تقدير موقف

لا نملك سلاح الحرب ولا نملك أدوات السّلام!

أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز (حين كان وليًا للعهد) في قمّة بيروت عام 2002، مبادرة السلام العربية، والتي عبّرت آنذاك عن رغبةِ - لا تزال قائمة - العرب بإحلال السلام في المنطقة. وقد أتت المبادرة من دولةٍ ليست لها حدود مع إسرائيل، وحظيَت بإجماعٍ عربيّ لكونها صادرةً عن قمّةٍ عربية.

لا نملك سلاح الحرب ولا نملك أدوات السّلام!

جاءت المبادرة بعد أكثر من خمسين عامًا على قيام إسرائيل التي خاض معها العرب العديد من الحروب أعوام 1948 و1956 و1967 و1973، فضلًا عن الحروب والاعتداءات على لبنان وخصوصًا عام 1982. فلم تؤدِّ واحدةٌ من هذه الحروب إلى الآمال التي عقدها العرب ووعدَت بها الأنظمة العربية بهزيمة المشروع الصهيوني. على الرَّغم من شجاعة الجندي العربي والمقاوم الفلسطيني واللبناني، وعلى الرَّغم من الهزائم، إلّا أنّ الأنظمة التي خاضت هذه الحروب لم تعترف مرةً بالهزيمة. على العكس من ذلك، فإنّ الأنظمة كانت تعتبر أنّ صمودها في السلطة هو الانتصار.

الحكّام والأنظمة لا يملكون شجاعة مصارحة الشعب بالحقيقة

بغضّ النظر عن كون الأنظمة لم تكن يومًا تريد تحرير فلسطين، ونعرف أنّها غير قادرةٍ على ذلك، فهي كانت تكتفي بترديد الشعارات كجزءٍ من سياسات الهيمنة والوعود التي لا نهاية لها. والاعتراف بالهزيمة في المعركة، يحتاج إلى الشّجاعة، ولكنّ إدراك الحكّام والأنظمة بالعجز لم يكنْ يسمح لهم بالاعتراف ولا يملكون شجاعة مصارحة الشعب بالحقيقة.

لا بدّ أن نُذكّر بأنّ مبادرة السلام العربية قد جاءت بعد معاهدات (سلام) عُقدت بين بعض الدول العربية وإسرائيل، ففي عام 1978 وَقّعت مِصر اتفاقية "كامب ديفيد" التي أدّت إلى انسحاب إسرائيلي من شبه جزيرة سيناء وتبادُل السفراء. وقد قبلت إسرائيل آنذاك بالانسحاب لقاء خروج مصر من دول المواجهة، الأمر الذي أدّى إلى مقاطعتها وإخراجها من جامعة الدول العربية لما يزيد على عشر سنوات.

وفي عام 1993، عُقدت "اتفاقية أوسلو" بين منظمة التّحرير وإسرائيل، وقد أسفرت عن إقامة سلطةٍ فلسطينيةٍ في الضفّة الغربيّة (أو بعض الضفّة الغربية) على أن تستكمل بنود الاتفاق في مدةٍ زمنيةٍ تتعلق بعودة اللاجئين والقدس. ولم يتأخّر الأردن بعد أن وقّع الفلسطينيون اتفاقيةً تعترف بإسرائيل، من توقيع معاهدةٍ مع إسرائيل أدّت إلى تبادل السفراء وإجراءات أمنية.

حكّام إسرائيل لا يريدون السلام ونتنياهو يدرك أنّ العرب العاجزين عن خوض الحرب عاجزون أيضًا عن فرض السلام

لكن هذه الاتفاقيات لم تأتِ بالسلام، ليس فقط لأن بلديْن مجاوريْن لم يوقّعا أي اتفاقية، والمقصود سوريا ولبنان، ولكن لأنّ المصريين والفلسطينيين والأردنيين، لم يعتبروا أنّ توقيع الاتفاقيات قد جلب السلام على الرَّغم من الاعتراف وتبادُل السفراء.

وإذ عبّرت مبادرة السلام العربية التي أطلقها العاهل السعودي، عن رغبةٍ عربيةٍ بالسلام إذا تحقّق البند الرئيسي وهو إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ على أراضٍ فلسطينية، فإنّ إسرائيل وبعد ما يزيد على عقديْن من الزمن، لم تستجب للمبادرة ولم تأخذها على محمل النقاش أو التفاوض، بل تجاهلتها كأنّها لم تكن. خصوصًا أنّ اليمين الإسرائيلي هو الذي يحكم إسرائيل (علمًا أن نتنياهو في منصب رئاسة الحكومة منذ عام 2009). وللتذكير فإنّ إسحاق رابين قد اغتيل من جانب متطرّف يهودي عام 1995، وهو الذي وقّع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين عام 1993.

السلام هو امتداد للحرب بأدوات مختلفة ويحتاج إلى القوة والشجاعة فضلًا عن امتلاك أساليب فرضه

من الواضح إذًا أنّ حكّام إسرائيل لا يريدون السلام، بل إنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يستمرُّ في حرب إبادةٍ في غزّة، يصرّح مرةً بعد أخرى بأنّه يريد أن يغيّر خريطة الشرق الأوسط، من دون أن نسمع صدًى أو استنكارًا لتصريحاته المتكرّرة التي لا يُفصح فيها عن أيّ خريطة يتحدّث. وهو لا يريد السلام ولا يُلقي بالًا للحديث عن دولةٍ فلسطينيةٍ، بل يعمل على تهجير الفلسطينيين من غزّة. وهو يدرك أيضًا أنّ العرب العاجزين عن خوض الحرب، عاجزون أيضًا عن فرض السلام. ذلك أنّ السلام مثل الحرب. فإذا كنّا لا نملك أدوات الحرب، فإنّنا لا نملك أدوات السلام أو أوراقه. ومن يعتقد أنّ السلام يحتاج فقط إلى النوايا الحسنة، فهو بعيد عن فهم طبيعة الصراع، أنّ السلام هو امتداد للحرب بأدواتٍ مختلفة، وهو يحتاج إلى القوة والشجاعة، فضلًا عن امتلاك أساليب فرضه.

وأولئك الذين يخشون من تغريدةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي تنتصر لغزّة وأولئك الذين يَزجّون بالسجن متظاهرين عُزّلًا يرفعون علم فلسطين في هذه العاصمة أو تلك لا يملكون الشجاعة التي يحتاجها فرض السلام.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن