تقدير موقف

معركة شبه القارة الهندية.. وتأثيرات تطوّر الصناعة العسكرية الصينية (1/2)هكذا بنت الصين صناعتها العسكرية بدأبٍ رغم العزلة الطويلة!

إسقاط باكستان لمقاتلة "رافال" الفرنسية الصّنع بصاروخٍ وطائرةٍ صينيّين، لحظة مهمّة في تاريخ صناعة الأسلحة العالمية الحديث، أثارت اهتمامًا كبيرًا في الدوائر الغربية المعنية بالصّين وتطوّرها العسكري والتكنولوجي، بخاصة بعدما أكد مسؤولان أميركيان، حسب "رويترز"، أنّ باكستان أسقطت طائرتيْن، ويُعتقد أنّ إحداهما فرنسية والثانية روسية، وهناك تقارير عن إسقاط مقاتلةٍ ثالثة، وإنْ صحَّ ذلك، فهذا يعني أنّ السلاح الصيني الذي كان مثار سخريةٍ قبل بضع سنوات هزم سلاح المنافسين الغربيين والروس مُعلّمي الصينيين القدامى في معركةٍ واحدة.

معركة شبه القارة الهندية.. وتأثيرات تطوّر الصناعة العسكرية الصينية (1/2)
هكذا بنت الصين صناعتها العسكرية بدأبٍ رغم العزلة الطويلة!

إنّ ظروف سقوط المقاتلة رافال لم تُعرف بعد، وهناك اعتقادٌ لدى بعض المحلّلين الغربيين أنّ الهند قد تكون قد ارتكبت خطأً باستخدامها لهذه المقاتلات من ارتفاع عالٍ وبطريقةٍ مكشوفةٍ لأنها افترضت أنّ باكستان لن تجرؤ على إسقاطها داخل المجال الجوّي الهندي، كما لا يستبعد البعض دورًا صينيًا في التوجيه الإلكتروني والراداري للمقاتلات الباكستانية.

الرافال الفرنسية مقاتلة مشهود بكفاءتها، وقد يكون هناك ملابسات غير معروفة أدّت لإسقاطها، ولكن مغزى الحدث يتعلّق بالأساس بالسّلاح الصيني، الذي كان يُنظر له من قبل المحلّلين الغربيين حتّى سنوات خلت، على أنّه تقليد رديء للأسلحة الروسية والغربية، ولكن هذه المعركة أحدثت صدمةً في الأوساط الغربية تُشبه صدمة مؤسّس شركة "تيسلا" إيلون ماسك الذي كان يسخر قبل سنوات من شركة "BYD" الصينية المُصنّعة للسيارات الكهربائية، واليوم يُطالب بفرض حواجز جمركية على مُصنّعي السيارات الكهربائية الصينية وإلّا دمّروا جميع منافسيهم الخارجيين، حسب قوله.

الصينيون أتقنوا التقنيات التي حصلوا عليها من موسكو بطرق شرعية وغير شرعية وأضافوا إليها ما قرصنوه من الغرب

قلّةٌ من المحلّلين الغربيين التي بدأت تُحذّر في السنوات الماضية من الاستهانة بأسلحة الصينيّين، اقترحوا أنّ الصين باتت تتفوّق جزئيًا على أسلحة مُعلّميهم الرّوس، لأنّ الصينيين أتقنوا التقنيات التي حصلوا عليها من موسكو بطرقٍ شرعيةٍ وغير شرعية، وأضافوا إليها ما قرصنوه من الغرب، إلى جانب استفادتهم من تقدّمهم في تكنولوجيا الاتصالات الذي انعكس على أسلحتهم، بخاصة الإلكترونيات مثل رادارات المُقاتلات التي بات من المؤكّد أنّ الصينيين تفوّقوا فيها على الروس.

لكن ظلّ أغلب المحللين يقلّلون من هذا التقدّم، كما أنّ سوق السلاح الثقيل مثل المقاتلات، كانت تنظر باستخفافٍ للأسلحة الصينية خصوصًا أنّ بكين لم تخض حروبًا منذ عقود وأسلحتها غير مجرّبة، وهو ما انعكس في تراجع مبيعات الأسلحة الصينية خلال السنوات الماضية والتي تُمثّل باكستان أكبر زبائنها.

غير أنّ الصين كما فعلت بدأبٍ وصبرٍ في كلّ مجالات التّكنولوجيا من الاتصالات لسفن الفضاء إلى السيّارات، فإنّها تتقدم في صناعة الأسلحة. وتُقدّم المقاتلة "J-10" التي يُرجّح أنّ باكستان استخدمتها في إسقاط المقاتلتيْن الهنديتيْن نموذجًا لدأبِ التنّين الصيني.

الآن يُنظر لـ"J-10" على أنّها نظير الـ"أف 16" الأميركية الشهيرة

عرفت الصين صناعة المقاتلات عبْر المساعدة السوفياتية في خمسينيّات القرن العشرين ولكن الخلاف الصيني - السوفياتي أوائل الستينيّات، جعل موسكو توقف نقل تكنولوجيا تصنيع المقاتلة السوفياتية "ميغ 21" الشهيرة لبكين، حيث قدّم السوفيات مع بدء هذا الخلاف للصينيين وثائق ناقصةً لتصنيع هذه المقاتلة، ولكن الصّين بذلت جهدًا كبيرًا لاستكمال النّواقص وجنّدت لذلك آلاف الفنيّين والمهندسين على الرَّغم من أزماتها الاقتصادية آنذاك، لتنتجَ نسختها الخاصة من هذه الطائرة، ولكنّ الانعزال الصيني بسبب الخلافات مع موسكو والغرب والأهمّ فوضى الثورة الثقافية أخّرت مسيرة التكنولوجيا الصينية في الطائرات وكلّ الأسلحة.

وفي الثمانينيّات يُعتقد أنّ بكين اشترت سرًا تصميمات مشروع المقاتلة "لافي" من إسرائيل وهي طائرة كانت تعتمد على التكنولوجيا الأميركية ومتأثرة بالـ"أف 16"، أوقفت إسرائيل تطويرها بسبب التكلفة وبسبب رفض واشنطن السّماح بتصديرها.

وعلى الرَّغم من إنهاء الإسرائيليين لتعاونهم مع الصينيين استجابةً للضغط الأميركي، وعلى الرَّغم من أنّ ما حصلت عليه بكين كان مشروعًا أوّليًا، فإنّها أخذت تُطوّره بمساعدةٍ روسيةٍ محدودة، لتبني مقاتلةً أكبر حجمًا وتطوّرًا من "لافي" الإسرائيلية، والآن يُنظر لـ"J-10" على أنّها نظير الـ"أف 16" الأميركية الشهيرة، كما تُعتبر مشروعًا صينيًا محليًّا متأثرًا بتصميمٍ خارجي، وليس مجرّد استنساخ.

بكين تنتج رادارات متقدّمة من "إيسا" التي لم تستطع موسكو إدخالها الخدمة بعد كما أنها تتفوّق عليها بصواريخ "جو - جو"

وللمقارنة بالتجربة الهندية، نجد أنّ الطائرة الصينية "J-10" بدأت كفكرة في عام 1981 وأصبحت جاهزة للعمل في 2003، أي بعد 22 عامًا فقط، بينما المقاتلة الهندية "هيل تيجاس" الأصغر والأقلّ تطورًا انطلق مشروعها عام 1984، لتُمنح ترخيص التشغيل في 2019، أي بعد 35 عامًا من انطلاق المشروع، علمًا أنّ المقاتلة الهندية مُحرّكها أميركي ورادارها إسرائيلي عكس "J-10" التي تعتمد على مكوّناتٍ صينية، هذا الفارق جاء على الرَّغم من أنّ نيودلهي كانت لديها فرص أفضل من بكين في الحصول على التكنولوجيا من الاتحاد السوفياتي والغرب، ولكنّ المشروع الهندي علق في البيروقراطية والمخاوف من الفساد والتقلّب بين الرغبة في الاعتماد على المُنتج المحلّي والمُستورد عكس الصين التي تحرّكت بسرعةٍ ومرونةٍ وأيضًا بسرية.

في مطلع التسعينيّات، كانت روسيا متعثّرة ماليًا، فاتفقت مع الصين على أن تُتيح لها تجميع مقاتلات "سوخوي 27" الشهيرة محليًا (المقاتلة الأولى في عائلة "فلانكر" الروسية الشهيرة)، ولكن سرعان ما قلّدت بكين هذه المقاتلة وأوقفت استيراد أجزائها من موسكو، وأنتجت عدّة أنواع أوّلها "J-11 نسخة من سوخوي 27 الروسية" ثم "J-16" الأكثر تقدّمًا بل أنتجت الصين نسخةً تنطلق من حاملات الطائرات تُدعى "J-15" من خلال محاكاة مقاتلة "سوخوي 33" غير كاملة اشترتها من أوكرانيا، والآن فإنّ نُسخ عائلة "فلانكر" الصينية تكاد تضاهي نسخ "فلانكر" الروسية مثل "سوخوي 30" و"سوخوي 35" ويُعتقد أنّها تتفوق عليها تحديدًا في الرادارات لأنّ بكين تنتج راداراتٍ متقدمةً من نمط "إيسا" (AESA) التي لم تستطع موسكو إدخالها الخدمة بعد.

كما يُعتقد أنّ بكين متفوقةٌ على موسكو بمجال صواريخ "جو - جو" ومنها صاروخ "PL-15" الذي يُعتقد أنّه أسقط الطائرتيْن الهنديتيْن، وهو الصاروخ الذي أدّى دخوله الخدمة إلى إثارة قلق واشنطن لأنّه لا مثيل له لديها، ما دفعَها للسعي إلى تقديم منافس له (لا يوجد نظير له إلّا صاروخ ميتيور "METEOR" الأوروبي).

"ملهى ليلي" يتحوّل إلى حاملة طائرات

بَنَت الصين أولى حاملات طائراتها من خلال محاكاة حاملةٍ سوفياتية غير مكتملة كانت معروضةً للتخريد بأوكرانيا، واشتراها رجل أعمال صيني بدعوى أنّه سيستخدمها كـ"ملهى ليلي عائم" في هونغ كونغ، ثم قامت بكين بإعادة تأهيلها، وبعد ذلك صنعت أولى حاملاتها المحليّة كنسخةٍ من هذه الحاملة السوفياتية، ثم دشّنت الحاملة الثانية والتي تبيّن أنها أكبر وأكثر تقدّمًا، وتُمثّل نقلةً كبيرةً ستُقرّبها من الحاملات الأميركية.

لا يوجد أي صاروخ كروز فرط - صوتي حاليًا لدى أميركا وحلفائها

وفي مجال مقاتلات الجيل الخامس "الشبحيّة"، صنع الصينيون المقاتلتيْن "J-20"، و"J-35" اللتيْن يُعتقد أنّهما متأثرتان بتكنولوجيا أميركية مُقرْصنة، لتصبح بكين عضوًا في نادي مُصنّعي المقاتلات الشبحية مع أميركا وروسيا وهو النادي الذي لم تستطع دولتان مثل فرنسا وبريطانيا الانضمام إليه بعد، بل إنّ بكين بامتلاكها مقاتلتيْن شبحيّتيْن تتفوّق على روسيا التي تمتلك مقاتلةً شبحيّة واحدة، كما بات يُعتقد في الغرب أنّ المقاتلة الصينيةJ-20  أكثر شبحيةً من الروسية "سوخوي 57" (بفضل تطوّر تكنولوجيا المواد المُركّبة الصينية)، وأكثر جاهزيةً وتطورًا في مراحل الإنتاج، حيث يزيد عدد المُنتَج منها عن 200 مقاتلة مقابل بضع عشرات للـ"سوخوي 57" التي يتعثّر إنتاجها بسبب الحصار الغربي على موسكو ومشاكلها التصنيعيّة، على الرَّغم من أنّه في البداية كان الغرب ينظر للمقاتلة الروسية بإعجاب ويسخر من "J-20".

وفي مجال الصواريخ فرط - صوتية (الأسرع من الصوت خمس مرات فأكثر)، فإنّ الصين وروسيا تسبقان الغرب، حيث لديهما العديد من الصواريخ فرط - صوتية، بينما لا يوجد أي صاروخ كروز فرط - صوتي حاليًا لدى الولايات المتحدة وحلفائها، وإنْ كانت واشنطن تسعى بقوّة للّحاق بالصين في هذا المضمار.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن