صحافة

سوريا: هل اتفاق العاشر من آذار مع الأكراد مهدد بالانهيار؟

بكر صدقي

المشاركة
سوريا: هل اتفاق العاشر من آذار مع الأكراد مهدد بالانهيار؟

تفاءل السوريون خيراً من الإجراء العملي الأول في إطار اتفاق العاشر من آذار الذي كان قد وقعه كل من أحمد الشرع، بوصفه رئيس الجمهورية، ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وذلك بانسحاب وحدات حماية الشعب التابعة لقسد من حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، ونقل تأمينهما إلى إدارة الأمن العام بوحدات مطعمة بعناصر كردية، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين بين الجانبين.

تبع ذلك تحييد سد تشرين قرب مدينة منبج من الصراع الذي كان دائراً بين قسد وفصائل تابعة لتركيا (ما كان يسمى بالجيش الوطني) ووقف إطلاق النار بين الجانبين بدون إعلان رسمي. وكان من المفترض استمرار المفاوضات بين طرفي الاتفاق من خلال تشكيل لجان نوعية لتطبيق البنود الأخرى من الاتفاق تباعاً على أن ينتهي هذا المسار مع نهاية العام الجاري. ولكن، يبدو أن ثمة أموراً تجري بعيداً عن متناول الرأي العام غيّرت تلك الأجواء الباعثة على التفاؤل وغيّرت نبرة الأطراف نحو التوتر.

ترى هل يتعلق الأمر بقراءات مختلفة لبنود اتفاق الشرع ـ عبدي ترجمها كل طرف من زاوية نظره فظهرت الخلافات؟ أم أن تدخلات من خارج الطرفين، بل من خارج سوريا ككل هي التي دفعتهما إلى التصلب المتبادل؟ أم أن أحداثاً أخرى متصلة بالشؤون السورية ولا علاقة مباشرة لها بالطرفين هي التي تسببت بذلك؟ لا أحد يملك أجوبة حاسمة على هذه الأسئلة بسبب غياب المعطيات، يمكننا فقط أن نتحدث عن تفسيرات محتملة قد تتأكد لاحقاً أو يتم نقضها.

لا شك أن اتفاق العاشر من آذار لم يبن على مجرد النيات الطيبة للطرفين، بل كانا مضطرين لعقده تحت ضغط ضرورات لا مفر منها. فقد كانت إدارة أحمد الشرع في حاجة ماسة لإنجاز كبير في ذلك الوقت على أمل أن يغطي على المجازر التي ارتكبت في الساحل قبل أيام وفشلت الإدارة في منع وقوعها ووقف استمرارها (إلى الآن). كذلك كانت تأمل أن يفتح الاتفاق بارقة ضوء في نهاية نفق الوضع الاقتصادي الاجتماعي الكارثي، على الأقل فيما يتعلق بالثروة النفطية التي من المفترض أن تنتقل إدارتها وعائداتها من قسد إلى السلطة في دمشق (بعد اقتطاع حصة لمنطقة الجزيرة وفق أحد بنود الاتفاق) لكن الأهم من هذا وذاك أن الاتفاق قد نص صراحة على إدماج قسد في جسم الجيش الجديد الذي من المفترض أنه في طور التشكيل.

الواقع أن هذا الإدماج يعني، ولو نظرياً، توحيد معظم الأراضي السورية تحت سلطة مركزية واحدة، وهو أمر بالغ الحيوية بالنسبة لتوطيد شرعية إدارة الشرع. وقد كان الخلاف حول شكل هذا الاندماج في الأشهر السابقة على الاتفاق هو العقبة الرئيسية أمامه، وقد تم تذليله بنوع من الالتفاف عليه من خلال ما قد يسمى بـ"الغموض البنّاء". من جهتها كانت قوات سوريا الديمقراطية مضطرة لعقد الاتفاق تحت ضغط حرب فصائل "الجيش الوطني" ضدها حول سد تشرين المعززة بالضربات الجوية والمدفعية التركية من جهة أولى؛ واتجاه حزب العمال الكردستاني في تركيا، من جهة ثانية، إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح بدعوة من قائده التاريخي عبد الله أوجلان الذي أطلق نداء بهذا الخصوص من السجن الذي مازال فيه منذ ربع قرن؛ والضغوط التي تأتيها من واشنطن وباريس وعواصم إقليمية أخرى مدفوعة برغبتها في إنجاح المرحلة الانتقالية في سوريا بعيداً عن أي صراعات جديدة أو مستجدة لا تريدها.

لم يكن خافياً على أحد دورا كل من واشنطن وباريس الداعمتين لقسد في دفعها لتوقيع اتفاق العاشر من آذار، كما في دفعها لتشكيل وفد كردي مشترك يمثل جميع القوى السياسية الكردية للتفاوض مع سلطة دمشق حول المطالب الكردية من جهة، وحول رؤية كل من الطرفين لسوريا المستقبل بصورة عامة. إنما في هذا السياق تم عقد المؤتمر الكردي العام، بعد فترة طويلة من التجاذبات، في مدينة القامشلي في 26 نيسان.

بدت مخرجات المؤتمر عالية السقف بالقياس إلى بنود اتفاق آذار، وبخاصة فيما يتعلق ببند "لامركزية الدولة" المرتبط بـ"توحيد المناطق الكردية إدارياً" في إطارها. فكانت ردة فعل سلطة دمشق متشنجة في رفضها ما اعتبرته مطالبة بشكل فيدرالي للدولة مرفوض من قبلها. كذلك طالب المؤتمر بالاعتراف الدستوري بكل المكونات السورية، في حين واظب الشرع وأركان إدارته طوال الأشهر السابقة على رفض أي تصورات للدولة الجديدة قائمة على فكرة المكونات أو المحاصصة في السلطة على أساسها.

يمكن القول إن المؤتمر قد عبر عن رؤية معينة، بصرف النظر عن مقبوليتها سواء لدى السلطة أو عموم السوريين، وهذا حق لكل كيان سياسي من غير أن يعني السعي إلى فرضها. بل هي عبارة عن مطالب مطروحة للتفاوض حولها، قد يتم التفاهم على قسم منها أو إيجاد حلول وسط. مع الأخذ بعين الاعتبار أنها مسنودة بقوة قادرة على موازنة قوة سلطة دمشق التي بدورها لا يمكن اعتبارها ممثلة لدولة عمومية تمثل جميع السوريين.

لقد وجدت إدارة الشرع نفسها في اجتماع مجلس الأمن الأخير في مواجهة وضع غير مريح لأن الدول الفاعلة جميعاً لم تظهر ارتياحاً للخط الذي تمضي فيه إلى الآن، فما زالت تلك الدول تطالبها بتشكيل حكومة تمثل التنوع السوري، إضافة إلى وجوب تخلصها من المجاهدين الأجانب وغيرها من المطالب. وعلى رغم إعلانها أنها لا ترفض تلك المطالب لكنها مازالت تخفق في تحقيقها. فربما كان "بيان رئاسة الجمهورية" الذي صدر بلهجة متشنجة تجاه مخرجات المؤتمر الكردي تعبيراً عن ضيقها الشديد من هذه الضغوط الغربية.

على الجانب الآخر من الحدود بدا شيء من التباطؤ في "المسار السلمي" الذي أطلقه كل من دولت بهجلي وأوجلان، في ظل النزاع السياسي الصاخب بين السلطة والمعارضة العلمانية، وفي الوقت الذي كان الرأي العام في تركيا ينتظر انعقاد مؤتمر حل حزب العمال الكردستاني أصدر الأخير بياناً طالب فيه مجدداً بتأمين الشروط المناسبة لأوجلان ليتمكن من إدارة عمل المؤتمر وتوجيهه حتى ولو من داخل السجن. هذه العوامل مجتمعة قد تفسر جو التوتر الذي أعقب انعقاد المؤتمر الكردي في القامشلي، ومن المستبعد أن يؤدي ذلك إلى انهيار اتفاق آذار لأن جميع القوى ما زالت في حاجة للتمسك به. مع ذلك من الحصافة حسبان الحساب لهشاشة الوضع العام في سوريا الذي لا يمكن التكهن بمآلاته.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن