العرب وطموح الوحدة

"فكرة" تتجدّد!

مجيء شهر مايو/أيار في كل سنّة سوف يظل فرصةً متجدّدةً للحديث عن "مجلس التعاون الخليجي"، لا لشيء، إلّا لأنّ المجلس نشأ في مثل هذا الشهر من عام 1981. وفي مايو/أيار 2031 سوف يحتفل المجلس بالذكرى الذهبية لتأسيسه، وسوف نكون على موعدٍ مع سؤالٍ بعد ست سنوات من اليوم، عمّا إذا كان مجلس مثله قد حقّق ما انطلق من أجله، أم أنّ الطريق لا يزال طويلًا؟.

بخلاف "جامعة الدول العربية" باعتبارها المنظمة الإقليمية الأمّ في منطقتنا، فإنّ مجلس التعاون الخليجي يبقى التجربة الوحدويّة أو الاتحادية الوحيدة التي صمدت أمام الزّمن، والتي لا تزال تقاوم لعلّها تحقّق الأهداف التي وضعتها أمامها يوم نشأتها، أو لعلها تُجسّد الأحلام التي رافقت انطلاقتها يوم خرجت كتجربةٍ صامدةٍ إلى النور.

فلقد نشأ ما يُسمّى "مجلس التعاون العربي" ذات يوم، وكان بين مصر والعراق واليمن والأردن، ثم ما لبث أن اختفى ولم يعُد أحد يذكره. ولا بدّ أنّ نجاحه منذ البداية كان محلّ ظنون، لأنّه لا يمكن أن تقوّمَ تجربة وحدوية مثله بين دولٍ متناثرةٍ من حيث موقعها على الخريطة، ثم ننتظر أن تصادف نجاحًا بين الدول الأعضاء.

أفكار الوحدة أو الاتحاد لها قواعد وأصول لا بدّ أن تكون مرعية

ولم تكن تجربة الوحدة المصرية - السورية مختلفةً عن تجربة مجلس التعاون العربي، لأنّ الانفصال الجغرافي الذي عانت منه هذه التجربة، هو نفسه الذي كان عيبًا في مجلس التعاون العربي، وفي الحالتيْن كانت التجربتان تنقصهما عناصر نجاحٍ كثيرة، وكان التواصل الجغرافي بين أطراف التجربة عنصرًا ناقصًا ضمن عناصر أخرى.

إنّ أفكار الوحدة أو الاتحاد لها قواعد وأصول لا بدّ أن تكون مرعيةً إذا شئنا لها النجاح، ولو ألقيْنا نظرةً على الإتحاد الأوروبي مثلًا فسوف نجد أنّ اتصالًا جغرافيًا يربط الدول الأعضاء فيه جميعها، ربّما باستثناء بريطانيا التي وإنْ كانت قد غادرته، إلّا أنّها انخرطت فيه منذ بدايته، وكانت الدولة الوحيدة التي يفصلها بحر عن بقية الأعضاء، ولكنّها كانت على الرَّغم من ذلك جزءًا جغرافيًا متسقًا مع القارة كلّها، ولم تكن تقع في أقصى الأرض.

استطاع مجلس التعاون أن يضمن لمواطني دوله حريةً في التنقّل لم تكن قائمة قبل نشأته ولا تزال تنقصه درجات وخطوات

وبالطّبع، فإنّ الاتصال الجغرافي لا يتكفّل وحده بنجاح أي تجربة وحدويّة أو اتحادية، لأنّ الاتحاد المَغاربي مثلًا لم يكن ينقصه التواصل أو الاتصال الجغرافي من أوّل موريتانيا في الغرب إلى ليبيا في الشرق، ومع ذلك لم ينجح ولم يصمُد، وصِرنا إذا تكلّمنا عنه فعلنا ذلك على سبيل التجربة التي صارت ذكرى.

إلّا مجلس التعاون الخليجي فإنّه صمد، والأرجح أنّه سيصمد ما لم تكن هناك مفاجآت على الطريق، لأنّ عناصر النجاح تتوفّر فيه بأكثر ممّا توافرت بكثير في التجارب المُشار إليها. صحيح أنّه لم يصل بعد إلى ما يجعله تجربةً مكتملةً أو أقرب الى المكتملة، ولكنّه استطاع أن يحافظ على وجوده، وهذا في حدّ ذاتِه درجة من درجات النّجاح، واستطاع أن يضمن لمواطني الدول الأعضاء الست حريةً في التنقّل لم تكن قائمةً قبل نشأته، وهذه كذلك درجة مضافة من درجات النجاح، ولكن لا تزال تنقصه درجات وخطوات.

ماذا لو عمل مثلًا على فكرة السكة الحديد التي قيل في عام 2009 إنّها ستمتدّ بين الدول الست، ثم لم تبرح مكانها كفكرةٍ إلى اليوم؟

عندما تتحقّق فكرة السكة الحديد ستكون طريقًا للتنمية ونجاحها سيكون محفّزًا لإنجاح أفكار مشابهة في أرض العرب

كان التصوّر أن يبدأ خط السكة الحديد من الكويت، وأن يصل من بعدها إلى عُمان في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، وأن يمرّ في طريقه بالبحرين، وقطر، والإمارات، وبالطبع السعودية، وأن يصل طوله إلى 2177 كيلومترًا، وأن يكون سقف التكلفة 250 مليار دولار.

مجيء شهر مايو/أيار أتاح للفكرة أن تظهر في بعض وسائل الإعلام من جديد، ولكنّ ظهورها أشار إلى أنّها لا تزال في نطاق الفكرة، وأنّ الأمل لا يزال قائمًا في أن تغادر هذا المربّع، وأن يأتي مايو/أيار المقبل لتكون قد غادرت مكانها كفكرةٍ ولو قليلا. إنّ مدّ طريقٍ بهذا الطول، وبهذه التكلفة، وبهذا العدد من الدول التي سيخدمها، يبقى فكرةً طموحةً للغاية، وعندما تتحقّق ستكون طريقًا للتنمية بين الدول الست وليست مجرّد وسيلةٍ لنقل الركاب والبضائع، وسيكون نجاحها مُحفّزًا لإنجاح أفكار مثيلة أو مُشابهة في مكانٍ آخر في أرض العرب، فالنّجاح يمكن أن ينتقل بالعدوى، ولا يوجد شيء يُحتّم أن تتوقّف العدوى عند حدود المرض بين البشر.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن