إسرائيل ومصير الاحتجاجات الراهنة

تشهد إسرائيل حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني غير مسبوق نتيجة لرفض شرائح مجتمعية وعسكرية وسياسية استمرار الحرب في قطاع غزة، وعدم وجود مقاربة سياسية حقيقية للتعامل مع المشهد الراهن، ودوران إسرائيل في حلقة مفرغة مرتبط بالفعل بالتمسك بالتعامل مع المشهد السياسي برؤية أمنية بحتة، وهو ما يؤكد أن حالة الاحتجاج الراهن مرتبطة بحالة عامة ومستمرة لحين التوصل لحل حقيقي وليس حلاً مؤقتاً أو جزئياً في غزة وخارجها.

وهو ما حذر من تبعاته الرئيس الاسرائيلي اسحق هرتسوج، ودعا إلى حوار قومي والذي فشل قبل أن يبدأ لارتباط ذلك بمناخ سياسي عام يرى أن الحكومة الحالية هي حكومة تقود إسرائيل برؤية مصلحية دفاعاً عن أمن اسرائيل وحفاظاً على بقاء الدولة في محيطها الإقليمي، وإلا فإن إسرائيل ستشهد حالة عامة من عدم الاستقرار المفتوح على سيناريوهات عدة.

هذه السيناريوهات ليس من بينها التوصل لاتفاق سياسي مع جوار إسرائيل الإقليمي، والانتقال إلي حالة أخرى في ظل النزعة العسكرية المتصاعدة، والتي تعبر عنها عشرات من القوى الصاعدة، وحركات الاحتجاج التي تضم قيادات الأحزاب السياسية على مختلف درجاتها إضافة لعناصر أمنية سابقة ومجموعات منتمية للقوى الاجتماعية المتعددة. ما تشهده الساحة الإسرائيلية يعكس تنوع وتعدد حركات الاحتجاج السياسي والحزبي بصورة كبيرة، وهي حركات تضم شخصيات سياسية سبق وأن عملت في مواقع الدولة واختبرت الحياة السياسية، وتنتقل الآن لممارسة دور ضاغط على الحكومة لتعديل مساراتها إضافة إلى تحول كثير من الشخصيات السياسية والعسكرية إلى صف المعارضة من خارج الأحزاب في صورة تمرد على الواقع الراهن.

ما يؤكد أن هناك قوى رافضة بالفعل لسلوك وممارسة الحكومة الراهنة بالكامل، وليس فقط الدعوة لوقف الحرب وتوقيع صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، وهو ما يؤكد أن الشرائح الصاعدة والمتمردة في الدولة تواجه الحكومة بخيارات تبدو صعبة بصورة كبيرة، وتدعو لتغيير منهج التعامل بالفعل والانتقال تدريجياً إلي صف آخر، وهو ما عبرت عنه حركات كبيرة مثل "قادة اسرائيل"، التي تضم عشرات من القيادات السابقة في المؤسسة العسكرية، وتعمل على طرح مقاربات جديدة وإن تشابهت في طرحها مع رؤى كثير من الحركات الاجتماعية التي تعمل تحت مظلة مختلفة، وتدعو إلى التغيير.

والرسالة أن إسرائيل في الوقت الراهن وبصرف النظر عن قبول أو رفض الحكومة الإسرائيلية ومكونات ائتلافها العمل في مواجهتها إلا أن الدولة قد تشهد حالة تطور وتمدد حركات التمرد والاحتجاج إلى حالة غير مسبوقة، أزمة حقيقية في حال دخول شرائح أخرى من نوعية الهستدروت، والنقابات العمالية والمهنية، ما قد يؤدي بالفعل إلى شلل عام في إسرائيل بالفعل، وحدوث مزيد من الخسائر الاقتصادية إلى جوار تقلبات السوق الكبيرة وهروب رؤوس الأموال، وهو ما يؤكد أن إسرائيل قد تشهد مزيداً من الانقسام في ظل غياب التوافقات المجتمعية، وانهيار حركة الداخل ما قد يدفع إلى مزيد من التوتر.

ولعل ترقب المؤسسة الدينية والحاخامات الكبار ما يجري يدفع إلى حالة من الخوف على مستقبل الدولة العبرية بأكملها، وهو ما يحذر من تداعياته القادة الدينيون الذين يتابعون ما يجري عن قرب ويعملون على توجيه الوزراء والسياسيين للعمل ومحاولة لإيجاد روابط دينية وسياسية واجتماعية، وهو أمر غائب في ظل افتقاد الشعور الجمعي باستثناء الخوف من تكرار 7 أكتوبر مجدداً، ما يعني أن الإدراك بخطورة المشهد الراهن قد يدفع بالفعل للعمل في سياق الحسابات الحذرة والمكلفة للمجتمع الإسرائيلي بأكمله والعمل في دوائر متعددة ومهمة.

يمكن التأكيد على أن حالة عدم الاستقرار في إسرائيل ستستمر في ظل حالة اللايقين التي تعم أرجاء الدولة بأكملها، ولا توجد ضوابط حقيقية في التعامل الحاسم، وغياب الرؤية الاستراتيجية في التعامل ما يتطلب إعادة ترتيب الأولويات والمهام، التي تؤكد عليها إسرائيل رسمياً وتعمل على طرح مقاربات عسكرية واستراتيجية.

ومن المؤكد اعتماد خيار الأمن أولاً على أي اعتبار آخر تخوفاً من أي ردود أو تفاعل سلبي موجود لدى الجمهور الإسرائيلي الذي انقسم، وسيواصل انقسامه ما دام الأمر مرتبطاً بغياب الرؤية الحقيقية في التعامل وإعادة بناء مناعة وطنية للدولة في الداخل وفي مستواها الإقليمي، ما يؤكد أن إسرائيل ستظل تواجه خيارات صعبة مرتبطة بالوضع الراهن والمرشح لمزيد من التصعيد في ظل ما يجري حول إسرائيل وفقاً لرؤيتها للتحديات والمخاطر الني تتطلب التعامل معها بواقع مختلف.

فالمؤكد أن حكم اليمين الإسرائيلي لن ينهار، ولا يمكن التصور بصعود دور ليسار أو قوى وسط في مجتمع يتجه بقوة إلى مزيد من التطرف والعنف وتبني خيارات المواجهة أولاً وأخيراً، حيث لا حل ولا توافق ولا إيمان بقدرة إسرائيل على التهدئة، أو الاستقرار ما دامت التهديدات لدول الجوار قائمة، ما يتطلب استمرار التصعيد والحرب، وستظل المؤسسة الدينية في إسرائيل، والحاخامات الكبار يعملون في اتجاهات محددة مع بناء مقاربة نفعية واقعية تستند على مظلومية حقيقية لإسرائيل في نطاق إقليمها ما يتطلب الحذر والتفاعل مع أي خطر يمكن أن يواجه إسرائيل في مدييها القصير والمتوسط مع اعتماد خيار العمل العسكري في أي تعامل وحتى اشعار آخر.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن