم كل المساعي التي بذلها الوسطاء في الآونة الأخيرة من أجل وقف حمام الدم الجاري في قطاع غزّة والاجواء "الايجابية" التي تم الايحاء بها، الا ان ذلك اصطدم بعوائق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو التي كانت أقوى من كافة اللقاءات والاتصالات السياسية. فالاخير يرفض الاستماع الى مطالب شعبه بعقد اتفاق فورًا يفضي الى اطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حركة "حماس" ويواجه "النقمة" الداخلية ضده والتي تجلت بعرائض الاحتجاج التي تسارعت وتيرتها في الايام القليلة الماضية.

ويلتزم نتنياهو ووزراء حكومته باعتماد سياسة تشديد الخناق على الفلسطينيين وتوسيع نطاق العملية العسكرية حتى تحقيق ما يسميه "النصر المطلق"، معلنًا رفض الاستسلام لإملاءات "القتلة"، في معرض رفضه لمطالب "حماس" التي ربطت بين اطلاق سراح الرهائن ووقف الحرب والانسحاب من القطاع. وبات واضحًا ان تل أبيب لا تسعى الى التفاوض بل الى عرقلتها، ولا تهدف الى ايجاد حلول سريعة لأزمة الرهائن بل الى اطالة أمد الحرب مستخدمة هذه الورقة كذريعة من اجل قضم اراضي القطاع وتهجير الفلسطينيين، حيث باتت قواتها تسيطر فعليًا على ما نسبته من 30 إلى 40 % من مساحة قطاع غزة، الأمر الذي يحفز قادة المستوطنين ووزراء داعمون لهم بالدعوة إلى استئناف بناء المستوطنات في القطاع بعدما أخليت عام 2005.

بدورها، لا تملك "حماس" الا ورقة الرهائن للتفاوض عليها، ومن هنا سعيها الى المطالبة بـ"الصفقة الشاملة" التي لم تكن محل قبول من الجانب الاسرائيلي، مع انه تم صياغة العديد من "مسودات" الاقتراحات وادخال تعديلات من أجل تقليص حجم الفجوة بين الطرفين والوصول الى حل يفضي لاستئناف الهدنة. وفي الاطار، اعرب وزير الدولة في الخارجية القطرية، محمد الخليفي، عن "احباطه من بطء العملية التفاوضية في بعض الأحيان"، مشددًا على أن "الوسطاء عملوا بشكل مستمر في الأيام الأخيرة لمحاولة جمع الطرفين وإحياء الاتفاق الذي أقره الجانبان وسنظل ملتزمين بهذا رغم الصعوبات".

وفي جديد معركة الابادة المستمرة، كشف موقع "واللا" العبري عن أن الجيش الإسرائيلي يستعد لعمليات أكبر في القطاع بهدف تقسيم مناطق بما يتضمن إنشاء مراكز لتوزيع المساعدات الغذائية مباشرةً على المدنيين بإدارة شركات مدنية بهدف إضعاف نفوذ "حماس" وتقويض حكمها. فيما دعا اربعة من كبار وزراء حكومة نتنياهو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان فيها. وقد باشرت الحكومة الاسرائيلية تطبيق تلك الخطة بحذافيرها بعدما صدق اجتماع المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على فصل 13 مستوطنة في الضفة الغربية تمهيدًا للاعتراف باستقلالها. وهذه الخطوات المتسارعة كانت محط تحذيرًا من قبل السلطة الفلسطينية التي شددت على أن ضم إسرائيل للضفة الغربية سيعني رسميًا نهاية إمكانية تطبيق مبدأ حل الدولتين.

وعليه تمر القضية الفلسطينية بمنعطف شديد الخطورة ما سيترتب عليه تداعيات في الايام المقبلة خاصة ان المنطقة بأكملها تعيش على وقع المخططات الاسرائيلية الاميركية التي تهدف لتكريس واقع ميداني جديد تخلط فيه الاوراق. ومن هذا المنطلق، تصعّد واشنطن في اليمن حيث شنت امس سلسلة مكثفة من الغارات على عدة محافظات شملت صنعاء والحديدة وصعدة ومأرب. وقد تناقلت عدة وسائل اعلامية مشاهد لاستهداف سوق شعبي وسط العاصمة صنعاء ما نجم عنه وقوع قتلى وجرحى. من جهتها، رفضت جماعة الحوثي ما يُحكى عن تراجعها العسكري، ولكنها حذرت على لسان أحد مسؤوليها من إقدام واشنطن على "الإعداد والتجهيز لعملية عسكرية برية تهدد بتفجير الوضع بشكل كامل".

تصعيد العمليات ضد الحوثيين تتزامن مع "التفاؤل الحذر" الذي رافق الجولة الثانية من المفاوضات الاميركية - الايرانية والاجواء "الايجابية" التي أشاعها كلا الطرفين، في وقت لا تبدو فيه اسرائيل راضية عن المسار المُتبع وتنظر بعين القلق والريبة من أي اتفاق مُحتمل خاصة انها تدفع نحو القيام بعمل عسكري ضد إيران وتوجيه ضربات "موجعة" لها. في غضون ذلك، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي أن الاتفاق الأميركي - الإيراني أصبح قريبًا، وقد يتم إبرامه خلال أسابيع في ظل "إرادة للتحرك بسرعة لتفادي الأسوأ". يُذكر ان الاتفاق، في حال تم، سيسهم في "خفض التوتر" في المنطقة العربية ويعيد احياء الأمال بإرساء جو من الطمأنية والاستقرار، الذي يبدو حتى اللحظة بُعيد المنال.

هذه التوترات ترافقت مع جولة ميدانية قام بها رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير في الجولان السوري المحتل لتقييم الاوضاع هناك، حيث أعلن ان قوات الاحتلال "ستواصل عملها في المنطقة الأمنية لحماية السكان من أي تهديد"، واصفًا المساحة التي يحتلها الجيش هناك بـ"الحيوية". ومنذ سقوط نظام الأسد، تشن تل أبيب بشكل متواصل غارات جوية تستهدف مواقع عسكرية ومخازن أسلحة داخل سوريا، بهدف منع وصولها إلى الجيش السوري الجديد ضمن سياسة رفض إعادة بناء قوته من جديد، بحسب تقارير اسرائيلية.

وترفض اسرائيل وجود اي جيش اقوى من جيشها في المنطقة وتهدد بعظائم الأمور بغية خلق واقع جديد. وهذا ما عكسته ايضًا المستجدات على الساحة اللبنانية من خلال الاعتداءات التي نفذتها أمس في جنوب لبنان والتي اوقعت قتلى وجرحى، معلنة عن استهدافها في احدى الغارات قيادي في "حزب الله" "لاضطلاعه بتهريب وسائل قتالية وأموال إلى داخل لبنان لإعمار قدرات "حزب الله" العسكرية". وضمن السياق عينه، حسم رئيس الجمهورية جوزاف عون الخلاف المستجد حول سلاح "حزب الله" بتأكيده أن حصر السلاح بيد الدولة قد "اتُّخذ القرار بشأنه، ولكن علينا أن ننتظر الظروف المناسبة" لتحقيق ذلك.

على المقلب الدولي، برزت تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب التي أعرب فيها عن أمله "في إمكان توصّل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق سلام "هذا الأسبوع"، متعهدًا بـ"تعاملات تجارية مزدهرة مع الولايات المتحدة وتحقيق ثروة طائلة". وهذه "الاغراءات" للدفع نحو افق جديدة للمفاوضات تضع حدًا للحرب المستمرة تأتي مع اتهام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موسكو بانتهاك هدنة عيد الفصح "أكثر من 2000 مرة"، لكنه أكد أنه لم تحدث أي غارات جوية روسية خلال اليوم.

وتعددت العناوين والقضايا التي اهتمت بها الصحف العربية الصادرة اليوم. وفي أبرز ما ورد في الجولة الصباحية نلخص التالي:

تحت عنوان "هل نحن أمام مراسم تنصيب الشرق الأوسط؟"، كتبت صحيفة "الرياض" السعودية "الحقيقة أن أحداث الشرق الأوسط ينتظرها تأثير مباشر يتعلق بالسلم والأمن الدوليين، فالحساسية الشديدة التي تعيشها القوى العظمى العالمية بين بعضها يفرض على تلك الدول بحث استقرار الشرق الأوسط، لأن الخيارات الأخرى خلاف الاستقرار صعبة وقاتلة"، معتبرة أن "مراسم تنصيب الشرق الأوسط أصبحت ظاهرة بقوة في سورية ولبنان واليمن، وقريبًا في دول كان العالم يعتقد أنه من المستحيل تغيير تبعيتها السياسية والأيديولوجية..فحالة الاستقطاب التي عاشتها المنطقة أصبحت قابلة للتغير"، على حدّ قولها.

من جهتها، شددت صحيفة "الوطن" القطرية على أن "الحل الحقيقي والمستدام للصراع الفلسطيني يكمن في حصول الشعب على حقوقه، وفي طليعتها قيام دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبغير ذلك فإن تداعيات الصراع لن تتوقف، وستبقى المنطقة بأسرها عرضة للمزيد من الفوضى"، معتبرة أن "أي تأخير في تحقيق ذلك معناه إبقاء الصراع مفتوحا، وهذا ما يتعين على المجتمع الدولي التنبه إليه والعمل لتطويقه عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية عاجلًا وليس آجلًا".

وتطرقت صحيفة "الأهرام" المصرية الى الأحداث المأساوية في غزة "التي لم تشهد لها البشرية مثيلا في أي من عقودها السابقة، ولا نتوقع أن يكون لها نظير في المستقبل"، مضيفة "لقد قتلت إسرائيل الأطفال لأنهم المستقبل، وقتلت الصحافة والإعلام حتى لا يكون هناك شهود على جرائمها، وفشلت تماما، ووصلت الصورة الخطيرة إلى كل الناس ليكتشفوا إسرائيل وجيشها، فكيف ستتعامل هذه الدولة مع العالم، ومع جيرانها في الحاضر والمستقبل، في الوقت الذي أرادت منع الحياة عن أهل غزة؟".

موضوع غزة تناولته ايضًا صحيفة "الدستور" الأردنية التي جزمت بأن "نتنياهو لا يريد وقف الحرب، لعله يحقق نتائج تتغير معاييرها من الاخفاق والفشل باتجاه الإنجاز والانتصار، حتى يتخلص من قرار تشكيل لجنة التحقيق، ويبدد محاكمته على قاعدة كلمة "التقصير"، والتي إن تمت ستطيح به نحو السجن أو الإقالة وفقدان مستقبله السياسي". وخلصت الى أن "الوضع المستجد، الهيمنة الإسرائيلية، الاحتلال، التوسع، في فلسطين وسوريا ولبنان، وهذا ما يجب استخلاصه ومعرفته والتصرف الوطني والقومي والديني والإنساني على أساسه.

في اطار منفصل، كشفت مصادر متابعة لصحيفة "الجريدة" الكويتية عن اجتماع رعاه مسؤولون إيرانيون لعدد من قيادات "حزب الله" قبل أيام، جرى خلاله الاتفاق على المسار السياسي الذي سيسلكه الحزب"، لافتة الى انه "وبتوصية من إيران، جاء قرار الحزب برفع السقف السياسي، في محاولة لضبط الوضع داخله، وتحديد الأولويات تزامنًا مع المفاوضات النووية الإيرانية ــ الأميركية التي تتطلب رفع السقف من حلفاء إيران لتحسين الشروط التفاوضية"، بحسب قولها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن