بينما كانت طائرة نقل عسكرية من طراز "C-17" على وشك الإقلاع من سان أنطونيو متوجهةً إلى مطار مصراتة في غرب ليبيا، لنقل المهاجرين لمسافة 6300 ميل، أدّى الجدل حول الصفقة إلى تراجع إدارة ترامب. وبعدما تمّ ابلاغ المهاجرين بأن الجيش الأميركي سينقلهم جوًّا، ووقّع بعضهم وثيقةً تسمح بترحيله إلى ليبيا، أدّت التسريبات المتعلّقة بالخطط إلى إلغائها.
وتلقّى الصحافيون إجاباتٍ مُحبطةً للغاية من إدارة ترامب، بينما سجّلت وثائق أميركية قضائية بالفعل تقارير مقلقةً بوجود عمليات ترحيلٍ وشيكةٍ لأشخاصٍ من لاوس، وفيتنام، والفيليبين إلى ليبيا.
لكنّ تداعيات القصة، كانت قد بدأت لتوّها، حيث تناسى الفرقاء الليبيون المختلفون على كل شيء تقريبًا خلافاتهم، واتفقوا على مسألةٍ واحدة، وهي نفي تورّطهم في استقبال مهاجرين.
وأوفد القائد العام للجيش الوطني المُشير خليفة حفتر، نجله الفريق صدّام، وقائد القوات البرّية إلى العاصمة الأميركية واشنطن، تزامنًا مع تواجد عبد السلام الزوبي وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوحدة المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
الهدف المعلن، تعزيز التعاون العسكري، وهو تعبير ظلّ مُدرجًا على مدى السنوات الـ14، التي تلت إسقاط القذافي، من دون أي مردودٍ ايجابيّ على الأزمة العسكرية والأمنية.
حوارات واشنطن
لكنّ الحاصل أنّ تواجد صدام والزوبي، كان وفقًا لمصادر عربية وليبية، بمثابة محاولةٍ لاستكشاف نوايا الإدارة الأميركية، ومدى استعدادها للانخراط في الملف الليبي.
Senior Bureau Official Tim Lenderking, Senior Advisor Massad Boulos, and Special Envoy Richard Norland hosted at the State Department on April 28 a delegation led by Lt. General Saddam Haftar, the envoy of the General Commander of the Libyan National Army. They agreed that a… pic.twitter.com/B7fWi1I4rS
— U.S. State Dept - Near Eastern Affairs (@StateDept_NEA) April 28, 2025
ترامب العائد إلى البيت الأبيض، سعى في ولايته الأولى لمساعدة المُشير حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد، على استكمال مهمّته في تحريرها من الجماعات الإرهابية والمتطرّفة عبر غضّ الطرف عن مشروع حفتر الطموح لاجتياح العاصمة طرابلس.
بوساطةٍ مصرية وإماراتية، هاتف ترامب حفتر، بينما قوات الجيش الوطني على تخوم طرابلس، لكنّ الأخطاء التي ارتكبها حفتر لاحقًا، ودخول تركيا على الخط لمساعدة قوات حكومة الوفاق السابقة برئاسة فائز السراج، أحبط الخطّة.
وفقًا لجنرالٍ مقرّبٍ من حفتر "كنّا بالفعل داخل العاصمة في مواقع عدّة، لكن تركيا جلبت آلاف المرتزقة والمعدّات العسكرية، فتغيّرت المعادلة ميدانيًا على الأرض".
برواية مصادر أخرى، اعتمد حفتر على تحالفاتٍ هشّةٍ مع بعض قادة الميلشيات المسلّحة، الذين لم يلتزموا بتعهداتٍ قطعوها في عواصم عربية عدّة، سرًّا.
استغلال الانقسام
يُدرك ترامب، الساعي لجعل ولايته الثانية "تاريخية"، أنّ السلطة الحاكمة في ليبيا، ليست موحّدة، لذا حاول استغلال هذا الانقسام لصالح إعادة توطين المهاجرين.
بحسب مصدر ليبي مطّلع، تحدّث لـ"عروبة 22"، فإنّ "تسابُق الطرفيْن في الشرق والغرب على عرض خدماتهما على إدارة ترامب، جعله يعتقد أنّ بإمكانه استغلال اللّحظة لإرسال المهاجرين إلى هناك".
وفقًا لهذه الرواية، كانت حكومة الوحدة المؤقتة، التي تُدير المنطقة الغربية من مقرّها في العاصمة طرابلس، أكثر المتحمّسين لفعل ذلك وتسهيله، إذا كان سيضمن تأييد ترامب لبقائها في السلطة.
الدبيبة، الذي يواجه مشاكل عسكرية وأمنية واقتصادية بالجملة، يعاني أيضًا من خلافاتٍ متصاعدةٍ مع مجلس النواب، بينما يقف المجلس الرئاسي حائرًا في المنتصف برئاسة محمد المنفي، غير قادر على الحركة، أو تغيير المشهد، على الرَّغم من أنّه نظريًا يُعتبر القائد الأعلى لقوات الجيش الليبي!.. لكن عن أي جيش نتحدّث: هناك قوات نظامية بقيادة حفتر في الشرق، لا تعترف بالمنفي أو الدبيبة الخاضعيْن في المقابل لهيمنة الميليشيات المُسلّحة، المتصارعة على مناطق النفوذ والسلطة والثروة.
انتخابات مؤجلة وقتال متوقع
وسط هذه الفوضى، تَعِدُ البعثة الأممية الليبيين بنتائج غير ملزمة للجنةٍ استشاريةٍ، أوْكلت اليها مهمّة حسم الخلافات حول قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.
ولأنّ لعبة تضييع الوقت أو محاولة كسبه، باتت تقليدًا سياسيًا، فقد تعهد المنفي بتنظيم استفتاءٍ شعبيّ على نتائج اللجنة، التي لن ترى النّور بأي حالٍ من الأحوال، ذلك أنّ البلاد العاجزة عن إقامة انتخاباتٍ نزيهةٍ ومباشرة، لا يمكنها في ظلّ سطوة الميليشيات المسلّحة وجيش المرتزقة وقوات الحليف التركي المتواجدة على الأرض، أن تنظّم أي استفتاء على الإطلاق.
ووثّقت منظّمات دولية الظروف اللاإنسانية والانتهاكات الجسيمة في مراكز احتجاز المهاجرين والسجون الليبية، ما يجعل ليبيا جحيمًا للمُهاجرين والمُقيمين على حدٍّ سواء.
في هذه الأثناء، يتعيّن أن ننتبه الى أنّ المعارك التي شهدتها طرابلس على الرَّغم من تحذيرات أميركية وأمميّة، أسفرت عن مقتل 6 أشخاص وإصابة عددٍ غير معلومٍ عقب تصفية عبد الغنى الككلي، رئيس جهاز "دعم الاستقرار" المقرّب من الدبيبة.
وعلى ما يبدو لن يتغيّر شيء في ليبيا، فتلك فقط بداية لجولةٍ جديدةٍ من صراع "الإخوة الأعداء"، لا غير!.
(خاص "عروبة 22")