في 100 يوم الأولى من ولايته الثانية، يستمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتخاذ القرارات الحاسمة، ومنها ما هو استراتيجي على المستويين الداخلي والخارجي، قبل ان يعود ويتراجع عن بعضها نتيجة ما تخلفه من تداعيات كارثية وتحديات اقتصادية متزايدة. وهذا ما جعله يواجه تراجعًا شعبيًا حادًا وانتقادًا مستمرًا خاصة بعد سياسات الهجرة التي انتهجها والحرب التجارية التي خاضها مع الحلفاء والخصوم على حد سواء ما أدى إلى محو 8.6 تريليونات دولار من قيمة الأسواق العالمية، ناهيك عن تعهده بإحلال السلام ووقف الحروب، وهو ما لم يتحقق في أي من الصراعات الدموية الحاصلة، سواء في قطاع غزة او في أوكرانيا، بل الاكثر دخل بحرب واسعة ضد "الحوثيين" في اليمن.
فعلى صعيد الشرق الأوسط، تعتري سياسة ترامب المتبعة الكثير من الانتقادات، لاسيما بعد دعوته الصادمة الى تهجير الفلسطينيين من القطاع تحقيقًا لرؤيته الخاصة بـ"ريفييرا غزة" مرورًا بدعمه اللامتناهي لخطط اسرائيل التوسعية في المنطقة، وهو الذي يؤيد علنًا الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بحجج "صغر مساحة تل أبيب" ويتغاضى عن انتهاكاتها اليومية في لبنان وسوريا، ناهيك عن الحرب التي يخوضها في اليمن بهدف تأمين إسرائيل وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وصولًا الى تصريحه المثير للجدل حول عبور السفن الأميركية التجارية والعسكرية من قناة السويس مجانًا. وامام هذه الاحداث برز مؤشر وحيد يمكن ان يقود نحو تثبيت الاستقرار في المنطقة، ونقصد هنا المفاوضات غير المباشرة التي تجري مع ايران بوساطة عُمانية رغم ان الخيار العسكري لا يزال على الطاولة ويستخدمه كل حين وحين للضغط على طهران للقبول بصفقة يضعها ضمن انجازات عهده الثاني.
وعليه يمكن القول ان سياسات ترامب تتسم بالكثير من التضارب وعدم تقييم العواقب وغياب التعاملات الدبلوماسية، وعلى الرغم من رفعه شعار "اميركا أولًا" الا ان كل المعطيات تؤكد أن العالم يواجه تحولًا عن النظام الدولي الليبرالي الذي ساد بعد الحرب الباردة. ومع ذلك، بدا ترامب امس خلال إلقاء كلمته احتفالًا بمرور ما يقرب الثلاثة أشهر على ولايته الرئاسية الثانية، واثقًا من سياسته ومتباهيًا بإنجازاته حيث قال "حققنا في 3 أشهر ما لم تحققه إدارات سابقة في 8 أعوام"، كما اعتبر "ان ما حققه في 100 يوم لم يتحقق في 100 عام"، معلنًا أن "العصر الذهبي لأميركا قد بدأ".
في سياق متصل، تتصاعد العمليات العسكرية في اليمن حيث أعلنت وزارة الدفاع الاميركية أن مقاتلاتها قصفت أكثر من ألف هدف في البلاد، وقتلت قادة من الحوثيين "بمن فيهم مسؤولون عن الصواريخ والمسيّرات". في وقت اعلن الجيش البريطاني أنّه نفذ بالاشتراك مع الجيش الأميركي ضربة جوية استهدفت منشأة لإنتاج طائرات مسيّرة تابعة للحوثيين. هذا وتبدو الحرب المتواصلة في العاصمة صنعاء وبقية المناطق اليمنية طويلة الأمد لاسيما ان جماعة "الحوثي" تشدد على متابعة تنفيذ العمليات العسكرية إسنادًا للفلسطينيين ونصرة لقطاع غزّة الذي يتعرض لإبادة يومية.
وهذه الابادة الفلسطينية كانت محط تنديد من قبل "منظمة العفو الدولية" التي دعت الى وقف الحرب فورًا، مشيرة الى ان العالم "يتفرّج على شاشاته على إبادة جماعية تحصل على الهواء مباشرة". في وقت تتعمق فيه ازمة الجوع مع نقص حاد وارتفاع جنوني لاسعار السلع نتيجة رفض اسرائيل المتكرر من فتح المعابر وتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع بحجة الضغظ على "حماس" من اجل ابرام صفقة تعيد الاسرى المحتجزين لديها. وبحسب الارقام الصادرة عن جهات دولية وأممية، فإن أكثر من مليون طفل من مختلف الأعمار يعانون من الجوع اليومي فيما حذرت "اليونيسيف" من أن 335 ألف طفل دون سن الخامسة باتوا على شفا الموت بسبب سوء التغذية الحاد.
ومع هذا الرقم المأساوي الذي يكشف زيف الحرب الاسرائيلية على القطاع، يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعهده بـ"النصر"، رغم مرور اكثر من 18 شهرًا من حرب غزة دون تحقيق الاهداف التي رفعها منذ البداية. كلام نتنياهو جاء في مستهل احتفالات التكريم السنوية للجنود الذين قُتلوا دفاعًا عن إسرائيل حيث قال "دماء شعبنا ستنتصر على القتلة الملعونين الذين هاجمونا بوحشية مروعة". الى ذلك، تتسارع وتيرة الوساطات والمفاوضات لوقف الحرب حيث احتضنت القاهرة جولة جديدة من المباحثات بين رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، وطاقم التفاوض الإسرائيلي برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر وذلك للبحث في مقترح "حماس" القاضي بارساء هدنة طويلة الأمد في القطاع. ورغم الاشارات الايجابية التي تصدر بين حين وأخر عن تقدم ما مُحرز، الا ان كل المعطيات الميدانية والتصريحات الاسرائيلية الرسمية لا تشي بذلك.
وبات من الواضح ان الوسطاء الذين يعملون على تدوير الزوايا يعولون على الضغط الاميركي على اسرائيل، وذلك مع اقتراب جولة ترامب الى الشرق الأوسط. وبظل غياب هذا الحزم الاميركي تبدو الامور في القطاع معلّقة حتى اشعار آخر لان نتنياهو يعتمد على التسويف والمراوغة لاطالة أمد الحرب. في المقابل، بات لافتًا طرح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، في مقابلتين مع صحيفتَي "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت"، والقاضي بإخراج نتنياهو، الذي يحاكم في قضايا فساد من المشهد السياسي، داعيًا إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة إقرار ذنب في محاكماته، وذلك مقابل خروجه من الحياة السياسية دون الزج به في السجن و"كجزء من تخفيف التوتر في المجتمع الإسرائيلي".
أما داخليًا وبعد موجة من التوترات، أكدت الحكومة الإسرائيلية تراجعها عن قرار إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" رونين بار مع اعلان الاخير عزمه على التنحي في منتصف شهر حزيران/ يونيو المقبل، وذلك بعد خلافه العميق مع نتنياهو وبظل تقاذف المسؤوليات عن الجهات المتورطة والمقصرة في أحداث 7 أكتوبر وما رافقها من تطورات. ويغلي الشارع الاسرائيلي منذ مدة مع تزايد الضغوط الممارسة على نتنياهو والاعتراضات على سياسته المتبعة لجهة التضحية بحياة الرهائن لدى "حماس" مقابل استمرار الحرب التي يضعونه في سياق تعزيز نفوذه وتهربه من التهم التي يواجهها.
ومن الوضع المتردي فلسطينيًا الى الاحداث الخطيرة في سوريا والتي تزيد المخاوف من حرب اهلية طاحنة، وذلك غداة الاشتباكات ذات الخلفية الطائفية، والتي اندلعت ليل الاثنين - الثلاثاء في ضاحية جرمانا قرب دمشق نتيجة "تسجيل صوتي" نُسب لأحد مشايخ الدروز في سوريا وتضمّن إساءات للدين الإسلامي. وسارعت الجهات المعنية الى تطويق الأزمة حيث توصّل ممثلون للحكومة السورية ودروز جرمانا إلى اتفاق ينصّ على محاسبة المتورطين والحدّ من التجييش الطائفي الذي أدى الى معارك دموية أسفرت عن سقوط 14 شخصًا على الأقل، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وهذه الاحداث المتكررة تزيد من حجم المسؤولية الملقاة على الادارة السورية الجديدة التي تحاول تثبيت الأمن والاستقرار في البلاد.
تزامنًا، تحدثت مصادر اعلامية عن لقاءات جمعت بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ومسؤولين كبار من الخارجية الأميركية في نيويورك، مساء أمس. وتأتي هذه اللقاءات بعد رد دمشق الرسمي على قائمة شروط وضعتها الادارة الاميركية مقابل احتمال تخفيف جانب من العقوبات المفروضة منذ عهد النظام السابق، وهو ما تسعى اليه الادارة السورية بجدية مطلقة بغية الانطلاق في عملية اعادة الاعمار وتحسين الظروف الداخلية الضاغطة على الشعب الذي يعاني من التضخم الاقتصادي وانهيار سعر العملة.
في الشأن الاقليمي، تزداد المخاطر من نذر حرب بين باكستان والهند، اذ صرح وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار أن لدى بلاده معلومات استخباراتية موثوقة تفيد بأن الهند تنوي شنّ ضربة عسكرية على باكستان خلال 24 إلى 36 ساعة المقبلة، مشددًا على أن "أي عدوان سيُقابل برد حاسم. وستتحمل الهند المسؤولية الكاملة عن أي عواقب وخيمة في المنطقة". وتترافق هذه التصريحات مع تحركات عسكرية مستمرة منذ أيام على الحدود المشتركة بين البلدين النوويين ووسط تحذيرات من حرب وشيكة جديدة بينهما على خلفية هجوم دموي وقع في كشمير، الأسبوع الماضي، واتهمت نيودلهي إسلام آباد بالوقوف خلفه.
الصحف العربية الصادرة اليوم تنوعت مواضيعها ولكنها تركزت على الشأن العربي وما يحمله على صعد عدة. وفي جولة الصباح تركيز على ابرز العناوين والمقالات:
تحت عنوان "دعوة الشرع إلى بغداد ضربة لأجندات الفتنة"، حللت صحيفة "عكاظ" السعودية أهمية هذه الدعوة التي "لا تعبّر فقط عن رغبة بغداد في ترسيخ العلاقات مع دمشق، بل تحمل رسالة أوسع مفادها أن زمن القطيعة والصراعات الداخلية قد آن له أن ينتهي"، مشددة على أن "أي محاولات لعزل سوريا أو التشويش على عودتها إلى الحضن العربي لن تكون سوى محاولات يائسة تخدم قوى أجنبية تسعى إلى إبقاء المنطقة في حالة من الانقسام وعدم الاستقرار".
بدورها، ركزت صحيفة "الراي" الكويتية على الشأن الداخلي اللبناني قائلة "لبنان الرسمي الذي يَرى "بأم العين" اتفاق وقف النار يتلاشى تباعًا وخروقه تتمدّد في طول البلاد وعرضها، بات عمليًا عالقًا بين: أولًا صعوبة إقناع الخارج، ولا سيما واشنطن، بوجوب أن تنسحب إسرائيل من التلال الخمس التي أبقتْها تحت الاحتلال على الحدود الجنوبية للبنان ووقف الاعتداءات، كمدخل أو أقله كمسار موازٍ لبدء البحث الجدي مع "حزب الله" في مسألة تسليم سلاحه شمال الليطاني، وثانيًا أن "حزب الله"، ورغم عدم قدرته ولا رغبته في الردّ على تمادي اسرائيل في اعتداءاتها، يمضي في رفع الصوت والتصعيد الذي لا يخلو من "تأنيب" للدولة على سلوكها"، وفق تعبيرها.
من جهتها، تحدثت صحيفة "الأهرام" المصرية عن ما يعانيه السودان من اضطرابات واوضاع مأساوية وقالت "يحدث ذلك في بلد كان يوصف بأنه "سلة غذاء" للعالم، ويحتوى على مناطق زراعية خصبة وشاسعة، وكان دائمًا موطنًا لثروة حيوانية هائلة"، مؤكدة أن استقبال القاهرة فريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، "يؤكد ليس فقط خصوصية العلاقة بين البلدين الشقيقين، و إنما أيضا الدور المحوري الذي ينبغى أن تلعبه مصر، في إعادة إعمار السودان وإقالته من عثرته"، على حدّ قولها.
ولفتت صحيفة "عُمان" العُمانية الى ان "المفاوضات الأمريكية الإيرانية تسجل تقدمًا إيجابيًا ولعل ذلك يعود إلى عوامل موضوعية منها أن السلطنة أوجدت المناخ المناسب عند عقد أي مفاوضات صعبة"، مشيرة الى ان "الملف النووي الإيراني من الملفات المعقدة والصعبة، كما أن الخلاف وعدم الثقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية هو خلاف وعداء متواصل منذ قيام الثورة الإسلامية كما أن الكيان الصهيوني يصب الزيت على النار، ويسعى إلى إشعال حرب إقليمية كبرى قد تتدحرج إلى حرب عالمية تفتك بالملايين من البشر وتخلق حالة من العداء والكراهية بين الشرق والغرب".
أما صحيفة "الراية" القطرية فتناولت العلاقات القطرية السعودية التي وصفتها بالـ"مُتجذّرة، وكان لها انعكاسات إيجابية كبيرة لصالح البلدين، فتلك العلاقات تنطلق من وحدة الأهداف والمصير المشترك، ولا شك أن الدولتين تشكّلان بُعدًا استراتيجيًا مهمًا لكليهما ولمنطقة الخليج والشرق الأوسط"، مضيفة "ولا يخفى على أحد النشاط الدبلوماسي المكثف في الدوحة والرياض مؤخرًا لتنسيق المواقف، خصوصًا في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها المنطقة، وتستوجب التشاور والتنسيق والتعاون بين البلدين لخدمة مصالحهما المُشتركة".
(رصد "عروبة 22")