إذا حاولنا عقد مقارنةٍ بين نوعية هذا الاستعمال وطريقة الإنجاز بين دولنا والبلاد المتقدّمة، نلحظ أنّ استعمالنا لها يتمّ بطريقةٍ عشوائيةٍ لا تُراعي العواقب الصحيّة والبيئية وأثرها على حياة النّاس مع غياب الرّقابة وانحسار وعي المزارعين. هذا على عكس ما يحدث في البلاد المتقدّمة التّي تتشدّد في استخدامها وِفقًا لبروتوكول وتعاليم صارمة تقوم على الاعتماد على أنظمة إنذارٍ مبكّر وتحاليل مخبرية دورية ومنتظمة.
وتُظهر الدّراسات في البلاد العربيّة أنّ الاستخدام العشوائي للمُبيدات كان سببًا مباشرًا في انتشار أمراضٍ مثل السرطان وضعف الخصوبة لدى الرّجال. وهذا ما تؤكّده نسب الإصابة في السعودية ومِصر والجزائر وتونس. وللتّذكير، فإنّ لبنان وحده يستخدم حوالى سبعة كيلوغرامات من المُبيدات في الهكتار وهو من أعلى المعدّلات المُسجّلة عالميًا، ممّا جعل صحة المُواطنين مهدّدةً بشكل مباشر. لقد استخدمت مصر بمفردها عام 2019 حوالى 11 ألف طن من المواد الخطرة للمبيدات الزّراعية.
نوع من المبيدات العضوية والكلورية يزيد من خطر الإصابة بأخطر السرطانات
وبلغ مستوى التلوّث في دراسةٍ شملت 4.500 عينة من الخضراوات ما بين 2018 و2022 أنّ 45 في المائة منها تحتوي على أكثر من 40% من بقايا المُبيدات و17% تجاوزت الحدود القصوى المسموح بها وفقًا لمعايير المُنظمة الدّولية التّي أنشأتها منظّمة الأغذية والزّراعة. كما أنّ الدّراسة التي أجرتها منظّمة الصحّة العالمية في المنطقة العربية والشّرق الأوسط أثبتت تجاوز الحدود القصوى لبقايا المُبيدات في ما يصل إلى 67% من العيّنات في بعض الدّراسات. وهذا ما توقفت عنده الإمارات العربية في دراسةٍ عن الخضراوات والفواكه المستوردة من البلاد العربية، شملت 79 نوعًا مختلفًا من المُبيدات الضارّة بصحّة المستهلك، إذ إن 31% منها تجاوز الحدود القصوى المسموح بها. وأشارت هذه الدّراسات إلى أنّ نوعًا من هذه المبيدات، بخاصة العضوية منها والكلورية يزيد من خطر الإصابة بأخطر السرطانات. وفي دراسةٍ موازيةٍ أجريت في مصر أثبتت وجود علاقةٍ وطيدةٍ بين نوع هذه المُبيدات وتطوّر سرطان داخليّ من خلال آليات السمّية الجينيّة والخلوية والتّأثيرات الهرمونيّة.
لكن التّحقيقات الصحافية وتقارير هيئات المجتمع المدني، أكّدت على أنّ ضعف الرّقابة والتسيّب في استعمال المُبيدات المحظورة مرتبط بالفساد والتواطؤ مع شركاتٍ محلّيةٍ وأخرى عابرةٍ للحدود. ولعلّ الفضيحة التي أثارها أحد النّواب اللبنانيين في سنة 2023 عن تهريب مُبيداتٍ زراعيةٍ ومُسرْطنة إلى لبنان عبر الحدود السّورية ومرفأ بيروت، مع ذكرِه أسماء الشركات والأشخاص المتورّطين في هذه الجريمة، تُعزّز حقيقة طغيان الفساد والرّيع اللّذيْن يحرّكان هذا الاعتداء اللاإنساني على صحّة المواطن.
تفعيل برنامج مراقبة منتظمة لبقايا المُبيدات في المنتجات الزّراعية مرتبط بتجريم الفساد وتطبيق قوانين صارمة
ولا تختلف هذه الحقيقة عن غيرها في الكثير من البلدان العربيّة، كما هي الحال في مصر حيث تمكّنت شركات بعينها من استيراد مُبيدات محظورة مثل صنف طماطم "023" وبتراخيص حكومية، وفي تونس حيث استمرّت شركات عالمية مثل "ب-س-ف" و"بايير" في توريد مُبيدات محظورة على الرَّغم من منعها في أوروبا وأميركا، والتي حصلت على تراخيص رسمية من وزارتَي الفلاحة والصحّة.
إنّ تفعيل برنامج مراقبة منتظمة لبقايا المُبيدات في المنتجات الزّراعية، مرتبط بتجريم الفساد العابث بصحّة المُستهلك العربي ووضع تشريعاتٍ تنصّ على تحديث وتطبيق قوانين صارمة خاصّة باستخدام المُبيدات والحدود القصوى المسموح بها.
(خاص "عروبة 22")