استحوذت الأوضاع في ايران على الاهتمام خلال الاسابيع القليلة الماضية مع انطلاق المفاوضات الايرانية الاميركية التي يمكن أن تسهم في ارساء الاستقرار في منطقة تعج بالصراعات والازمات والحروب الدموية. والمفارقة ان طهران تضطلع بدور رئيسي بهذه الوقائع الميدانية، سواء في اليمن او لبنان او حتى في قطاع غزة. ومع ادراكها أن "زمن الاول تحول"، تسير ايران وسط "حقل من الالغام" وتحاول ان تحسن شروطها وتعزز مواقفها رغم الضغوط الكبيرة التي تُمارس عليها من كل حدب وصوب.
ولكن مع هذه المفاوضات التي يحاول الطرفين اشاعة أجواء ايجابية بشأنها، طغى الانفجار الذي وقع يوم السبت الماضي في ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس جنوبي ايران، اكبر الموانىء التجارية في البلاد، على سلم الأحداث. وفي جديد المعطيات، أعلن وزير الداخلية الإيراني إسكندر مؤمني أن سببه "الإهمال" وعدم احترام الإجراءات الأمنية، متعهدًا باتخاذ الإجراءات اللازمة ومحاسبة أي جهة أهملت واجباتها على أي مستوى. كما أكد أنه جرى استدعاء المسؤولين عن التقصير للتحقيق معهم. بالتوازي لا تزال فرق الاطفاء تعمل على السيطرة على الحريق بالكامل في وقت ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 70 شخصًا، وفقًا لوكالة "مهر" للأنباء.
ومع هذا الاعلان تكون طهران قد نفت وجود أي "أعمال تخريبية" كما لم تتبنَ نظرية المؤامرة التي انتشرت في الايام السابقة، لاسيما أن هذا الانفجار الضخم ترافق مع الجولة الثالثة من المفاوضات الإيرانية - الأميركية بشأن برنامج طهران النووي والتي عُقدت في العاصمة العُمانية، مسقط. هذا وتسعى "الجمهورية الاسلامية" الى عقد لقاء مع الاطراف الاوروبية التي سبق وشاركت في الاتفاق النووي لعام 2015. ونقلت وكالة "رويترز" عن أربعة دبلوماسيين تأكيدهم بأن إيران اقترحت عقد اجتماع ربما في روما يوم الجمعة المقبل، لكن الجانب الاوروبي المعني لم يقدم رده بعد.
وتحاول الدول الاوروبية المعنية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، والتي تُعرف ايضًا باسم "الترويكا الأوروبية"، الى التروي والتعامل بدقة وتقييم نتائج المحادثات غير المباشرة التي تجري بين طهران وواشنطن قبل أن تبني على الشيء مقتضاه. ومع ما ستحمله الجولة الرابعة المنوي عقدها بين الجانبين السبت المقبل من معطيات جديدة خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي عن وجود بعض "الخلافات"، والتي جرى ترحيلها الى الجولة الجديدة آملًا بتفكيكها او سد الثغرات، على الرغم من ان كُثر من المراقبين والمحللين يعتبرون ان الوصول الى اتفاق لا يزال بعيد المدى بسبب المقاربة المختلفة المعتمدة، خصوصًا ان ايران ترفض البحث بوقف تخصيب اليورانيوم أو المس بقدراتها الدفاعية بما فيها برنامج الصواريخ الباليستية وتحصر المفاوضات فقط في اطار الملف النووي.
في السياق، يبرز الدور الاسرائيلي المعرقل لاي نتائج ايجابية ممكن أن ترشح عن "مباحثات مسقط"، خاصة ان تل أبيب كانت تجنح نحو العمل العسكري لا اعتماد "الحل الدبلوماسي" الذي يصر عليه الرئيس الاميركي دونالد ترامب على حساب "القاء القنابل"، كما سبق وصرح إعلاميًا. وقال وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر "لدي ثقة كبيرة بأن الرئيس ترامب سينسحب اليوم من أي اتفاق سيئ"، معتبرًا أنه يجب "تصديق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عندما يقول إنه سيبذل كل ما في وسعه لمنع إيران من تطوير سلاح نووية".
ومن المفاوضات النووية التي تتصدر واجهة التطورات الى الاوضاع في غزة حيث تتسابق المعطيات المأساوية الميدانية مع جهود الوسطاء للتوصل الى اتفاق لوقف النار في أقرب فرصة ممكنة. ويعمل المصريون والقطريون بشكل حثيث على تدوير الزوايا وتقليص فجوة الاختلافات وهو ما يبدو غير واضح المعالم حتى اللحظة، رغم ما اشيع في الساعات القليلة الماضية عن تقدم كبير في المفاوضات. وبحسب مصدران أمنيان مصريان لوكالة "رويترز" فإن الأطراف اتفقت على عدد من القضايا، منها التوافق على وقف إطلاق نار طويل الأمد في غزة، الا انهما اشارا الى استمرار وجود بعض النقاط الشائكة رغم التقدم المحرز في المحادثات، ومنها مسألة أسلحة حركة "حماس".
إلا أنه لطالما كمن "الشيطان" في التفاصيل فغداة كل تقارب او أمل بالتوصل لهدنة ما تعمل تل أبيب على عرقلتها ونقض الشروط المتفق عليها لوجود نوايا باتت واضحة باستكمال الحرب بغض النظر عن اي نتائج يمكن أن تُحقق وخاصة ما يتعلق بالأسرى الاسرائيليين المحتجزين لدى "حماس". تزامنًا، تستمر الغارات العسكرية على القطاع حيث أشارت احصائيات المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الى أن إسرائيل "ارتكبت جريمة قتل بحق أكثر من 18000 طفل، وأكثر من 12400 امرأة، وأبادت أكثر من 2180 عائلة قُتل فيها الأب والأم وجميع أفراد الأسرة، وأبادت أكثر من 5070 عائلة لم يبق من كل منها سوى فرد واحد على قيد الحياة".
هذه الارقام المفجعة تؤكد مواصلة تل أبيب لارتكاب الابادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين، في حين شهدت "محكمة العدل الدولية"، أمس، جلسات خصصت للبحث بشأن منع إسرائيل المتعمد من وصول المساعدات إلى الفلسطينيين في قطاع غزة وما ترتب عليه من جريمة "تجويع" ممنهجة وسط اعاقة نشاط المنظمات الدولية. وكان المتحدث باسم الأمم المتحدة حذّر من أن أعمال النهب آخذة بالتزايد في القطاع الذي يواجه ظروفًا كارثية، خصوصاً مع منع دخول المساعدات منذ بداية الشهر الماضي.
لبنانيًا، وصف الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم الغارة الإسرائيلية التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، الأحد، بـ"الاعتداء السياسي من دون مبرر"، مطالبًا الدولة اللبنانية بممارسة مزيد من "الضغط" لوقف هذه الغارات. كما انتقد قاسم الاسلوب المتبع في مقاربة هذا الملف بالقول "على الدولة أن تضغط، والضغط الذي مارسته الدولة حتى الآن هو ضغط ناعم وبسيط، لا يرقى إلى أكثر من بعض التحركات وبعض التصريحات. هذا أمر غير مقبول". من جهته، شدد الرئيس اللبناني جوزاف عون على أن "العودة إلى لغة الحرب ممنوعة"، مؤكداً أن قرار حصر سلاح "حزب الله" بيد الدولة "مُتّخذ"، وتتم معالجته بهدوء.
ويثير التصعيد الاسرائيلي قلقًا واسعًا في الداخل اللبناني، خصوصًا ان الحوار المرتقب بين الرئيس عون و"حزب الله" بشأن ملف السلاح لم يبدأ بعد رغم وجود بعض قنوات التواصل والتشاور بينهما. وسبق للحزب ان قام برفع حدة خطابه في ما يخص معالجة ملف السلاح الذي يعتبره "خطًا أحمر". وبالتالي، يتخوف اللبنانيون من تجدّد القصف وعودة الحرب خصوصًا ان اسرائيل تمضي بتوسيع احتلالها وتنفيذ عمليات واعتداءات شبه يومية في الاراضي اللبنانية بحجة وجود نشاط او مواقع تابعة للحزب. ولا يبدو ان المجتمع الدولي بما يمثل، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، بصفتهما ضامنتين لاتفاق وقف النار، يستطيعان الضغط على تل أبيب لثنيها عن القيام بالمزيد من الانتهاكات التي تهدد الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان.
أما دوليًا، فقد تسبب انقطاع التيار الكهربائي في اسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا الى حالة هلع وتوتر مع توقف المطارات ووسائل النقل العام، وإجبار المستشفيات على تعليق العمليات الروتينية. وقد بدأت الكهرباء في العودة التدريجية، بحسب المعلومات الاعلامية، دون ان يتضح السبب الرئيسي الكامن خلف ذلك، إذ أشارت البرتغال إلى أن المشكلة نشأت في إسبانيا، في حين ألمحت إسبانيا إلى انفصال في الشبكة مع فرنسا.
وفي الشأن الأوكراني، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدنة لثلاثة أيام تتزامن مع احتفالات بلاده بذكرى الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية، مؤكداً "استعداده لمحادثات سلام من دون شروط مسبقة تهدف إلى إزالة الأسباب الجذرية للأزمة الأوكرانية". فيما شدد البيت الابيض الى ان الرئيس ترامب يريد وقفًا كاملًا لاطلاق النار وايجاد حل مستدام لهذه الحرب. ويضغط ترامب منذ وصوله لعقد صفقة تنهي القتال الدائر، الا ان ظروفها لم تنضج بعد.
المستجدات على الساحتين العربية والاقليمية كانت محط اهتمام الصحف العربية الصادرة اليوم والتي نورد هنا أبرز ما ورد في افتتاحياتها وعناوينها:
اشارت صحيفة "الوطن" البحرينية الى أن "جولات المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لا تزال مبهمة، ولم يكشف عن نتائجها بعد، بالرغم أن بعض محاورها معروفة سلفاً، كبرنامج إيران النووي، ورفع العقوبات الأمريكية عن طهران"، معتبرة أن "تلك المفاوضات هي مجرد وسيلة لكسب الوقت، والمستفيد الأكبر من ذلك هي إيران، حتى تخصب المزيد من اليورانيوم..ولكن السؤال الاهم هو من منح كل هذا الوقت لإيران، حتى تصل إلى نسبة 60% من التخصيب؟".
وفي الاطار عينه، رأت صحيفة "الغد" الأردنية أن "إيران تخلت عن اللبنانيين، والسوريين، والفلسطينيين، بعد أن استخدمت شعوبهم أدواتٍ في مشروعها المجنون، بل إنها استخدمت قضيتي الشيعة وفلسطين كغطاء لهذا الطموح، وهو الإدعاء الذي سقط عند أول نقطة اختبار حقيقية"، متسائلة "لماذا لم تتخذ إيران هذه الخطوة عندما كان الخراب والدماء يُبذلان عربياً، وعندما كان مشروعها في أوجه؟ لماذا أوصلت المنطقة إلى هذا الدمار طالما أن النتيجة النهاية هي التفاوض؟".
وتناولت صحيفة "القدس العربي" الشأن السوري، اذ نبهت الى أن سقوط النظام المخلوع سهل على الرئيس ترامب "المواجهة مع إيران بعد خسارة مواقعها في سوريا، وهزيمة "حزب الله"، وفي تغير لافت بدأ بسحب نصف القوات الأمريكية وتفكيك بعض القواعد العسكرية، ودفع "قوات سوريا الديمقراطية" لإبرام اتفاق مع إدارة دمشق الجديدة". وأضافت "اليوم الإدارة السورية الجديدة بانتظار قرار ترامب برفع العقوبات التي ليس للإدارة الجديدة فيها ناقة أو جمل لكنه لايزال يماطل، ولا يرى في الاعتداءات التي تقوم بها دولة الاحتلال على سوريا أية غضاضة بل يلتزم الصمت".
بدورها، لفتت صحيفة "الجريدة" الكويتية الى أن الاستهداف الاسرائيلي للضاحية الجنوبية تم "قبل ثلاثة أيام من وصول رئيس لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز الذي يزور لبنان الأربعاء المقبل"، موضحة أنه "مع كل زيارة لوفد أميركي تستبقه تل أبيب بتصعيد وتكثيف عملياتها. علماً أن ذلك يترافق مع المفاوضات الأميركية - الإيرانية، خاصة أن إسرائيل تستخدم تصعيدها العسكري واستهداف مناطق شمال الليطاني لأجل ممارسة المزيد من الضغوط على "حزب الله" لدفعه إلى تقديم تنازلات"، على حدّ قولها.
اما صحيفة "اللواء" اللبنانية، فمن وجهة نظرها، فإن "حزب الله" "يستغل ملف المفاوضات بين طهران وواشنطن، للتهرب من استحقاق تسليم سلاحه، متذرعًا بالخروقات الاسرائيلية لاتفاق وقف النار واستمرار تمركز قوات الاحتلال الاسرائيلي في مواقع محددة جنوبًا". وقالت: "يأمل الحزب ان يتحول هذا التفلُّت الى واقع دائم، يوظفه الحزب للاحتفاظ بسلاحه، على غرار ما حصل بعد حرب تموز 2006، ويستقوي به من اي مساءلة، وصولا الى تهديد وابتزاز كل من يطالب بنزع سلاحه بالداخل، سواءٌ الدولة او اي طرف سياسي".
وعن غزة، أكدت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "القضية الفلسطينية متشابكة الأطراف معقدة التركيب، لأن الحركة الصهيونية ظلت لأكثر من قرن ونصف تحفر في بئر اليأس وتزرع خطاب الكراهية وتشيد أسوار العنصرية والتعصب"، داعية الى "تضافر الجهود للاقتراب من استعادة زخم التفاوض من أجل حل واحدة من أعقد المشكلات الدولية التي تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية بقيادتها الحالية مسؤولية تاريخية بعد حرب غزة المروعة للبحث عن مخرج لما نحن فيه ووضع حدٍ حاسم لإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني".
(رصد "عروبة 22")