صحافة

"المشهد اليوم"… اتفاق غزة "مُعقّد" والغارات تعود إلى "الضاحية الجنوبية""حذر" يرافق التفاوض الإيراني - الأميركي والسعودية وقطر تسددان متأخرات سوريا للبنك الدولي

من أثار الضربة الاسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت أمس (أ.ب)

يتصدر ملف التفاوض بين ايران والولايات المتحدة واجهة الأحداث، خاصة أنه يأتي في ظل سلسلة من التطورات المستجدة التي تفرض نفسها على الساحتين العربية والدولية، ما يدفع نحو تساؤلات ملّحة عن الاسباب والدوافع كما الغايات والقدرة على التوصل لاتفاق ما برعاية عُمانية. فعملية "طوفان الاقصى" وما تلاها من متغيرات دفعت طهران الى الجلوس على طاولة المفاوضات انطلاقًا من مخاوفها الامنية ومصالحها العليا التي حتمت عليها تبني الحوار مع "الشيطان الأكبر" مجددًا كأداة لتفادي التصعيد الباهظ التكلفة بعدما وضعها الرئيس الاميركي دونالد ترامب بين خيارين أحلاهما "مرّ" فإما السلام وإما الحرب، دون أن يكون هناك أي مكان "للخيارات الرمادية" التي لطالما طبعت العلاقات الايرانية - الاميركية.

فطهران التي خاضت عبر التاريخ 6 جولات تفاوضية تدرك اليوم ان القرار الدولي، الذي راوغت بشأنه خلال السنوات الماضية قد اتخذ، بعدما باتت اذرعها في المنطقة بحالة حصار كامل وضربات اسرائيلية متكررة لاضعافهم وتقويضهم. وقد أسهمت التطورات العسكرية الأخيرة في غزة وسوريا ولبنان كما في اليمن الى تقليص نفوذ إيران الإقليمي، مما انعكس بشكل سلبي على موقفها التفاوضي وفرض معادلات جديدة لا يمكن تخطيها. ومن هنا يمكن القول ان الظروف التي توافرت في الاتفاق السابق عام 2015 لم تعد هي نفسها، بل طرأ عليها العديد من التقلبات التي تدفع نحو ترتيب المشهد العام وفق معايير جديدة.

هذا دون أن ننسى مساعي ايران ورغبتها بالتخفيف من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الاميركية، بعدما زاد الرئيس ترامب منذ لحظة وصوله الى البيت الابيض تفعيل "الضغوط القصوى" ما أرخى بثقله على البلاد. وسعيًا وراء تحقيق اي انفراجة اقتصادية ورفع العقوبات كانت المفاوضات في جولاتها الثالثة بين مسقط وروما، بهدف تقريب وجهات النظر، التي لا تزال متباعدة ويعتريها الكثير من الخلافات، لاسيما ان ترامب يسعى الى اتفاق شامل يضعه من ضمن انجازات عهده في وقت تريد فقط ايران التخفيف من الضغوط المُمارسة عليها سياسيًا واقتصاديًا. وتبدو المرحلة المقبلة شديدة الاهمية لانها ستحدد مسار المفاوضات وانعكاساتها ومآلاتها وهذا ما سيكون مدار رصد وبحث في قادم الايام.

وفي السياق، وضع نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان، في تفاصيل الجولة الثالثة من المفاوضات التي جرت يوم السبت الماضي في عُمان، مشددًا على ان بلاده "لم تتفاوض، ولن تتفاوض حول خطوطها الحمراء". كما أكد أن المفاوضات مع الولايات المتحدة تناولت الملف النووي فقط، دون بحث وقف تخصيب اليورانيوم أو القدرات الدفاعية بما فيها برنامج الصواريخ الباليستية. ودخلت روسيا على الخط عبر توضيح موقفها لجهة إبداء استعدادها لتخزين المواد النووية المخصبة الإيرانية "إذا اعتقد كل من الولايات المتحدة وطهران أن ذلك سيكون مفيدًا"، بحسب ما ورد على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وتأتي الاشارات الروسية للمساعدة والتوسط بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية عباس عراقجي الى موسكو والرسالة التي حملها من المرشد علي خامنئي الى رئيسها فلاديمير بوتين دون الافصاح عن مضمونها. 

ومن المفاوضات النووية الى الاوضاع الامنية بعد الانفجار المروّع الذي استهدف ميناء الشهيد رجائي بمدينة بندر عباس جنوب إيران، وهو يُعتبر من أكبر الموانىء في البلاد، حيث أمر المرشد الإيراني الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية بإجراء تحقيق شامل بشأن "أي إهمال أو تعمّد". وبينما لا تزال الاسباب غامضة، أشارت عدة تقارير اعلامية إلى أن الميناء كان مرتبطًا باستقبال شحنة سابقة من مكون كيميائي يُستخدم في تصنيع وقود محركات الصواريخ وهو ما نفته السلطات معتبرة أن هذه الادعاءات "لا أساس لها من الصحة". واحتل انفجار الميناء على صدارة عناوين الصحف الإيرانية الصادرة أمس، الأحد، حيث تساءلت العديد منها عما إذا كان "حادثًا عارضًا أم عملًا تخريبيًا"، وهو ما يمكن أن توضحه المعطيات المقبلة. يُذكر أن عدد الضحايا ارتفع إلى أكثر من 40 شخصًا وإصابة نحو ألف آخرين.

المستجدات الايرانية تزامنت مع الاعتداء الاسرائيلي الجديد على لبنان حيث استهدفت غارة إسرائيلية الضاحية الجنوبية لبيروت بعدما وجه جيش العدو إنذارًا مفاجئًا لسكان منطقة "الحدث" بضرورة إخلاء منازلهم تمهيدًا لقصفها بحجة وجود مخازن أسلحة تابعة لـ"حزب الله". هذا الخرق الجديد لاتفاق وقف النار دفع رئيس الجمهورية جوزاف عون الى دعوة كل من الولايات المتحدة وفرنسا إلى "إجبار" الدولة العبرية على "التوقف فورًا" عن ضرباتها، محذرًا من ان "استمرار إسرائيل في تقويض الاستقرار سيفاقم التوترات ويضع المنطقة أمام مخاطر حقيقية تهدد أمنها واستقرارها". يُشار الى أن هذه هي المرة الثالثة التي تتعرض فيها الضاحية الجنوبية لبيروت لضربةٍ اسرائيلية منذ سريان وقف النار في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.

هذا الاعتداء السافر تزامن مع استهداف آخر نفذه العدو صباحًا في بلدة حلتا بجنوب لبنان وأسفر عن سقوط شخص ادعت اسرائيل انه عنصر من "حزب الله" "كان يعمل على إعادة ترميم قدرات المنظمة الإرهابية في المنطقة". وتواصل تل أبيب انتهاكاتها بعدما عمدت الى نقض الاتفاق والبقاء على احتلال 5 تلال استراتيجية على طول الحدود ناهيك عن الاعتداءات شبه اليومية ما يضع البلاد في حالة من التوترات خاصة ان مسؤولي "حزب الله" باتوا يواجهون سهامهم نحو الدولة اللبنانية وينتقدون أداءها، خصوصًا ان ذلك يترافق مع جدل تسليم سلاح الحزب وما يمكن ان ينتج عنه من تداعيات داخلية.

والمشهد اللبناني على خطورته يأتي في وقت تصعّد فيه اسرائيل من غاراتها وعملياتها العسكرية على قطاع غزة موقعة المزيد من الشهداء والجرحى، حيث أعلنت وزارة الصحة عن ارتفاع حصيلة الحرب إلى 52243 شخصًا. فيما يخيم خطر دخول البلاد رسميًا في مرحلة المجاعة على سلم الاولويات بعدما اعلنت كل المنظمات الدولية والاممية عن نفاذ مخزونها مع استمرار الحصار الشامل الذي تنفذه تل أبيب منذ أوائل شهر آذار/ مارس الماضي. وتستخدم اسرائيل سلاح التجويع كأداة لاذلال الفلسطينيين واخضاعهم بينما يشهد ملف المفاوضات تعقيدات مستمرة تؤجل اي اتفاق مُمكن. وفي هذا الاطار، برز ما اعلن عنه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي أشار الى المحادثات مع حركة "حماس"، خلال الأيام القليلة الماضية، أظهرت أن الحركة الفلسطينية ستكون أكثر انفتاحًا على اتفاقٍ يتجاوز وقف إطلاق النار ويهدف إلى حل دائم للصراع مع إسرائيل.

وتسعى الحركة التي فقدت الكثير من اوراقها التفاوضية الى التوصل لصفقة شاملة تعيد الاسرى مقابل انسحاب اسرائيلي كامل من القطاع وادخال المساعدات الانسانية، وهي شروط لا توافق عليها اسرائيل التي وسعت من سيطرتها العسكرية وباتت ترفع سقف المواجهة عاليًا وتربط اي اتفاق بسحب سلاح "حماس" وانهاء حكمها بشكل كامل. الى ذلك، عادت التظاهرات الضخمة الى شوارع اسرائيل للمطالبة بإنهاء الحرب فورًا وتحرير المحتجزين وسط اتهامات لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعرقلة اي اتفاق لكسب الوقت والبقاء في السلطة، وفق ما ورد على لسان عائلات الأسرى المحتجزين لدى "حماس". بدوره، وصف نتنياهو إقامة دولة فلسطينية بـ"الفكرة السخيفة"، متعهدًا بعدم تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة قطاع غزة.

في غضون ذلك، تستمر الغارات الاميركية على اليمن حيث أفادت وسائل إعلام تابعة للحوثيين عن مقتل 8 أشخاص، بينهم أطفال ونساء في العاصمة صنعاء. وكانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت، في وقت سابق، أنها قصفت أكثر من 800 هدف تابع للحوثيين في المحافظات اليمنية منذ الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل مئات العناصر الحوثية والعديد من قادتهم، بحسب ما أوردته في البيان. كما شددت على أنها ستواصل الضغط على الجماعة حتى استعادة حرية الملاحة البحرية، واستعادة قوة الردع الأميركية.

أما سوريًا، فقد تلقى الرئيس أحمد الشرع دعوة رسمية لحضور القمة العربية المنوي انعقادها في بغداد في 17 أيار/ مايو المقبل من وزير الثقافة العراقي أحمد البدراني. وكانت هذه الدعوة مثار جدل في الايام الماضية، مع تصاعد حملات الرفض من قبل نواب في البرلمان العراقي الذين لوحوا بامتلاكهم ملفات وأدلة تدين الرئيس السوري بضلوعه في أعمال إرهابية داخل العراق. ومن الاوضاع السياسية الى التحسن الاقتصادي الذي يمكن ان تشهده العاصمة دمشق بعد اعلان المملكة العربية السعودية وقطر رسميًا عن تسديدهما الديون المستحقة على سوريا للبنك الدولي والبالغة نحو 15 مليون دولار. هذه الخطوة المهمة يمكن أن تساعد في البدء بمرحلة التعافي الطويلة الأمد بعد الحرب التي استنزفت البلاد طوال أكثر من 12 عامًا.

في الشأن الدولي، أشار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الى أن الأسبوع المقبل قد يكون "مفصليًا" على صعيد الجهود المبذولة لوضع حد للحرب الأوكرانية، وذلك على وقع الضغوط التي يمارسها ترامب على كل من موسكو وكييف. في وقت تتواصل فيه الهجمات الروسية على القوات الأوكرانية، لاسيما في منطقة كورسك الروسية محققة بعض التقدم بحسب البيانات الصادرة. وفي اعلان مفاجىء، أكدت كوريا الشمالية رسميًا، ولأول مرة، أنها نشرت قوات للقتال لصالح روسيا في حربها مع أوكرانيا بموجب أمر من الزعيم كيم جونغ أوان.

ومع اقتراب نهاية أول 100 يوم من ولاية الرئيس ترامب، تزداد المعارضة لسياساته المتسرعة والمثيرة للجدل وسط تراجع في شعبيته وتصاعد الانتقادات لإدارته وطريقة تعاطيها مع الملفات السياسية والاقتصادية الرئيسية. واليكم ما اهتمت به الصحف العربية الصادرة اليوم في عناوينها ومقالاتها، وذلك خلال الجولة الصباحية اليومية:

تطرقت صحيفة "البيان" الاماراتية الى مفاوضات مسقط، حيث ان "إيران تطالب برفع شامل وفوري للعقوبات، وأمريكا تطالب بوقف التخصيب النووي كاملاً، وقد يؤدي ذلك إلى احتمال تصعيد عسكري، إما مباشر أو عبر وكلاء، المطلوب هو اتفاق شامل، وهو الأقل احتمالًا حتى الآن"، معتبرة ان هناك "عاملين قد يؤديان إلى التسريع في الاتفاق، الأول الوضع الاقتصادي في إيران، والثاني الانتخابات الأمريكية النصفية القادمة، وهي أيضاً محملة باحتمالات كثيرة".

وكتبت صحيفة "الرياض" السعودية "تقف إيران اليوم على مفرق طرق مصيري، حيث لم تعد الخيارات الثوريّة قادرةً على رسم معالم المستقبل، أو الحفاظ على الاستقرار الداخلي وصدّ التهديد الخارجي". واضافت "وبينما يعيد العالم صياغة معادلات الشراكات والطاقة والاقتصاد، تبدو أمام إيران فرصة تاريخية استثنائية للعودة إلى مسار التنمية والانفتاح...والسؤال: هل تختار إيران رهان التنمية والاندماج مع العالم، أم تستمرّ في طريق المواجهة والتصعيد؟".

في اطار متصل، رأت صحيفة "عُمان" العمانية أن "الإدارة الأمريكية تعمل في اتجاهين متناقضين في الشرق الأوسط. فهي تتفاوض بوساطة عُمانية مع إيران لمنع نشوب حرب، في الوقت الذي تشن فيه أعنف حرب على "الحوثيين". وقالت "ربما يبدي الإيرانيون في هذه المرحلة مرونة في تشجيع الحوثيين على الهدوء كما فعلوا مع حلفائهم في لبنان والعراق، لكن درجة التأثير الإيراني على الحوثيين محدودة"، بحسب قولها.

من جهتها، لفتت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى أن "الشرق الأوسط يشهد واحدة من أكثر لحظاته تقاطعًا بين التحولات الداخلية والضغوطات الخارجية، ففي حين تتحرك بعض العواصم العربية نحو استعادة التوازن العقلاني والتهدئة الإقليمية، يحاول الكيان الإسرائيلي، بدعم دولي - أميركي غير مشروط، فرض نمط من التطبيع بالقوة"، موضحة أنه "في ظل هذا المحيط المتلاطم من التحولات الكبرى، تشهد دوائر القرار العربي جدلًا متجددًا حول معادلة معقدة ركيزتها سؤال محوري: كيف يمكن تحقيق التوازن بين الاعتبارات الهوياتية والثوابت القومية من جهة، ومتطلبات المصالح الاستراتيجية والاقتصادية من جهة أخرى؟".

ولم يختلف موقف صحيفة "الدستور" الاردنية التي لفتت الى أننا "نعيش في عالم يتغير كل يوم، كما تتغير أسعار الذهب والنفط والعملات والأسواق المالية"، مشيرة الى أن "الصمود أمام هذا الواقع الجديد يتطلب حدًّا أدنى من توافق عربي تتحدث عنه الاجتماعات العربية ولا يراه الناس، ولم يعد مقبولًا إعلان التوافق في العلن والتباعد في المواقف الحقيقية مما يجري في منطقتنا.. لا صبر لدينا يُخشى نفاده، وعلينا الخشية من نفاد صبر الطامعين في بلادنا. هذه هي الحقيقة التي على القمة العربية في بغداد أن تواجهها بعد أسبوعين"، على حدّ وصفها.

صحيفة "الأهرام" المصرية، بدورها، نبهت الى استخدام إسرائيل "سلاح التجويع من أجل تحقيق أهدافها داخل قطاع غزة، خاصة أن ذلك يحظى بدعم من جانب الائتلاف اليميني الحاكم في تل أبيب، الذي ما زال مصرًا على ضرورة القضاء على حركة "حماس" وتفكيك كامل بنيتها داخل القطاع"، مشددة على أن "هذه السياسة تفرض مزيدًا من العقبات أمام الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة، وفي مقدمتها مصر، من أجل استئناف اتفاق وقف إطلاق النار".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن