يُعدّ التوسّع في الأراضي الصحراوية المُستصلحة ضرورةً للنهوض بالقطاع الزراعي العربي الذي يواجه العديد من التحدّيات البيئية والاقتصادية، ومن أبرزها زيادة السكان وتراجع رقعة الأراضي الخصبة القديمة (الضئيلة أصلًا) جرّاء البناء عليها لغرض السكن والتصنيع، إضافةً إلى إصابة الكثير منها بما يمكن وصفه بالإرهاق جرّاء الإفراط في الزراعة منذ سنواتٍ طويلةٍ والتوسّع في استخدام المُخصّبات والمُبيدات.
لذا يُعتبر مجال استصلاح الأراضي الصحراوية والقاحلة من أهمّ المجالات التي تسعى الدول العربية إلى تحقيق تقدمٍ فيها بهدف توسيع الرقعة الزراعية والذي يؤدّي بدورِه إلى زيادة الإنتاجية من الحاصلات الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي للمواطن العربي وتقليص الفجوة الغذائية في المنطقة.
يعطي فرصًا هائلة لتأهيل مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية ويساعد على تقليل الحاجة إلى الريّ المتكرّر
من المعروف أنّ المنطقة العربية تعدّ من أكثر مناطق العالم جفافًا، الأمر الذي يجعلها في حاجةٍ إلى التقنيات والأساليب التي تساعد على الزراعة في الأراضي القاحلة والرملية ومن هنا يكتسب "البيوشار" أهميةً خاصةً بالنسبة للزراعة في العالم العربي.
و"البيوشار" هو مادةٌ ناتجةٌ عن التحلّل الحراري للموادّ العضوية خاصة المخلّفات الزّراعية وذلك عند درجات حرارةٍ مرتفعة تصل إلى حوالى 600 درجة مئوية بمعزلٍ عن الأكسجين. ويتميّز "البيوشار" باحتوائه على حوالى 75% من الكربون العضوي الذي يعمل على تحسين خصائص التربة الرّملية وزيادة احتفاظها بالعناصر الغذائية والمياه.
للتعرّف بصورةٍ أكثر وضوحًا على خصائص "البيوشار" وتأثيراته، نجد أنّ إضافته إلى التربة يعزّز من نشاط الكائنات الحيّة الدقيقة المُفيدة، بالإضافة إلى أنّه يعمل على امتصاص المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الملوِّثة للتربة والناتجة عن الإفراط فى استخدام الأسمدة العضوية والمُبيدات، كما أنّه يعمل على تعديل حموضة التربة مما يعطي فرصًا هائلةً لتأهيل مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي الصحراوية عبر استنبات العديد من المحاصيل الزراعية التي كان يصعب زراعتها في تلك الأراضي.
من أهمّ مميّزات "البيوشار" أنّه يعمل على اندماج حُبيْبات التربة، بخاصة الصحراوية والقاحلة، مما يؤدّي إلى التغلّب على واحدةٍ من أهمّ مشاكل استصلاح تلك الأراضي وهي النفاذية العالية للتربة الرّملية ما يساعد على ترشيد مياه الريّ وتقليل الحاجة إلى الريّ المتكرّر في تلك المناطق التي تتّسم بأنها شديدة الحرارة.
مُنتجات ثانوية مُهمّة تتكوّن خلال عملية إنتاج "البيوشار"
وهناك العديد من الأمثلة الناجحة لاستخدام "البيوشار" في معالجة واستصلاح الأراضي الصحراوية، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية التي أطلقت مبادراتٍ لاستخدام "البيوشار" النّاتج عن مخلّفات النخيل، في معالجة الأراضي الرّملية ممّا أدّى إلى تقليل استهلاك مياه الريّ بنسبةٍ تصل إلى 30% وهناك أيضًا مشاريع ناجحة في كلٍّ من الإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب.
إضافةً إلى ذلك، هناك المُنتجات الثانوية التي تتكوّن خلال عملية إنتاج "البيوشار"، إذ نجد أنّ الكربون النشط يُشكّل واحدًا من أهمّ تلك المُنتجات وهو يتميّز بقدرة امتصاصٍ عاليةٍ للغازات والملوّثات تصل إلى حوالى 250 مترًا مربّعًا للغرام الواحد، ولذا يُستخدم في تنقية المياه وصناعة الفلاتر الصناعية التي تُستخدم في التنقية من الغازات السّامة والملوِّثات البيئية في المصانع.
ومن المُنتجات الثانوية المُهمّة للبيوشار مادة "السيليكا" (Silica) التي تتميّز بقدرتها الهائلة على امتصاص الرّطوبة بحيث تُستخدم في صناعة الأدوية والأجهزة الإلكترونية.
وهناك أيضًا "خل الخشب" (Wood Vinegar) وهو سائل بنّي داكن يُستخدم كمُبيدٍ حيويّ طبيعيّ يُمثل بديلًا آمنًا لاستخدام المُبيدات الكيميائية الضارّة، كما يُعدّ محفِّزًا طبيعيًا لنموّ النباتات بالإضافة إلى استخدامه في إنتاج المواد الحافظة والنكهات الطبيعية وكلّ تلك المنتجات تستوردها أغلب الدول العربية من الخارج حاليًا بأسعار مرتفعة، الأمر الذي يزيد من استنزاف الموارد الدولارية لهذه الدول.
تحويل المخلّفات الزّراعية إلى منتجٍ اقتصاديّ يوفّر كثيرًا من تكاليف العمليات الإنتاجية ويوفّر فرص عمل في الرّيف
من هنا تتبيّن أهمية "البيوشار" كمنتجٍ يوصف بالسّاحر بفضل تميّزه بخصائص مُهمّة لها انعكاسات إيجابية على الأراضي الزراعية المُستصلحة والمياه، ومحتوى صناعيّ مُهمّ اقتصاديًا بالإضافة إلى مردوده البيئي الذي يتمثّل في التخلّص من المخلّفات الزّراعية وتحويلها إلى منتجٍ اقتصاديّ يوفّر كثيرًا من تكاليف العمليات الإنتاجية لأنه يقلّل من الأسمدة الكيميائية والمُبيدات التي تستهلك جزءًا كبيرًا من التكاليف، كما يمكن أن يوفّر "البيوشار" العديد من فرص العمل في الرّيف، وذلك عبر عمليات الإنتاج والتسويق ممّا يساهم في تحقيق التنمية المُستدامة في القطاعات الزراعية في الوطن العربي.
إلّا أنّ ذلك يحتاج إلى بحثٍ علميّ وتطويرٍ مستمرّيْن وتبادل الخبرات بين الدول العربية للوصول إلى تقنياتٍ متطورةٍ واقتصاديةٍ من حيث التكلفة، بالإضافة إلى زيادة الوعي والتدريب للمزارعين حول استخدام "البيوشار" وتطبيقاته بهدف التوسّع في الاستفادة منه بما ينعكس إيجابًا على القطاع الزراعي العربي.
(خاص "عروبة 22")