الاتحاد الخليجي.. الحلم الكبير!

بين الحلم والواقع مسافات طويلة، لا يمكن تجاوزها إلا بالعزم والإصرار وإنهاء حالة الخوف والشك والقلق وحماية المصالح المشتركة. لذلك يبقى مجلس التعاون «حالة حلم» ويبقى الاتحاد الخليجي «الحلم الأكبر» لمواطني الخليج العربي. ومجلس التعاون بحد ذاته وعند قيامة تحت ظروف وأزمات مختلفة وفريدة، يستحق الدراسة بعد مضي أكثر من أربعة عقود على قيامه، استطاع فيها أن يقف أمام محاولات هدم أحلامه وهزيمة كل الظروف التي وقفت أمام تحقيق أهدافه من أجل مجتمع خليجي واحد. إلا أنه توقف.. توقف لحظات يبحث عن نفسه.. وتبحث كل دولة عن مصالحها في لحظة القرار الصعب. ولكن لم تزل المسيرة مستمرة ولم يزل الأمل موجودًا.. كشمعة في آخر النفق.

ومن المفارقات التي فرضتها المصالح أن يكون للدول الصديقة «صاحبة المصالح» دور مهم في استمرار «الحلم الكبير» بعد الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، إلا أنهم تخلوا عنه بعد الهجوم الذي تعرض له برجي التجارة في نيويورك، باعتبار أن ما جرى عمل إرهابي هز الكبرياء والشرف الأمريكي وأدى الى تعديل الولايات المتحدة لاستراتيجيتها وتغييرات مهمة في سياستها وأهدافها في المنطقة من أهمها:

1- إن منطقة الخليج العربي لم تعد لها الأولوية الاستراتيجية السابقة للمصالح الأمريكية، بعد أن نسقت مع إيران والعراق للقيام بدورها وتحقيق مصالحها بأقل التكاليف والتوجه نحو شرق آسيا باعتباره منطقة تتطلب تركيزًا أمريكيًا أكبر لوقف المد الصيني الذي أصبح يهدد مصالحها خاصة مع دول كالصين الوطنية واليابان والهند مع حلفائها في إعادة تواجدها بقوة أمام التنين الأصفر.

2- التركيز على القضايا الحقوقية الخارجة عن الشرائع والديانات، والقناعة بأهمية إجراء التغييرات والتحولات التي تحقق خططها ومصالحها خاصة تلك المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان التي تعمل الولايات المتحدة وحليفاتها في أوروبا على نشرها كمبادئ لا يمكن التنازل عنها مع الدول باعتبارها أساسًا لقيام علاقات ثنائية سليمه تُمكنها من التعاون مع هذه الدول والحصول على الرضا الأمريكي لها بالبقاء كدول مستقلة، وكأن العالم يجب أن يصبح بحيرة أمريكية خالصة.

وتأكيدًا على ذلك نرى المشهد الدولي أصبح يمر بتطورات خطيرة فيما يتعلق بمبادئ حقوق الانسان، التي بدأت تأخذ مسارات غير مقبولة تمامًا، وأقرب مثال على ذلك حرق المصحف الشريف في السويد والدانمارك مؤخرًا الذي تكرر عدة مرات وعلى فترات قصيرة جدًا إلى جانب نشر «المثلية» في العالم لتصبح هاجسًا يعكر صفو العلاقات العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة.

من هنا أعتقد، أصبح من غير الممكن الاستمرار في حالة «النوايا الحسنة» فيما يجري حول دول المجلس من تهديدات ومخاطر جادة خاصة بعد الربيع العربي عام 2011 وفي الفترات الأخيرة من تاريخ مجلس التعاون، وهذا يعكس حالة عدم الاستقرار التي أدركتها قياداته العليا، فكانت لهم دراسات وأفكار ورؤى لحماية أمنه واستقراره وتعزيز دوره على الصعيد الدولي والإقليمي. لذلك كان لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً للتعرف واستذكار أهداف تلك الأفكار والرؤى، وتتلخص في التالي:

أولاً: مجموعة من القرارات المهمة التي وافق عليها المجلس الأعلى بالإجماع حول علاقة دوله بإيران للوقوف أمام الأطماع الإيرانية وتحريك بعض مواطني دول المجلس ضد أنظمتهم الحاكمة تحت شعارات حقوق الإنسان والمظلومية.

ثانيًا: عدد من الرؤى والأفكار التي وضعها قادة دول المجلس لتعديل مسار مسيرة المجلس وتعزيز دوره في حماية أمنه واستقراره الداخلي ووضع السياسات للوقوف أمام تآمر حلفائه التاريخيين -وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة- بإحداث تغييرات تنهي الأنظمة الخليجية القائمة.

لذلك فإن التحولات الاستراتيجية في السياسة الامريكية وقابلتها تحركات مهمة وعملية قامت بها دول محلس التعاون من أجل زيادة المشاركة الشعبية في الحكم بإنشاء المجالس النيابية المنتخبة ومجالس الشورى والبلديات المنتخبة وتعزيز حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، لم تكن مقنعة أو كافية للإدارة الأمريكية لإعادة النظر في موقفها، بل إنها فتحت أبوابها للاستماع الى رأي المعارضة كما حدث مع العراق الذي وصل إلى ما هو عليه الآن من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متردية للشعب العراقي الذي كان ينعم بموارد نفطيه ومياه وزراعة تضعه في مصاف الأمم والدول الغنية في الشرق الأوسط وآسيا.

ما أريد الوصول اليه هو أن هناك من الافكار والدراسات والادوات التي وضعها قادة دول مجلس ما يتطلب تنفيذه او تفعيله، ومثالاً على ذلك:

أولاً: ينص النظام الأساسي لمجلس التعاون على إنشاء «هيئة فض المنازعات». وتختص الهيئة بالنظر في ما يحيله إليها المجلس الأعلى من منازعات بين الدول الأعضاء، وكذلك الخلافات حول تفسير أو تطبيق النظام الأساسي لمجلس التعاون. وليس للهيئة أعضاء دائمون، وإنما يتم تشكيلها من العدد المناسب من مواطني الدول الأعضاء غير أطراف النزاع بقرار من المجلس الأعلى لكل حالة على حدة، وفق طبيعة الخلاف، على ألا يقل عدد الأعضاء عن ثلاثة. ويمكن للهيئة الاستعانة بمن تراه من المستشارين والخبراء ما لم يقرر المجلس الأعلى خلاف ذلك، وتنتهي مهمتها برفع تصويتها او فتواها الى المجلس الأعلى الذي يملك استدعاءها في أي وقت لتفسير أو توضيح ما جاء من توصياتها، إلا أن الملاحظ إن الهيئة المذكورة لم تزل معطلة ولم تجتمع منذ قيام المجلس في عام 1981.

ثانيًا: تشكيل لجنة لدراسة الأفكار والرؤى التي وردت في الورقة المقدمة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله ورؤية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة والأفكار التي اقترحها أمير دولة قطر، والتي بلا شك إنها كلها تحمل أفكارًا متقدمة من أجل تحقيق المزيد من التلاحم بين دول مجلس التعاون ومواطنيه وتقف كالحصن الحصين أمام جميع الأطماع المحيطة به من كل الجهات.

("الأيام") البحرينية

يتم التصفح الآن