اكتسبت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع الى فرنسا، في اول زيارة أوروبية له منذ الاطاحة بنظام بشار الأسد، أهمية كبيرة لأنها فتحت ابواب اوروبا أمامه وعكست مدى الاهتمام الذي توليه باريس للتحولات الجارية في دمشق، ما يمكن أن يعطي المزيد من الدفع والزخم للادارة السورية الجديدة التي تترنح بين ضغوطات الداخل الاقتصادية والمعيشية ومطامع الخارج، وعلى رأسهم اسرائيل، التي تعيث الفوضى والخراب في البلاد.
هذه الهموم وغيرها كانت ضمن اهداف الزيارة السورية لفرنسا، خاصة ان الشرع وحكومته يسعيان الى رفع العقوبات المفروضة وتعزيز الثقة وزيادة الانفتاح على الدول الاوروبية بعد الدعم الخليجي الواسع الذي حظيت به الادارة الجديدة وتُرجم من خلال حزمة المساعدات السعودية والقطرية وأخرها "المكرمة" التي ستقدمها الدوحة لسوريا وهي عبارة عن منحة تبلغ 29 مليون دولار شهريًا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وذلك لدفع رواتب العاملين المدنيين في القطاع العام. وعليه يشكل هذا "القبول" الاوروبي فرصة امام سوريا لكسر العزلة والانطلاق نحو مرحلة التعافي واعادة الاعمار مستفيدة من رغبة هذه الدول الى ارساء الاستقرار بهدف اعادة اللاجئين السوريين الموجودين على ارضها والتخفيف من التحديات الاقتصادية الكبيرة التي فرضها اللجوء السوري الضخم على مدار سنوات طويلة عليها.
هذا دون أن ننسى المصالح الفرنسية في البلاد وتوق باريس الى ان يكون لشركاتها نصيب في عملية اعادة الاعمار المستقبلية كما سعيها الدؤوب لاعادة نفوذها ودورها في منطقة الشرق الاوسط بعد تراجعه وانحساره في الفترة الماضية. وفي تفاصيل اللقاء، بدا الرئيس الشرع واضحًا في تحديد المخاوف والمخاطر التي تحدق ببلده وخاصة الاسرائيلية منها، حيث أعلن بوضوح عن مفاوضات غير مباشرة بين بلاده وإسرائيل عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع وعدم فقدان السيطرة. كما شكل اللقاء فرصة للاضاءة على عدد من القضايا واهمها مكافحة الارهاب وسط مخاوف اوروبية من عودة تنظيم "داعش" وعملياته الاجرامية، ضبط الاوضاع الامنية بعد احداث الساحل السوري والتوترات الاخيرة مع الدروز مع تشديد فرنسي بضرورة محاسبة المتورطين في الهجمات الطائفية، وصولًا الى الاوضاع عند الحدود اللبنانية - السورية واهمية ارساء الهدوء والاستمرار في مكافحة المخدرات.
واعتبر الرئيس السوري أن استمرار العقوبات الاقتصادية الأوروبية على دمشق لم يعد "مبررًا" بعد سقوط نظام الأسد، مؤكداً في الوقت نفسه أن "سلامة المواطنين السوريين هي أولويتنا القصوى، وقد أكدنا ذلك للرئيس ماكرون اليوم". من جهته، دعا الرئيس الفرنسي الولايات المتحدة إلى "الإسراع في رفع العقوبات" و"مواصلة" عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش"، مشيرًا الى أن بلاده ستعمل على رفع العقوبات الأوروبية تدريجيًا عن سوريا "بما سيسهم في تسهيل عملية اعادة الإعمار وعودة اللاجئين". كما شجب ماكرون الضربات والغارات الإسرائيلية في سوريا قائلًا "بالنسبة إلى عمليات القصف والتوغّل، أعتقد أنّها ممارسة سيئة. لن يكون في الامكان ضمان أمن بلد من خلال انتهاك سلامة أراضي البلد الجار".
ومن سوريا وتطوراتها الى خلفية القرار الاميركي "المفاجىء" بوقف الحرب على الحوثيين بوساطة عُمانية، وما يلوح في الافق عن صفقة "محتملة" مع طهران بدأت ملامحها بالظهور تدريجيًا مع اعلان نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس أن محادثات واشنطن مع طهران تسير "على المسار الصحيح"، متحدثًا عن "إبرام اتفاق لمعاودة دمج إيران في الاقتصاد العالمي مع منعها من امتلاك سلاح نووي". وأضاف فانس أن الرئيس دونالد ترامب لا يحبذ الانتشار النووي، وأنه منفتح على الجلوس مع الصين وروسيا في السنوات المقبلة لمناقشة خفض عدد الأسلحة النووية في العالم. وبظل هذا التقارب غير الواضح المعالم بعد، يبدو أن جولة جديدة من المباحثات بين الجانبين ستُعقد يوم الأحد 11 أيار/مايو الجاري، بحسب ما نقلته وكالة "نور" الإيرانية.
وتثير هذه التطورات على الجبهتين اليمنية والايرانية مخاوف وقلق اسرائيل، خاصة ان قرار "الاتفاق" مع الحوثيين أتى دون علمها. ومن هنا تحدثت العديد من وسائل الاعلام الاميركية والاسرائيلية عن موضوع "أزمة الثقة" بين ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث توضح القرارات الاخيرة وجود بعض التباينات في المواقف خاصة ان الاخير يسعى الى تكريس الحلول العسكرية على حساب الدبلوماسية منها، وذلك على عكس طموح الرئيس ترامب الذي يضع نصب عينيه مصالح بلده وتعزيز الاقتصاد وابرام الصفقات "المُربحة". وسبق لإدارة ترامب أن اتخذت العديد من القرارات دون التشاور مع تل أبيب في الأشهر الأخيرة، ومنها إطلاق مفاوضات "سرية" مع "حماس" والرسوم الجمركية التي اصر الرئيس الاميركي على فرضها كما الاعلان عن مفاوضات مباشرة مع إيران وصولًا الى التمايز في الموقف حول دور تركيا ونشاطها في سوريا.
هذا التمايز بشأن العديد من الملفات الساخنة لم يشمل ملف غزة حيث المعطيات تشير الى ان الولايات المتحدة وإسرائيل ناقشتا إمكان قيادة واشنطن لإدارة مؤقتة في القطاع بعد الحرب. وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عن مسؤولين مطلعين فإن المشاورات "الرفيعة المستوى" تركزت على تشكيل حكومة انتقالية برئاسة مسؤول أميركي، تشرف على غزة إلى أن يصبح القطاع منزوع السلاح ومستقرًا وظهور إدارة فلسطينية قادرة على العمل. وشبّه المسؤولون المقترح بسلطة التحالف المؤقتة في العراق التي أنشأتها واشنطن عام 2003 بقيادة بول بريمر حينذاك، وذلك بعد وقت قصير من الغزو الذي قادته واشنطن للاطاحة بحكم صدام حسين.
وبغض النظر عن المقترحات المتداولة، الا ان كل ما يُحكى ويُسرب في الاعلام ومن خلف "الابواب المغلقة" بشأن "اليوم التالي" ومستقبل غزة لا يشي بامكانية خفض التصعيد، بل يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويدفعه نحو التهجير والتشرد. وتأتي هذه النقاشات في وقت يعيش القطاع أوضاعًا انسانية غير مسبوقة مع تزايد مستويات القتل والقصف الوحشي الاسرائيلي الذي ارتكب أمس 4 مجازر، شملت مدرستين وسوق شعبي ومطعم ما أسفر عن استشهاد أكثر من 100 شخص خلال الساعات الـ24 الماضية. الى ذلك، ارتفع عدد الشهداء الصحافيين الى 214 مع اغتيال نورالدين عبدو ويحيى صبيح. ومنذ اندلاع الحرب تستهدف القوات الاسرائيلية الاعلاميين وترتكب ابشع أنواع المجازر التي ترقى الى مستوى "الابادة".
تزامنًا، تنشط الوساطات من اجل ابرام صفقة قبل او خلال زيارة الرئيس ترامب الى المنطقة والتي تشمل السعودية والامارات وقطر. وفي هذا الصدد، توقع الرئيس الأميركي صدور المزيد من المعلومات بشأن غزة غداً وبشأن مقترح جديد للإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار. وأضاف: "هناك الكثير من الحديث يدور حول غزة حالياً. ستعرفون على الأرجح خلال الأربع والعشرين ساعة المقبلة". وبانتظار ما ستحمله المستجدات، دعت 113 شبكة ومنظمة حقوقية عبر العالم مجلس الامن الدولي لفرض عقوبات دولية على الاحتلال الإسرائيلي لوقف جريمة الابادة والتجويع ورفع الحصار بشكل كامل، فيما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، قطاع غزة "منطقة مجاعة"، داعيًا كافة الدول للتحرك العاجل وفق التزاماتها بموجب القانون الدولي الانساني والاعتراف بالكارثة والمجاعة.
وتدأب اسرائيل على استخدام "التجويع" كسلاح ضد المدنيين في حربها ضد القطاع معلنة ان ما يتوافر من غذاء وطعام يكفي، رغم ان معظم المؤسسات الدولية وأخرها منظمة "وورلد سنترال كيتشن" اعلنت عن تعليق عمليات توزيع الوجبات الغذائية بعد نفاد جميع الإمدادات لديها نتيجة الحصار المتواصل منذ أكثر من شهرين ومنع دخول المساعدات على الرغم من تكدس الشاحنات المحملة بالمواد المطلوبة عند المعابر بانتظار الموافقة الاسرائيلية. وعلى الصعيد ذاته، قالت وكالة "الأونروا" أن مئات الآلاف من الفلسطينيين بغزة يتناولون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة جراء سياسة التجويع التي تواصل تل أبيب انتهاجها.
على الصعيد الدولي، توجهت الانظار الى التصعيد الخطير بين الهند وباكستان في اخطر مواجهة عسكرية بين البلدين منذ عقدين وسط تعالي الاصوات الدولية الداعية الى التهدئة وضبط النفس. وكانت الهند شنّت أمس هجومًا على عدة مواقع باكستانية وتلاه تبادل للنار ما اسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى. من جهتها، توعدت اسلام اباد بالرد على التصعيد الهندي "في الوقت والمكان والطريقة التي تختارها انتقامًا لمقتل باكستانيين أبرياء والانتهاك الصارخ لسيادتها".
اما في ما يتعلق بالحرب الاوكرانية، فقد دخلت هدنة حيّز التنفيذ فجر اليوم ولمدة ثلاثة أيام بقرار من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وذلك بالتزامن مع احياء موسكو ذكرى النصر على ألمانيا النازية. في وقت اعلنت كييف عن رفضها هذه الهدنة واعتبرتها مجرد خدعة إعلامية من جانب الكرملين وطالبت بدلًا منها بوقف لإطلاق النار لمدة 30 يوما. ورغم مساعي الولايات المتحدة الجادة لانهاء الحرب وإتمام صفقة بين البلدين، الا ان البوادر الحقيقية لاتمام هذا الامر لا تزال غير متوافرة.
الى ذلك، تمحورت عناوين ومقالات الصحف العربية الصادرة اليوم حول التطورات في اليمن وزيارة الرئيس الاميركي للشرق الاوسط وتداعياتها وغيرها من الملفات التي نرصد أهمها:
كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية عن الاتفاق في اليمن "شيء مخجل أن يقف العالم الحديث ومنظماته وقوانينه الإنسانية متفرجاً على مأساة مكتملة الأركان يعاني منها قرابة ثلاثين مليون إنسان يمثلون شعب اليمن، ولا يفعل تجاههم شيئاً سوى ضمان اقتصاده وتجارته، ونفس الشيء تقريباً ما يحدث في غزة، بينما من يسمون أنفسهم رعاة السلام ينقلون طاولات مفاوضاتهم من مكان لآخر، دون اكتراث بعدد القتلى الذي يزداد كل لحظة"، معتبرة ان "هناك أماكن كثيرة ينشط فيها مسرح العبث، لكن اليمن وغزة الآن هما أبرز تجلياته وأكثرها إهانة للإنسانية".
بدورها، اعتبرت صحيفة "الوطن" البحرينية أن الاتفاق الاميركي في اليمن "يمثل اعترافاً صريحاً من الحوثيين بضعفهم وانكسارهم، ويُعدّ ثمرة مباشرة لتضحيات الشهداء من البحرين والإمارات والسعودية، التي ساهمت في كبح المشروع الإيراني التوسعي، الذي طالما سعى لزعزعة استقرار المنطقة عبر أذرعه المسلحة". وقالت "ميليشيا الحوثي ليست سوى أداة من أدوات المشروع الإيراني، الذي يعمل على نشر الفوضى... غير أن الشعوب العربية، الواعية بمخاطر هذا المشروع، لن تسمح بتمدد هذه الأدوات التخريبية في المنطقة".
اما صحيفة "القدس العربي" فأشارت الى ان "استمرار تبادل الهجمات بين إسرائيل والحوثيين في ظل إعلان توقف الأعمال العسكرية بين أمريكا والجماعة اليمنية تطوّرا لافتا يشير، إذا تم الالتزام به، استراتيجية أمريكية تحاول، حاليا على الأقل، إعطاء الأولوية لمصالح واشنطن في اليمن، والخليج العربي، والمفاوضات مع إيران، وفصل هذه الملفات المعقدة، عن الأجندة الإسرائيلية المباشرة"، متطرقة الى "الأهمية التي يُوليها ترامب لزيارته القريبة المقبلة إلى دول الخليج العربي، والصفقات الاقتصادية وربما السياسية التي يأمل في إنجازها هناك".
زيارة ترامب الى المنطقة كانت محور اهتمام صحيفة "الأهرام" المصرية التي اشارت الى أن الرئيس الاميركي قد يستغل "أي تقدم في ملف غزة، لمحاولة تحقيق تقدم في عملية السلام من خلال مبادرات جديدة، والدفع نحو استكمال الدول العربية التطبيع مع إسرائيل، لكن من المستبعد أيضًا التوصل إلى حلول جذرية"، متوقعة "أن يركز ترامب على تأمين المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة، خاصة الطاقة، وجذب المزيد من الاستثمارات، وعقد الصفقات، خاصة في مجال بيع الأسلحة. وسيسعى ترامب إلى تحويل تعهدات الدول الخليجية بضخ استثمارات في الولايات المتحدة إلى واقع".
صحيفة "الغد" الاردنية، من جهتها، رأت أننا "أمام قوس عربي وإسلامي يتعرض للحروب وتكسير الرؤوس، في الوقت الذي تريد فيه قوى محددة نزع قوة العالمين العربي والإسلامي، وتحويلهما إلى عالم تابع، وضعيف عسكريا، ومدمر اقتصاديا، يعاني من الويلات". وتابعت "لن تجد تحليلا يستثني احتمالات حدوث حرب كبرى في كل المنطقة، بسلاح نووي، أو غير نووي، لأننا أمام حرب إحلال لثقافات جديدة، محل ثقافات سائدة، ولأننا أمام إعادة ترسيم كل الخرائط في مركز الإقليم وفي أجنحته الإقليمية وتحديدا تركيا، وإيران، وباكستان باعتبارها دولا إسلامية إقليمية غير عربية على تماس بشكل أو آخر مع قضايا المركز العربي في منطقتنا".
على المقلب الأخر، تطرقت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى ما يجري بين الهند وباكستان قائلة "هي لعنة الجغرافيا والتاريخ معاً على البلدين الجارين اللذين كانا بلداً واحداً، وتحولا إلى خصمين بدلاً من أن يتعايشا بسلام ووئام، ذلك أن ما بين الجغرافيا والتاريخ تقوم الحياة، وتنشأ الأمم والمجتمعات وتتعاقب الأجيال، لاسيما بين الدول التي تربط بينها حدود جغرافية قدرية، لا يمكن لها أن تتبدل أو تتعدل". واضافت "إن إرادة الحياة والعلاقات الإنسانية والسعي إلى السلام الدائم من أجل خلاص البشرية يجب أن تكون القاعدة التي تحكم العلاقات بين الدول، بحيث تنتفي التهديدات والحروب وكل وسائل الهيمنة".
(رصد "عروبة 22")